ورد على لسان وزير الشؤون الدينية والأوقاف نصر الدين مفرح في إحدى المناسبات الدينية قبل يومين قوله: القرآن دستور الدولة، ولا خلاف عليه. فالقرآن دستور الدولة حقيقة لا خلاف عليها. فمن السياسات من يجعل هذه الحقيقة واقعا، ومنها من تحاول ان تجعله بعيدا عنها. ومنها ما تتمسك به، ولا تعرف كيف تحسن إليه، فتقوم بالإساءة إليه. قطعا الظروف، والأحوال، والقرائن تختلف من زمن لآخر، وبالتالي الآلية التي تتحقق بها هذه الحقيقة تختلف. فكونها حقيقة لا خلاف حولها. الخلاف في كيفية جعلها واقعا. البعض يحاول جاهدا أن يفرضها، ولا ينتبه لما يدور حوله من ظروف تواجه الإسلام والمسلمين. فينادي بها دون اعتبار لما حوله ويعد من يعترض عليه بالويل والثبور. ولا يعنيه أن المسلمين أساؤوا للإسلام أكثر مما أساء له غيرهم. فتحتاج الحقيقة لتثبيت من داخلها أولا ثم بعد ذلك تحمي نفسها من غيرها، فلا بد لذلك أن يكون الخطاب لينا لا عنيفا، فالإسلام يدعو للين، ولا يتبنى العنف؛ ليجعل به القرآن دستور الأمة. لا تمثل التفجيرات حجارة لتثبيت قواعده على الأرض. و لا يسقيه بخطاب الكراهية، والبغض للآخر ابتداء. التمسك بحقيقة القرآن دستور الأمة إيمان راسخ وإفساح له ليكون مطبقا، وقويا بحيث يتغلب على كل ما هو في الساحة من دساتير لا بالعصبية، ولا بالعنف، ولكن بالوعي، وبامتصاص كل العداوات بكل حكمة واقتدار. الإنقاذ حينما قدمت هذه الحقيقة: القرآن دستور الدولة بغض النظر عن مدى صدقها، فقد واجهت هذه الحقيقة بعداء العالم، واستبقت إعلان الحرب عليه، وداخليا عملت على إقصاء الآخر بكل أنواعه. فلا إعلان الحرب أخاف العالم، ولا الإقصاء جعل من بالداخل يزهدون في السودان ويستغنون عنه. فأثبت النظام فشله حتى قبل سقوطه في تبني القرآن دستور الأمة حينما لم يطبقه على نفسه، وعلى منتسبيه. نرجو أن يكون خطاب وزير الشؤون الدينية والأوقاف نصر الدين مفرح بقوله القرآن دستور الدولة ألا يكون مجرد استهلاك سياسي، وإنما خطاب يريد ان يستبدل به الحرب على العالم بالتصالح معه، وأن يستبدل إقصاء من بالداخل بقبوله والتعايش معه. فبعد ان نثبت للعالم اننا مجتمع مسالم لا يرفض الآخر، ولا ينظر إليه نظرة استحقار ودونية، ولا يسلبه حقه ولا يستفزه ويحتقره، ويمد له يد العون والمساعدة، ويبادره بالمحافظة على حقوقه، وصونها ووسط هذا التعامل الراقي نعلن أن القرآن دستور الدولة. فيتفاجأ بهذا الإعلان من يتوهم أن معاملة الغير معاملة حسنة تعني الإيمان بمعتقده، وأن إعلان السلم والتسامح ولغة الحوار مع شعوب العالم تعني الخنوع لمعتقاداتهم. فهل خطاب وزير الشؤون الدينية يمثل لبنة لهذا التيار الذي يريد ان يحقق نجاحا بعد فشل، وصوابا بعد خطأ، ووعيا بعد جهل؟؟ القرآن دستور الدولة. نرجو ذلك.