ما أن تطل علينا مناسبة مولد الهدى صلوات ربي عليه وسلامه، الرحمة المُهداة والنعمة المُسداة، إلا وتطلع علينا تلك الجماعة، يلوكون الأسطوانة المشروخة، بأن المولد بدعة والاحتفال به منكر وحرام، يشرعون في الدين بغير هدى ولا كتاب منير. ولكن عزاؤنا، انهم لن يثنوا الأمة المحمدية عن تعظيم رسولهم بشتى السبل، وكيفما شاءوا. ويا لعجبي! يطلع علينا أحدهم، ليقول إن الصوفية يبجلون الرسول أكثر من اللازم.. سبحان الله! ألم يعلم كيف كان يبجل صحابة رسول الله رسولهم؟ كانوا من حبهم له شربوا دمه وتمسحوا بمخاطه وتطيبوا بعرقه. فماذا يساوي حبنا لرسولنا من حب أصحابه له؟!. ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم ، عظَّمه رب العزة إذ قرن اسمه مع اسم الجلال في الشهادة. وهنا إن شاء الله سنوضح بالأدلة النقلية والعقلية وإجماع المسلمين جواز الاحتفال بميلاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بل وجوب ذلك لما آل إليه حال المسلمين من بُعد عن السنة، بل وظهور فرقة تُسمى ب(القرآنيين) لا يأخذون بالسنة ولا يعرفونها، ودونكم من جرت محاكمتهم بالردة. أول هذه الأدلة، ألم يحتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمناسبة مولده بأعظم شعيرة وهي الصيام وذلك في كل أسبوع؟ نعم.. عندما سُئل صلوات ربي عليه وسلامه عن صيامه ليوم الاثنين، قال:«ذاك يوم ولدتُ فيه». أتدرون معنى هذا؟ أي أنه يعظم ذلك اليوم لأنه يوم ميلاده. فإذا كان هو يحتفل كل أسبوع بميلاده، ألا يحق لنا نحن أمته أن نحتفل بمناسبة ميلاده كل عام؟.. مالكم كيف تحكمون؟! ثم نسوق أقوال بعض العلماء ونبدأ بالإمام ابن تيمية المرجع الأول للفرقة (الوهابية) التي تفجُر في خصومة الصوفية الذين يحتفلون بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، ولنرى ماذا قال عن الاحتفال بالمولد النبوي: ذكر الإمام ابن تيمية في كتابه (اقتضاء الصراط المستقيم) 297/1، قال: (إن الاحتفال بالمولد قد يفعله بعض الناس، إما مضاهات للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام، وإما محبة للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيماً له. والله قد يُثيبُهم على هذه المحبة والاجتهاد) -انتهى- نقول وشهد شاهد من أهلها. سُئل شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني – وهو من أتباع ابن تيمية- عن عمل المولد، فأجاب:(إنه بدعة حسنة لم تُنقل عن السلف من القرون الثلاثة، ولكنها اشتملت على محاسن). لا فُضَّ فوك أيها الإمام.. لقد أثبت شيئين مهمين، هما أن هنالك بدعة حسنة، ثم اقرارك باشتمال المولد على محاسن وليس مساوئ كما يزعم الضلال. أما الإمام المحدِّث الفقيه أبو شامة شيخ الإمام النووي فقال:(من أحسن ما ابتُدِع في زماننا، ما يُفعل كل عام في اليوم الموافق لمولده صلى الله عليه وآله وسلم من صدقات ومعروف وإظهار الزينة والسرور. فإن ذلك يُشعر بمحبته صلى الله عليه وسلم وتعظيمه في قلب فاعله وشكراً لله تعالى على ما منَّ به من إيجاد رسوله الذي أرسله رحمة للعالمين). انتهى.. نعم..