السفير السعودي لدى السودان يعلن خطة المملكة لإعادة إعمار ستة مستشفيات في السودان    مليشيا الدعم السريع تكرر هجومها صباح اليوم على مدينة النهود    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    شاهد بالصور والفيديو.. على أنغام الفنانة توتة عذاب.. عروس الوسط الفني المطربة آسيا بنة تخطف الأضواء في "جرتق" زواجها    المجد لثورة ديسمبر الخالدة وللساتك    بالصورة.. ممثلة سودانية حسناء تدعم "البرهان" وثير غضب "القحاتة": (المجد للبندقية تاني لا لساتك لا تتريس لا كلام فاضي)    المجد للثورة لا للبندقية: حين يفضح البرهان نفسه ويتعرّى المشروع الدموي    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    الناطق الرسمي للقوات المسلحة : الإمارات تحاول الآن ذر الرماد في العيون وتختلق التُّهم الباطلة    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    قرار بتعيين وزراء في السودان    د.ابراهيم الصديق على يكتب: *القبض على قوش بالامارات: حيلة قصيرة…    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    باريس سان جيرمان يُسقط آرسنال بهدف في لندن    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    صلاح.. أعظم هداف أجنبي في تاريخ الدوري الإنجليزي    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    المريخ يخلد ذكري الراحل الاسطورة حامد بربمة    ألا تبا، لوجهي الغريب؟!    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    بلاش معجون ولا ثلج.. تعملي إيه لو جلدك اتعرض لحروق الزيت فى المطبخ    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحاجة لثقافة إنسانية توحيدية
نحو مشروع ثقافي توا ثقي مستقبلي (7)

يتحدد تطور وتقدم المجتمعات بقوة دفعها الثقافي من حيث القدرة المستدامة لقابلبات الإبداع والخلق التي تحملها ، وحيوية أنساقها في التفاعل والاستيعاب والتكامل لصنع الثقافة الإستراتجية الضامنة لمراحل تقدم وتنمية المجتمع ، والمحددة لطبيعة مهامه عبر التاريخ . ومن ثم فان أي تغير في الثقافة يتضمن فعلياً تغيراً في المجتمع من حيث أهدافه ورؤاه التنموية ... وعلية فان أي فعل تغييري حقيقي يبدأ من الثقافة ومكوناتها أن أراد أن يكتب له النجاح والاستمرارية .... هذا الفعل يجب إن تتكثف رؤاه عبر جدال فكري عميق يستشرف المستقبل ويتجاوز الماضي بأدوات نقد بمقتربات تمتلك صلاحية ملامسة واقع تاريخي متعين قصد إنتاج اسئله الحاضر للإجابة علي قضاياه الإنسانية المستقبلية .
5. إشكالية العلاقة بعوامل التغيير الاستراتيجي،ينبغي ابتداءاً للثقافة الأصولية التوحيدية بالمشروع الثواثقي للمستقبل أن تنادي بتكاملية العوامل وتشابكها السلس بأبعادها: النفسية الثقافية والمجتمعية والاقتصادية والسياسية لإحداث التحول التاريخي الشامل خلافاً لمناهج ومفاهيم التحليل الاجتماعي التي تقول بأحادية هذه العوامل أو بأولوية أي منها ثقافيةً كانت أم اقتصاديةً أو سياسيةً التي أثبتت محدودية صلاحيتها التاريخية للتوصيف المعمم كما في(الماركسية و اللبيرالية الكلاسيكية) لواقع مجتمعي مغاير لنشأة خصوصية هذه العوامل التي لا تكتسب مشروعية (المأسسة) التي خبرتها الدولة المصنعة عند الانتقال بها لمناقشة ظاهرات مجتمعات ما قبل الدولة المصنعة بأشكال وعيها ما قبل المدني وترابطها العضوي لا تضامنها الموضوعي الذي يختلط فيه رأسمالها الرمزي بالمادي ونظام طبقاتها الاقتصادية بتراتيبها الاجتماعية وأيدلوجيتها السياسية بالدينية وامثولاتها الثقافية التقليدية والحداثية بمخزوناتها الأسطورية والعرفية ومشروعيتها(الكارزماتية الشخصانية) بالعقلانية(المؤسساتية) وبنظام بنيتها التحية بعلاقات إنتاجه المشوه ببنيتها الفوقية بقوي إنتاجه المستحكمة.إن المشروع الثقافي التواثقي سيجد نفسه في سجال مع أطروحة العوامل التقدمية في بعض التجارب المعاصرة، أنموذجا لانحياز بوعي تاريخي ناقد يتحدد في:
