صرح دكتور صدقو كبلو القيادي بالحزب الشيوعي بأنه, وبالضرورة حزبه, يعمل لتأسيس نظام رأسمالي صناعي حديث ل تقوم فيه الدولة بدورها الاجتماعي والاستثماري كمقدمة لقيام ثورة (افترض انها اشتراكية). أثار تصريح الدكتور سيلاً من التعليقات والسخرية واعتبرها البعض جناية من انسان شيوعي ان يأتي بمثل هذا القول. لكن الحقيقة هي أن تعليق كبلو كان منسجمًا تماما مع روح ومكتوب الماركسية واللينينية معا. جادل ماركس بأن الاشتراكية ستصعد في أكثر البلدان الرأسمالية تقدمًا ، والتي كانت في وقته إنجلترا وألمانيا. بالنسبة لماركس والماركسيين ، لم تكن الاشتراكية مجرد رغبة ، بل كانت مرحلة تاريخية من التطور المجتمع البشري تترسخ جذورها بعد أن تطور قوى الرأسمالية وسائل الإنتاج إلى مستوى عالٍ معين لتصل الِي نضج يفتح الطريق الِي التحول نحو الاشتراكية ومن بعدها المجتمع الشيوعي. ولكن نظر لينين الِي القضية من زاوية اخري وجادل بأن النظام الرأسمالي يمكن أن يتم يضربه في أضعف حلقاته وأن الاشتراكية يمكن أن تبدأ في البلدان المتخلفة من النظام الرأسمالي العالمي. وهكذا وفر لينين الغطاء النظري كي يقود الشيوعيون الثورة الروسية التي كانت تتمتع بقاعدة اجتماعية أوسع ودفعها للتقدم على الخط الاشتراكي. ولكن بمجرد وصول لينين إلى السلطة ، لم يستطع أن يتجاهل ماركس كليا ، ورأي أنه لا يمكن بناء الاشتراكية بين عشية وضحاها في روسيا الاقطاعية المتخلفة ورأي الضرورة لمرحلة وسيطة ، تسمى رأسمالية الدولة الاحتكارية, وهي من اسمها مرحلة رأسمالية تقودها الدولة. وإعاد الحزب الشيوعي الصيني اكتشاف وجهة نظر ماركس بضرورة تطوير قوي الانتاج الرأسمالي أولا الشيء الذي وفر له فتوي الخلفية الايديلوجية لإعادة التأسيس قبل أربعة عقود والتي نري ثمارها الان في النهضة المذهلة التي حققتها الصين . ولم ينس الحزب الشيوعي الصيني أهدافه الشيوعية وتبني هدف تحول اعمق للشيوعية بحلول 2050. القول بأن الشيوعية فشلت ينطوي علي فهم مبسط للتاريخ. عندما اندلعت الثورة الروسية كانت روسيا في مرحلة تطور مماثلة للبرازيل والهند ومصر. لذا يمكن للمرء أن يحكم على ما إذا كانت الشيوعية قد فشلت أو نجحت من خلال مقارنة روسيا بهذه البلدان الثلاثة قبل وبعد سقوط الشيوعية, وليس مقارنتها بألمانيا أو المملكة المتحدة أو الولاياتالمتحدةالأمريكية. تكشف مثل هذه المقارنة أن روسيا خرجت من الشيوعية باقتصاد أفضل ، وشعب أفضل تعليماً ، وتتمتع ببنية تحتية محترمة ، ومؤشرات اجتماعية واقتصادية تتفوق علي الدول التي كانت مثلها قبل الثورة. يمكن قول الشيء نفسه عن الصين وبقية أوروبا الشرقية التي مرت بالتجربة الشيوعية. ونلاحظ أيضًا إن هذه الدول شهدت أكثر تجارب التنمية نجاحًا منذ ظهور الاستعمار الغربي في أعقاب الثورات الصناعية. والان الصينوروسيا قوي عظمي يحكمها أهلها وليست دولا تابعة للمركز الغربي ولا هم باتباع التابعين. وايضا دول اروبا الشرقية متطورة وتوفر لاهلها مستويات معيشة لا تتوفر خارج مراكز الراسمالية المعولمة. على عكس تطور الغرب، هذا النجاح الملحوظ تحت النظم الشيوعية لم يرتكز على استعمار دول أخرى ونهب مواردها ، ولم يعتمد على عمل العبيد لمراكمة رأسماله عبر قرون ولم يستخدم عمالة الأطفال. مشكلة التجارب الشيوعية أعلاه كانت في غياب الحريات وهذا ما أوردها موارد التهلكة ولكن نقد غياب الحريات لا يعني تبسيط تقييم تجارب إنسانية هامة دفعت التاريخ دفعات جبارة الِي الامام. وكما تنبا ماركس ظهرت نظم ديموقراطية/اشتراكية/اجتماعية في بلدان إسكندنافيا الأكثر تطورا تمثلت فيها اهم القيم الاشتراكية. ولم ينحصر تأثير مختلف مدارس الاشتراكية علي دول إسكندنافيا بل تقلقل في داخل كل معاقل النظام الرأسمالي, وتحت ضغوط الفكر اليساري الاشتراكي وحركاته السياسية فرض علي النظام الرأسمالي تقديم تنازلات هامة للطبقات العاملة مثل مجانية التعليم والعلاج والضمان الاجتماعي والسكن المدعوم, فهذه الخدمات ليست من جوهر النظام الرأسمالي ولكنها تنازلات فرضت عليه. لذا فإن المحصلة النهائية هي أنه لا يوجد اشتراكي عاقل يدعو إلى التحول الاشتراكي في بلد مثل السودان فيه قوى الإنتاج ضعيفة ومتخلفة. وبيان الدكتور كبلو القائل بأنه ، وضمنيًا حزبه ، لا يدعو إلى التحول الاشتراكي في السودان الآن ، ليس فقط عقلانيًا بل هو أيضًا من صميم الماركسية واللينينية. الدكتور كبلو غير كامل ،وهو خطاء ، مثلنا جميعًا. لكن مقولاته الأخيرة لا خطيئة فيها ولا كفر في ميزان ماركس ولا لينين ولا دينق شاو بنق. لذلك قبل الهجوم علي كبلو ، يجب مراجعة أسس الفلسفة السياسية أولاً . لم انتم في يوم لحزب شيوعي أو ماسوني أو غيره ولا يهمني الدفاع عن الشيوعي السوداني , فاهله اقدر علي ذلك بالوسائل التي تعلمون, وانما اهدف فقط لرفع وتيرة النقاش وكم اتمني من المروجين لفشل واجرام اليسار الاشتراكي أن يراجعوا أيضا مساهمات منافسيه السياسيين والفكريين وتحديد اسهامهم الحضاري لو كانوا ختميين أو سنبليين أو مهديين أو قرنقيين أو غيرهم.