كعادتنا كل جمعة ؛ هرباً من دنيا السياسة.. وقصتنا هذه اليوم تبدو غريبة... قد يصعب تصديقها .. فهي إلى عوالم الاستبصار... والاستلهام... والتخاطر... أقرب .. فما كل حقائق الوجود يسهل على العقل التعامل معها بمنطقه العقلاني.. هكذا يقول دعاة ال ما ورائيات.. أي ما وراء المحسوس... والمنظور... والمعقول.. ومنها – مثلاً – أن يمر أحدنا بتجربة سماع اسمه من غياهب المجهول.. أو رؤية منام يتجسد واقعاً بعد فترة .. أو استشعار تحذير داخلي إزاء خطوة ما...فتصدق المخاوف .. أو الاستيقاظ من النوم مغموماً... فيكون للغم سبب.. وحكايتنا الغرائبية هذه بطلتها طفلة في العاشرة من عمرها .. أو هي ما زالت بطلتها – إلى الآن – بعد أن ازدادت من السنوات عشرين.. فمن بين جميع أشجارالبيت انجذبت إلى واحدة بعينها .. وكانت تُهرع كل صباح نحوها... تقف أمامها بتبتل .. كانت تناجيها ؛ وتجزم أن تجاوباً من تلقائها تحسه بلغةٍ غير بشرية .. وذات ليلة جرت مناجاة مسائية تحت ضوء القمر.. و أبصرت ما جعل قلبها الصغير يخفق خفقاناً رأت آثاره أعلى قميصها المسائي.. وكلب البيت – من خلفها – أفاق من غفوته وطفق يعوي... ويتلوى.. ثم يتوقف – من حين لآخر – ليصوب بصره جهة الجهنمية.. وأحست بشعرها الناعم – المنسدل – يقف مثل حراب سور الحديقة.. حديقة منزل أبيها الحكومي ؛ وكان موظفاً ذا شأن بالمدينة.. فقد شاهدت وجه شاب يحدق فيها بعينين حزينتين... من بين أفرع الشجرة.. ورغم جمال عينيه إلا أن مشاعر الخوف غلبت عليها.. وامتنعت أياماً عن مناجاة جهنميتها المفضلة... رغم شوقها الشديد إليها.. ما كانت تقربها أبداً مكتفية بالنظر إليها عن بعد ؛ نهاراً.. ثم حين استجمعت شجاعتها – وعاودت التبتل الطفولي – لم يظهر لها الوجه.. بل لم يظهر مرة أخرى إلى أن أُحيل والدها للمعاش.. وحتى بعد أن حرصت على وجود جهنمية مماثلة في البيت الجديد... لم يظهر.. ولكنه فعل بعد سنوات ؛ وأثناء حفل زواج صديقةٍ لها .. رأته عياناً بياناً – الوجه ذاته رغم آثار السنين – يحدق فيها بعينين حزينتين.. ولم يبق من جمالهما سوى أثر الماضي.. وعند هذه النقطة ننتقل إلى الحاضر... بسطر جديد.. ونسمع لزوجها يختم القصة قائلاً (وتم الزواج من بعد رفض...بادئ الأمر).. رفض من جانب أهلها بسبب تجربة زواج له فاشلة.. وذلك فضلاً عن فارق في العمر... هو بحساب التقاليد كبير.. ولكنها انتصرت لحبها – يقول – إيماناً منها ب( قدرية) حادثة الشجرة.. و(قدرته) هو على الوصول إليها رغم الحواجز.. حواجز الزمان... والمكان... والأحزان.. بل وحواجز سور حديقتها ؛ رغم كثافة الشجر... وشراسة الكلب... ويقظة الخفير.. وتحل – هنا – محل الشرح ضحكة مجلجلة.. ولكن بعض أفراد أهلها – والحي – يعزون الأمر إلى عوامل غيبية.. وحتى تحديقه فيها من بين الأغصان لم يكن إلا سحراً.. ومن أراد التعرف على بطلة قصتنا هذه فليبحث عن أيقونة غريبة بمواقع التواصل.. أيقونة لا تقل غرابةً عن قصتها نفسها.. وهي الجهنمية !!. بالمنطق – صلاح الدين عووضة صحيفة الإنتباهة