* العامل النفسي الثقافي، صحيح هناك قول بتشابك العوامل الاستراتيجة التي أدت إلي فقدان الواقع الإسلامي والوطني لشروط التقدم الاجتماعي والاستقلال الحضاري والوحدة السياسية،لكن الخيارات تبقي في نهاية التحليل إفراز للمشروع النظري الثقافي الذي تنطلق منه الفاعلية الإنسانية الفردية والجماعية لتحديد علاقتها بالوجود والتاريخ،وعليه فان أي تحليل عميق للازمة الشاملة التي يعيشها الراهن تُفضي إلي أولوية الثقافي سواء في فهم آليات الأزمة أو بلوغ تحديث اجتماعي واقتصادي وسياسي للمجتمع والدولة.والرهان علي أولوية العامل الثقافي في المشروع التواثقي ألتغييري لا يعني إسقاط النضال السياسي من الحساب أو التقليل من أهميته،وإنما يعني أن السياسية إذا انفصلت عن الأخلاق ولم تعد تعبر عن مشروع نهضوي: أصبحت هدفاً لذاتها بدل أن تكون وسيلة لتشريح الواقع وإعادة توزيع السلطة من جديد علي القوي الحية، عندها تتحول السياسية إلي نشاط حزبي هدام يهدف إلي خدمة مصالح الحزب قبل مصالح الشعب، وتصبح السياسية احترافاً بالمعني (اللينيني).والمسألة من هذه الزاوية ليس الغرض منها افتعال التناقض بين السياسي والثقافي،وإنما دعوة لإعادة فهم السياسي من جهة والثقافي من جهة ثانية، مع البحث عن صيغة جدلية تؤسس العلاقة بينهما لصالح المجتمع المدني وعلي حساب تقليص المساحة التي تحتلها الدولة الحديثة في المشروع التغريبي في البلدان النامية.فالذي حدث هو بدلاً عن استعاضة الهياكل والبني التقليدية لهذه المجتمعات والتي دخلت في مرحلة ركود من قرون عدة، نتيجة لعوامل ذاتية بالدرجة الأولي،أمام الهيمنة الثقافية السياسية والاقتصادية العسكرية الغربية بهياكل وبني أكثر استجابةً لقيمها الثقافية وتكيفاً مع معطيات واقعها وأصالةً في التعبير عن حاجاتها التنموية.ولكن كان أن حدثت مفارقة آخري: فالقيادات السياسية والنخب الفكرية التي تسلمت مقاليد السلطة سيطرت عليها عقلية(ميكانيكية) الإحلال التعويضي بأبعاده إلا تاريخية التي تسعي لاستبدال تحريفي بأبعاد (أيدلوجية) للمجتمع التقليدي بآخر حديث:بالاستمرار في تبني الهياكل السياسية الاستعمارية التي قطعت بعض الأشواط في عزل الأنماط الأهلية وإستصناع آخري عصرية تتوافق مع مصالح الغرب وقوانين السوق الرأسمالية،اعتقاداً واهماً بان الخروج من التخلف الراسخ لا يتحقق إلا عبر بناء دولة قومية أو قطرية ومجتمع عصري علي أنقاض ما تبقي من هياكل وبني مجتمعية وأنماط معيشية وثقافية تنتسب إلي الماضي أو القديم والنتيجة التي قد تتولد عن هذا المسار،تتمثل في أن المجتمع الذي قد لا يستوعب شروط التحول يمكن أن تتفكك أسسه المناعية وقد تتضاءل قدراته الدفاعية فيصبح مهيئاً أكثر من ذي قبل للإصابة بحاله من الاغتراب ألاستلابي.فلا تقوم فيه التنمية المفقودة،ولا يبني المجتمع الحديث،ولا تقوم حتى الدولة العصرية.فبغير نسب علمي يرتب الأولويات وأصالة إنسانية دينية تقيم التوازنات،فان السياسي سيرتد بالمجتمع المدني لتسود في النهاية المشاريع السلطوية المحضة،فالفكر العقلاني يحتاج إلي مناخ يتصف بشي من العقلانية.فإذا كانت السياسوية تتغذي علي ما تحدثه من حاله تجاذب تعانفي سياسي، فان النضال الثقافي يحتاج إلي استقرار سياسي يسمح بتوافق تسالمي فكري متهذب بالثقافة.
