الزواج متصل بالبناء الاجتماعي، هو مؤسسة هامة جدا لها وظيفة ودور، ميل الرجال والنساء لبعضهما البعض أمر فطري تطورت مؤسستة مع الزمن، ففي (طفولة) المجتمع البشري القديم كانت العلاقات بين النوعين أقرب للفوضوية وتتم في إطار العشيرة، لاحقا ومع تطور المجتمعات نحو الزراعة والاستقرار وزيادة تقسيم العمل، برزت الأسرة التي تعكس تقسيما تكامليا بين الرجال والنساء. الأديان تمثل البنية الثقافية والعقائدية والرمزية والأخلاقية للبناء الاجتماعي، لا يوجد إطلاقا مجتمع بلا دين وذلك بالتعريف الاجتماعي للدين. لذا فالزواج مقدس دوما، ورمزي دوما، من خلاله يستمر البناء الاجتماعي، ومن خلاله يمارس الفرد غريزته الجنسية وميوله نحو النوع الآخر. وكل مجتمع متحضر له وسائل ضبط اجتماعي وسلطة للغريزة الجنسية، وتعاليم الدين جزء من مؤسسات الضبط الاجتماعي. المشكلة اليوم هي أن المجتمع القديم يتفكك يوما بعد يوم، والفردانية تفرض نفسها يوما بعد يوم. منذ عدة قرون نشأ هذا التحول في أوروبا وتغيرت معه هندسه علاقات الجنس والزواج بشكل جذري، تغيرت معه وضعيات وأدوار للرجال والنساء في مجتمع صناعي آلي قاسي حتى وصل مرحلة المجتمع الميدياوي المعاصر. هناك إشكالات حقيقية خلقها هذا النموذج وهذا التطور ولكن الإشكالية عندنا مختلفة عن الإشكالية هناك. الإشكالية هنا مزدوجة، أما هناك فهي ذات جانب وحيد، الإشكالية في الغرب ناتجة عن شروط مادية وحضارية يعيشها الغرب، أما هنا فهي مزدوجة لأنها من ناحية تشبه الزمن الغربي الحداثي لأننا نعيش في ظل شروطه العولمية، ومن ناحية هي ذات صلة بالموروث القديم الذي تختزنه مجتمعاتنا، والأهم أن النظام الرأسمالي تأثيره علينا أضخم وأقوى وأكثر استغلالا من مركز الحضارة والنظام في الغرب. الإشكالية بارزة للعيان إذن، لها مؤشرات موضوعية حول تأخر سن الزواج وزيادة نسبة الطلاق، لها مؤشرات في عدم الاتفاق الثقافي الجمعي على نموذج لعلاقات النوعين، فتنتشر ثقافة التحلل بجانب ثقافة التزمت، ثقافة ليبرالية بجانب ثقافة تنزع نحو المحافظة، في الحالتين فثمة إتجاه محدد نسير نحوه هو اتجاه التحلل والتفكك، لأن قوته أكبر بكثير من الإتجاه الآخر بسبب شروط الواقع. مالعمل أذن؟ لابد من استيعاب قوى الانحلال هذه، لابد من فهم جذورها وبذلك فتجاوزها لن يتم عبر استدعاء نماذج الماضي العملية مع التأكيد على جوهرية وإطلاقية البعد الأخلاقي فيها، تجاوز قوى الانحلال سيتم عبر (نماذج عملية) للزواج والعلاقات السليمة، نماذج تؤسس من هوية أصيلة منتمية للدين والثقافة تراعي الشرطين التاليين:- 1- لقد ولد الفرد، فهذا الكائن الفرد لا تراجع عنه بسبب الشروط المادية، ما هو مهم أذن هو تعميق (ذاتية) هذا الفرد ومسؤوليته تجاه نفسه وتجاه الآخرين. لابد من نموذج لزواج (إسلامي بسيط) يقوم على حرية الإرادة وتحمل المسؤولية. والأسرة كمؤسسة تربية عليها أن توجه وتربي الأبناء نحو هذا الإتجاه. 2- يجب كذلك العمل على (عمومية) هذا النموذج، وطرحه بشكل يناسب الطبقة الوسطى في المدن، لأنه وبداخل هذه الطبقة الواسعة نجد ميدان المعركة بين الجديد والقديم، لذا فانحياز الطبقة الوسطى لخيار عملي في الزواج متسق مع الهوية الدينية ومتجاوز لشروط الليبرالية هو ضمان لعمومية النموذج الجديد. المجتمع اليوم في أزمة عميقة، بل قل أزمات عديدة ولكن جذورها متصلة بالحقبة التي نعيشها، والمؤكد هو أن المقلدين للنموذج الغربي من خطابات الليبرالية والنسوية وحقوق المثليين، هؤلاء لا يملكون طريق الحل السليم، هذا الطريق الذي لن تستشرفه إلا قوى محافظة بدأت تلامس حركة التاريخ بالتجديد والوعي.