*والتي نعنيها بعنواننا هذه هي الحيطة.. *فهناك من يمشي جنبها – إيثاراً لسلامة – ويُقال عليه (ماشي جنب الحيط).. *وهناك من لا يرضى إلا بأن يكون فوقها… ولو يدق عنقه.. *وفي دنيا الإبداع خاصة لا ينفع التلبّد خلف الحيط وترديد: يا دار ما دخلك شر.. *وهذه الدنيا تشمل السينما… والشعر… والرواية… والإعلام.. *فالمشي جنب الحيط ضد الإدهاش… والإمتاع… والذيوع… وجرأة الطرح.. *واستوقفني حوار أُجري مع النجم التلفزيوني لاري كينغ.. *وهو بالمناسبة استقال من تلقاء نفسه بعد بلوغه التسعين… وفقدته ال(سي إن إن).. *فالمبدع لا يُحال إلى التقاعد إلا في بلادنا… وأشباهها.. *والآن أشهر مذيعة في العالم تخطو نحو السبعين… وهي أوبرا وينفري.. *سُئل لاري عن سر نجوميته الطاغية فقال (الإيجاز).. *وشرح أكثر فقال إنه يعتمد أسلوب الأسئلة السريعة… الموجزة… الخاطفة.. *ثم لا يدع ضيفه يسرح… ويمرح… و(يتجدع).. *فهو يأخذ بخناقه… وخناق الحوار… وخناق الزمن… وخناق المشاهدين.. *وإذ يفعل كل ذلكم يكون على رأس الحيط…لا جنبه.. *لا يتهيب… ولا يرتجف… ولا ينظر إلى مكانة ضيفه؛ وإن كان الرئيس نفسه.. *وأتمنى لو فُرض هذا الحوار (درساً) على مذيعينا.. *إذن لخجلوا من أنفسهم وهو يثرثرون بسخيف الكلام… ويمشون جنب الحيط.. *وفي مجال الإبداع الصحفي لاحظت شيئاً عجيباً.. *نعم؛ فالصحافة مجال إبداعي لا ينفع معه زحف جنب الحيط…ولا هو ينفع معه.. *ثم المصيبة إذا كان مع هذا الزحف خلوٌّ من الموهبة.. *فهو في هذه الحالة أشبه برص للطوب؛ بعضه فوق بعض… وكلام فوق كلام.. *ما لاحظته أن أغلب إعلاميي عهد (مايو) هم نسخ من سياسييه.. *إذا أراد أحدهم قول كلام يظن أنه يجرح خاطر الحكومة يتعب تعباً شديداً.. *يتعب هو… ويتعب الكلام… ويتعب القارئ المسكين.. *فهو يسافر به إلى رأس الرجاء الصالح… ثم يرجع به مترنحاً من رهق السفر.. *ولا يكاد يعرف (رأسه) من رجليه… ولا يعود كلاماً (صالحاً).. *وحتى الذين هم في مجال الرياضة منهم يمشون جنب الحيط… شيء عجيب.. *وأحد المبدعين الذين وقفوا على الحائط – منذ البداية – سبيلبرغ.. *منذ أن أخرج فيلمه (العربة)…وحتى الآن؛ وقد تجاوز السبعين من العمر.. *فالمبدع لا يموت إبداعه إلا بموته… ولا يعرف (المعاش).. *وأحد أوجه إبداع هذا المخرج المذهلة أنه يقف دوماً فوق الحيط… وينظر.. *ينظر إلى الفضاء… ودواخل السياسة… وحقائق المسكوت عنه.. *وفي فيلمه لينكولن نظر إلى مقولته الشهيرة (أمشي بتؤدة… ولكني لا أرجع للوراء).. *ثم نظر إلى مشيته هذه نفسها فرآها تماثل حكمته.. *فكانت آخر خطاه الوئيدة إلى حيث مصرعه… أبدع خاتمة للفيلم.. *والصمت المخيم… أفضل موسيقى تصويرية.. *وعندنا… أفضل إبداع (جنب الحيط !!!). صلاح الدين عووضة صحيفة الصيحة