بعد عام من رفع سعر الدولار الجمركي من 6 إلى 18 جنيه تتجه الحكومة لتعديله في موازنة العام المقبل، بإعلان رئيس الوزراء من البرلمان أمس الأول عن شروع الحكومة في دراسة لمراجعة سعر الدولار الجمركي مقابل الجنيه، وقوبلت الخطوة بترحيب وإجماع من خبراء الاقتصاد قياسًا بالأزمات الاقتصادية التي تمر بها البلاد منذ مطلع هذا العام، وهي أزمات لعب فيها قرار رفع الدولار الجمركي دورًا رئيسًا. دراسة مراجعة وكشف رئيس مجلس الوزراء ووزير المالية، معتز موسى، في حديثه بالبرلمان أمس الأول عن شروع الحكومة في دراسة مراجعة سعر الدولار الجمركي مقابل الجنيه، وقال إن ارتفاع قيمة الدولار مقابل العملة الوطنيه يتسبب في ارتفاع الأسعار بما فيها الطماطم وتابع: "دي حكاية مربكة ولا طريقة للحل، ومراجعة الدولار الحمركي قيد الدراسة" قاطعًا بعدم انخفاض الأسعار مرة أخرى بعد ارتفاعها، وأشار إلى أنه سيطرح أمام مجلس الوزراء في الأيام المقبلة عرضًا للمغتربين بمنحهم امتيازات لتحويل العملات عبر البنوك، وتابع: "على سبيل المثال يمنح المغترب سيارة حال تحويله مبلغًا محددًا". ترحيب بالخطوة أول ترحيب بالخطوة جاء من وزير المالية الأسبق، بدر الدين محمود، في ذات الجلسة حيث دعا لمراجعة إدارة سعر الصرف واقترح خفض سعر الدولار الجمركي لجهة إن قرار رفعه من 6 إلى 18 جنيهًا تسبب في المشكلة الحالية وهو قرار غير صائب، وأشار إلى أنه بمجرد الحديث عن خفض سعره ستتوالى الأسعار في الانخفاض. مقترح سابق قبل نحو شهرين قدمت هيئة الجمارك مقترحًا لمراجعة قيمة الدولار الجمركي وخفضه في موازنة 2019، بعدما رفعته موازنة العام الحالي إلى 18 جنيهًا بدلًا عن 6.9 جنيهات في السابق، وجاء مقترح هيئة الجمارك نتيجة لتراجع مساهمة الاستيراد في موازنة الدولة إلى 46 في المائة، بعد تدني الواردات بنسبة 20 في المائة نتيجة لرفع الدولار الجمركي. ضغوط اقتصادية في العام 2018 وقبل إجازة الموازنة لم يكن الدولار قد تجاوز حاجز ال "20" جنيهًا والتضخم كان في حدود "32%"، ولكن بمجر بدء تطبيق الموازنة التي اشتملت على قرار رفع الدولار الجمركي تهاوى سعر الجنيه أمام العملات الأجنبية وفقد "125%" من قيمته أمام الدولار، وزاد التضخم بنفس النسبة، مما فاقم حجم الضغوط الاقتصادية على الحكومة بسبب ما أحدثته الموازنة الحالية من اختلالات إضافية على الوضع الاقتصادي. الآن بعد مضي عام منذ بدء التطبيق، يبدو الوصول لمرحلة ما قبل 2018 حلمًا بعيد المنال، حتى لو تم خفض الدولار الجمركي في الموازنة الجديدة بل وإرجاعه للوضع السابق فإنه ما من ضمان بعودة الأمور إلى سابق عهدها. السلبيات الثابت أن سلبيات تطبيق الدولار الجمركي بعد رفعه لا تحصى ولا تعد، مما جعل الخطوة لا تجد التأييد من كل المختصين وهناك شبه إجماع على ضررها، وأبرز السلبيات تمثلت في ارتفاع أسعار بعض السلع بنسبة 300 في المائة، وزيادة التضخم إلى مستويات قياسية لم يبلغها من قبل، ورغم مرور عام على قرار زيادة قيمة الدولار الجمركي، إلا أن تأثيراته على أسعار السلع لا تزال مستمرة حتى اليوم وعاشت الأسواق السودانية انفلاتًا كبيرًا أدى إلى عجز المواطنين عن توفير احتياجاتهم الأساسية، مع ارتفاع التضخم إلى 68 في المائة. قرار غير مدروس المحلل والخبير الاقتصادي، الدكتور عادل عبد المنعم، وصف زيادة الدولار الجمركي التي تمت مطلع هذا العام بأنه قرار "غير مدروس ولم يتم على أساس دراسة واقعية"، وقال ل "الصيحة" أمس، إن تراجع الحكومة عن القرار ومعالجته كان أمرًا منطقيًّا عازيًا الأمر إلى أن الاستمرار في تطبيقه بسعر 18.6 جنيه سيؤزم من الوضع الاقتصادي أكثر مما هو متأزم الآن، موضحًا أن المشكلات التي عانت منها البلاد خلال الأشهر الأخيرة كانت بسبب هذا القرار مما يحتم مراجعته وتعديله. ونادى بإعادته للوضع السابق حيث معقولية السعر، مبديًا استغرابه لتحديد الحكومة لسعر عالٍ في ظل افتقار للموارد الداعمة كما أغفلت الحكومة ووزارة المالية الآثار السالبة والمدمرة التي عاني منها قطاع الاستيراد وتحصيل الجمارك بسبب الإحجام عن الاستيراد والتخليص الجمركي الذي شهد تراجعًا غير مسبوق. وزاد" يجب على الدولة أن تدعم الجنيه بزيادة الضرائب والجمارك ورفع الدعم عن السلع وهذه العملية قد لا تشكل عبئًا على المواطن لأن هبوط قيمة الجنيه يجعل المواطن يدفع ضرائب أكثر ثلاثة أضعاف" مشيرًا إلى وجود حلول أخرى أكثر واقعية لدعم قيمة العملة المحلية ومنها السعي لجذب موارد ضريبية على سبيل المثال. دراسة القرارات ودعا الخبير الاقتصادي، د. عبد الله الرمادي، الحكومة للأخذ برؤية المختصين ودراسة القرارات قبل إصدارها وتطبيقها لمعرفة الآثار المترتبة عليها سلبًا وإيجابًا، ودعا لأن تصاحب خطوة دراسة تعديل الدولار الجمركي إجراءات اقتصادية تطبق بفعالية لمعالجة الاختلالات الاقتصادية الحالية، مشيرًا لأهمية خفض واستقرار معدلات التضخم الذي قال إنه نتيجة مباشرة لزيادة الإنفاق الجاري للحكومة، وبالتالي الحل هو خفض التضخم عبر مراجعة الإنفاق الحكومي وتقليله للحدود المناسبة للوضع الاقتصادي العام. الخرطوم: جمعة عبد الله