* العامل المجتمعي الاقتصادي،يتمتع العامل المجتمعي في إطار المشروع التواثقي أولاً بعدد من الخواص:فهو عامل مجتمعي مستلهم للمبادئ العامة للتشريع في صياغة ما يحتاجه المجتمع من قوانين في سائر المجالات تشكل النصوص الإسلامية المتعلقة بمحيطها الوطني إطارها الدستوري العام علي ضوء ملابسات البيئة وطبيعة الحياة المعاصرة، استلهاماً يبقي العلاقة مفتوحة بالنص من جهة والواقع من جهة آخري بغير اختزال في جانبها القانوني كما جرت سنة العادة وبالي العرف الثقافي بدلاً عن أن تربطه بفلسفة التشريع والمبادئ الأساسية التي تؤطر الحياة العامة للمجتمع،وهو عامل مجتمعي إنساني يؤمن بالإنسان كذات معنوية بغض النظر عن عوارضها الطبيعية من لون وجنس ومعتقد،بل ويؤمن بالإنسان كأداة للتغير تمكنه من حريته في الإيمان والكفر،وفي قبول المنهج السياسي أو رفضه،بل وتمكنه حتى من فهم النصوص الإسلامية شريطة أن يحترم قواعد الفهم المنطقي وبإنسانيتها هدفاً من اجله خلق الكون، ومن اجله فرض الصراع،ومن أجل ضمان كرامته وحريته تقام المجتمعات الوطنية الإسلامية،وهو عامل مجتمعي ذو طبيعية جماعية انحيازاً لعنصر الجماعة واقتصاراً علي مصلحها والتي إن لم تفصل تشريعاً لكنها جاءت في شكل موجهات يًستهدي بها من فلسفته التي ترتب الواقع المنظور والمتغير باختيارات جماعية إنسانية ديمقراطية أو شورية تحقق تلك المقاصد في نظريات وقوالب وتشريعات تراعي مصالح جماهير غالبيته دون الوقوع في (دكتاتورية) الأغلبية وما قد يترتب عليها من قمع واضطهاد لأقليات وأفراد.وتقديم المصلحة العامة الإستراتيجية أساس منبعه مبدئي العدل والتوحيد الإنسانيين تأصيلاً علي قاعدة المرجعية القرآنية والسنية لما قد ينشأ من خلاف حول التجربة الإسلامية التاريخية والراهنة بسبب عدة عوامل لعل من أهمها غياب الفقه الثقافي بأصول القضية الاجتماعية واغلب هذه المسائل هي من انحراف توحيدي عن أصول التجربة القرآنية والسنية السياسية الراشدة أو في قضايا تفقه ثقافي ذات صلة اجتهادية بها:الحكم فيها للعقل والتجربة والمصلحة حسبما ترعاه العناية بمقاصد الشريعة ترسماً في اجتهادها واستعداداً في كل لحظة لتطوير مشروعها نقداً للمواقف ومواكبةً للتطور وتفاعلاً مع الواقع نحو الأفضل في ظل ضعف مبادرة المجتمع واتساع دور الدولة وتعاظم خراجها وريعها واحتكار مواردها وتفاحش تباين طبقاتها واضطراب ميزان قسمة ثرواتها علي الأقاليم والناس بالسوية والحسني.