القصد من الاحتفاء بمولد الهدى هو إظهار الفرح والسرور بتلك المناسبة التي لم تتكرر في تاريخ البشرية، وقد فرح بها الشجر والمدر، بل انشق لها القمر. وقد تحدث أئمة كُثْر في القول بجواز الاحتفال بالمولد النبوي، بل والحث عليه، ومنهم الإمام السبكي قال: عندما نحتفل بذكرى المولد النبوي الشريف يدخل الأنس قلوبنا ونشعر بشيء غير مألوف. وقال الإمام السخاوي: بدأ المولد بعد ثلاثة قرون من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، واحتفلت به جميع الأمم الإسلامية على سائر الأقطار. وذكر الإمام السيوطي في كتابه (حُسن المقصد في عمل المولد)-(ص 54-62)، أصل الاجتماع لصلاة التراويح سُنة وقُربى. وكذلك نقول أصل الاجتماع لإظهار شعائر المولد مندوب وقُربى وهي نيَّةٌ مستحسنة بلا شك. روى الإمام البخاري في كتاب (النكاح) أن أبو لهب يُخفف عنه من عذاب جهنم كل يوم اثنين ويمُص من إصبعه ماء بقدر رأس الأصبع، وذلك لاعتاقة لثويبة عندما بشرته بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم. هذا شأن الذي مات على الكفر، فما شأن المسلم الموحِّد الذي يفرح بمولده عليه وآله أفضل الصلاة وأذكى التسليم؟. إذا كان هذا كافراً جاء ذمه ٭٭ تبت يداه في الجحيم مخلدا أتى أنه في يوم الاثنين دائماً٭٭يخفف عنه للسرور بأحمدا فما الظن بالعبد الذي طول عمره٭٭ بأحمد مسروراً ومات موحدا إذن..إخوة الإسلام، عندما نحتفل كل عام بمولده صلى الله عليه وسلم، يجب أن يكون الاحتفال حقيقياً لا تقليدياً، حيث تُنصب السرادق وتُصنّع الحلوى ويتحول الاحتفال من عبادة إلى عادة، كلا.. يجب أن يكون الاحتفال بالاقتداء بسنته صلى الله عليه وسلم في أقوالنا وأفعالنا، وحركاتنا وسكناتنا، وأن نجاهد ونذُبَّ عنه تلك التُّهم المفتراه من قبل أعداء الإسلام ونعض على ديننا بالنواجذ ولا نرضى الدنيئة فيه. وفقنا الله وإياكم إلى التمسك بحبل الله المتين. ثم فلننظر ما المغزى من الاحتفاء بالمولد النبوي الشريف، وهل فيه مفسدة كما يزعم المنكرون،أم مصلحة للأمة الإسلامية؟. نقول إن الهجمة الشرسة من أعداء الإسلام والتي يستخدمون فيها -للأسف- بني جلدتنا، تقتضي أن نذُبَّ عن ديننا ورسولنا بشتى السبل. هل تدرون أن التنصير والاستشراق يسري في أمتنا المسلمة كما تسري النار في الهشيم. ونحن عندما نحتفي بمولد رسولنا كل عام، أقلها نذكر الغافلين بالتمسك به وبسنته السمحة، وهو موسم للدعوة بإقامة المحاضرات والندوات، والأهم من ذلك غرس حب الرسول صلى الله عليه وسلم في نفوس صغارنا، وذلك بصنع حلوى مخصصة لتلك المناسبة. واسمعوا هذه القصة المؤلمة، أن نصرانياً في إحدى المدارس المختلطة بأبناء المسلمين والنصارى، يأتي بحلوى ومعها خبز جاف (قرقوش). ثم يقول للصبية إن الحلوى هي عيسى والخبز الجاف هو محمد. فمن يريد عيسى يعطيه حلوى ومن يريد محمد يعطيه قرقوشاً. فبالطبع كل الأطفال يقولون نريد عيسى. وهكذا يبدأ التنصير للصغار، ومن هنا نلفت لخطورة النصارى في مدارس المسلمين، وأبناء المسلمين في مدارس النصارى. وخزة أخيرة: أخيراً نقول لمن يدعون حرصهم على التمسك بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم والعقيدة الصحيحة، التفتوا الى الذين يمرقون من الإسلام ودعوا من به وشأنهم، وكيف يعبدون الله ويعظمون رسوله، فإن أخطأوا لهم أجر الاجتهاد وإن أصابوا فلم أجران. وهل الأمة الإسلامية اليوم معافاة في أصول دينها وتبقى الالتفات الى الفروع؟ كلا والله! وجهوا سهامكم الى أولئك الذين ينقضون عُرى الإسلام في بلادنا بأفعالهم المُنكرة وآرائهم الشاذة.. وُلِدَ الهُدَى فَالكَائِناتِ ضِيَاءُ٭٭ وَفَمُ الزَّمَانِ تَبَسُّمٌ وَثَنَاءُ خُلِقْتَ مُبَرَّأ مِن كُلِّ عَيْبٍ ٭٭ كَأَنَّكَ خُلِقْتَ كَمَا تَشَاءُ حمَّاد حمد محمد