أما العامل الاقتصادي،في إطار المشروع التواثقي ثانياً فهو ملامس للطبيعة الاجتماعية للدولة ولدورها وموقعها في الصراع الاجتماعي: فثقافة الدولة لا يمكن أن تجسد الحرية والعدالة في مجتمع طبقي ،إذ أنها ليست عنصراً مستقلاً عن الصراع الاجتماعي الكامن في أعماق المجتمع فهي أداة في خدمة الطرف الاجتماعي الاقوي كما ورد في الإشارات القرآنية مقابلة بين سالب ظاهرات:الاستكبار،الترف،الاستضعاف وبإيجاب حركية المدافعة الإنسانية التي تحولها إلي أوضاع إمامة ووراثة وتمكين في الأرض والنفوذ إذا ما التزمت بنهج رشد يغير ما بأنفسها حتى تغير ما بقومها.لقد حافظت الدولة في الغرب على مصالح الطبقة الرأسمالية ودعمتها لكنها في نفس الوقت ساعدت علي ارتقاء بقية الطبقات ووفرت لها ضمانات كثيرة نتيجة الثورة الصناعية بما أتاحته من قاعدة مادية صلبة أضافه إلي الوعي السياسي والتنوير الثقافي والتفاف الفئات الاجتماعية حول المؤسسات التي أحدثت بدورها ضغطاً معنوياً علي الدولة وعلي كل حزب يصل إلي السلطة لإحداث إصلاح مجتمعي اقتصادي. إما الدولة في مجتمعات العالم الثالث فإنها لم تستطيع أن توفق بين مصالح المترفين الذين يدعمونها وبين مصالح المستضعفين الذين يشكلون غالبية شعوبها، يرجع ذلك إلي العجز الذي تعانيه الهياكل والبني الإنتاجية والي سيطرة الروح التقليدية والبدائية في العمل السياسي في ظل غياب المؤسسة الفاصلة للسلطات وضعف العلاقات المدنية والتشكيلات الحزبية.فالدولة ليست كياناً معنوياً يسبح خارج الإطار الاجتماعي، إنما هي جهاز اقتصادي ايضاً يمكن أن يملكه الملأ من المترفين لزيادة ثرائهم وحماية مصالحهم أو أن يكون بيد المستضعفين يرفعون به الظلم الذي لحق بهم ويسخرونه لخدمة العدل الاجتماعي والاقتصادي الذي أوجبه الله علي عبادة.فالصراع السياسي من اجل السلطة ليس منفصلاً عن الصراع الاجتماعي من اجل تقسيم الثروة الوطنية والسلطة الاقتصادية بفقه اختيارات اقتصادية ذات ارتباط بالطبيعة الاجتماعية لوظيفة الدولة في مناخ متعدد القضايا ومعقد الاسلئة، وأول مراحل تحديد هذا الفقه ينطلق من الإقرار بضعف الثقافة الفقهية الاقتصادية التي ارتبطت بدورها باقتصاديات تاريخية ساكنة لم تستطع اللحاق بتقنيات علمية اقتصادية متسارعة،فمازال التساؤل عن ماهية الاقتصاد الإسلامي قائمة ومازال الخلاف في تحديد الملكية وفي طبيعتها وفي العلاقة بين رأسمالها والعمل والمدى الذي يُجوز للدولة التصرف في الثروة الوطنية قائماً وما شابهها من أقضية إلي أخر التساؤلات التي لا تنتهي بل وتربطها بحركية الاقتصاد(المعولم)والتجارة العالمية(الالكترونية) التي تحتاج الي تدعيم هذه الثقافة بأدوات التحليل التي وفرها علم الاقتصاد المعاصر،ذلك انه إذا ما أخذت التوجيهات الأولية التي أنتجها التفقه الثقافي الاقتصادي بشكل مجرد وحسب فهم تاريخي معين متأثر بعلاقات اقتصادية بدائية فان هذه التوجهات يمكن أن تصبح وعاءاً رجعياً للتناقض الفقهي الذي سيفقدها فاعليتها لتصبح مطية لقوي معادية لمصالح وطموحات الجماهير وتطلعات النماء المستقل في فضاء كوني يعرف معرفية اقتصادية متسارعة ينبغي توجيهها بإرادة نحو مشروع مستقبلي ينسج علي ضوء ملابسات البيئة بقيمها العقدية ولكن بعموم عمق التجربة الإنسانية: فنحن نعيش في مجتمعات متخلفة تتركب من شرائح اجتماعية متمايزة في نمط حياتها ومتناقضة في مصالحها. إن تحليل هذه(الدينامية) الصراعية المحلية والعالمية وتحديد أبعادها والموقف منها ثم الانحياز لأحد أطرفها قصد التأثير علي حركتها هي مهمة التفقه الثقافي الاقتصادي الاعجل لتحديد المسار الاجتماعي والسياسي نفسه .وذات هذه المهمة لن يكتمل انجازها إلا: بالمفارقة الثقافية لخاصية اقتصاديات دولة المترفين المركزية حيث ترتبط المصالح فيها بشكل هرمي، تتجمع السلطات فيها في يد واحدة، تتسيدها أجهزة (بيروقراطية) رئيسية لا تحسن التعامل مع الزمن والإبداع.لتتضخم صورتها في الأذهان، فإذا بها فوق الشعب بينها وبينه أكثر من حجاب، يتعامل معها خوفاً وطمعاً،يخشي شوكتها ويطمع في عطائها، قامعة لأبسط الحريات الأساسية،سالبة لأبسط الحقوق الإنسانية دون تراجع أمام أي ضغط جماهيري إلا بتنازل شكلي غالباً ما لا يقع استثماره بسبب ما صنعته من أوضاع اجتماعية.وحتى لا نقع في منزلق تبسيطي مخل، فان هذا الاستبداد الهرمي لا ينشأ فقط نتيجة عوامل اقتصادية مالية،كما ذهبت الى ذلك بعض من القراءات(= الماركسية الكلاسيكية، الاتحاد السوفيتي تاريخياً كان يعيش حاله الاستبداد الستاليني رغم غياب طبقة رأسمالية، بينما في الغرب توجد طبقة رأسمالية ولكن لا يوجد استبداد سياسي كالذي تعيشه شعوب العالم الثالث). والقضاء علي أصحاب الثروات ليس شرطاً لازماً لانتفاء الاستبداد الذي هو ظاهرة متجذرة في الثقافة الأسرية بين الرجال والنساء وبين الاباء والأبناء وفي الثقافة التقليدية القبلية والطائفية وفي الثقافة التعليمية والتربوية التي تتغذي من الثقافات السلطوية التي تحرص الأنظمة علي ترويجها وتكريسها بل ومن الفهم القهري للدين ومن الممارسة ألتدينية الإكراهية اللتان قد يصورهما وهم العلاقة الجبرية بين الله والإنسان، إنه يتغذي من رواسب الماضي التي تراكمت واستقرت في الأعماق.بهذا تصبح الثورة علي الاستبداد ثورة تتجاوز القضاء علي طبقة تحتكر الثروة الي ثورة ثقافية شاملة تعم كل المجالات التي تحيط بالإنسان،بل تدخل في أعماق ذلك الإنسان.ولكن دون عدمية تسقط عوامل ومسببات الصراع الاجتماعي بنفيه مطلقاً فهذا لا يستقيم مع الواقع لأنه قائم داخل هذه المجتمعات ولكنه قد يتفاوت حدةً والذي قد لا يفيد ايضاً التخفيف من قيمته بردها فقط الي عناصر الفساد العقائدي والأخلاقي التي بإصلاحها ستستقيم الأوضاع وتستقر العلاقات.وهذه المعالجة(الميتافزيقية)للصراع تؤدي لتعايش سالب بين الأطراف في مجتمع إسلامي أو وطني والي سكونية الحياة الاجتماعية، مع أن واقع الشعوب وتاريخها الطويل قد يثبت أن الحياة الاجتماعية قائمة علي سنة التدافع، وذلك في جميع حقب التاريخ بمافي ذلك مجتمع الصحابة.الاوفق إذن التسليم بوجوده مع تحديد الموقع وتحمل نتائج ذلك الخيار والتكيف مع متطلباته وخصائصه المتعددة الجوانب لامتلاك الرؤية الثقافية الأشمل فهو ذو طابع:(ايدولوجي)نفسي أخلاقي عقائدي ومجتمعي اقتصادي سياسي،وهو بهذا المعني لايفهم انطلاقاً من أحادية مصطلح الصراع الطبقي كأداة لتحليل مجتمعات العالم الثالث أو كمفتاح تاريخي لتفسير كل الظواهر الحضارية، فالنظرة الأحادية غير علمية والتاريخ البشري تحركه عوامل متعددة، وهي متفاوتة في القدرة والتأثير من مرحلة الي مرحلة ومن واقع الي آخر،بل إن المشروعية(الامبيريقية) للمصطلح تنزيلاً علي الأوضاع الراهنة يتطلب تحديداً دقيقاً لمعني الطبقة: فإذا ما اعتبرنا أنها الفئة الاجتماعية التي تشمل مجموعة الشرائح التي يربطها حد ادني من المصالح المشتركة وظروف العيش المتشابهة وتحركها بوعي موحد. فإن إسقاط هذا المفهوم تنزيلاً علي الواقع المعاش سيحدث المفارقة في بنيات اقتصادية لمجتمعات متخلفة لم تدخل مرحلة التصنيع المؤسسة التي تحدد هيكلها الاجتماعي حتى تتمايز شرائحه وتعي مضامينه كما حصل في الغرب.استخدام مصطلح الصراع الطبقي به محدودية ثقافية بينما استخدام مصطلح الصراع أو التدافع الاجتماعي به سعة ثقافية اقرب للتعبير عن (ديناميكية) الواقع الراهن الذي تشهده مجتمعات العالم الثالث مابعد الحرب الأهلية.
سنجد أن العامل الاقتصادي من وجه آخر، واتساقاً مع ذات اطر المشروع التواثقي متصالح ثقافياً مع مفهوم التسيير الذاتي لدولة تضع نصب أعينها نصرة مستضعفيها:فثقافة الدولة بمفهومها الكلي التقليدي لابد من أن تتحلل وتتجزأ، فالحواجز القائمة بين إرادة الجماهير وبين مراكز التقنفذ لابد أن تزول،ولا يحصل ذلك إلا بتفتيت الدولة وتوسيع دائرة القرار حتى تشمل القاعدة العريضة، لابد إذن من لامركزية السلطة، والتسيير الذاتي للمؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية فذلك هو الأسلوب الأضمن لانصهار الشعب كل الشعب في مجالس ديمقراطية يكون لها الدور الأساسي في التسيير اليومي وفي تحديد الاختيارات في محتوي الملكية الجماعية لا ملكية الدولة،فهو الأسلوب الذي يجعل التوزيع عادلاً نسبياً بتحويله لملكية وسائل الإنتاج المادية والمعنوية من أدوات ساحقة للإرادة الإنسانية وسالبة للذات الإنسانية الي أدوات للتحرير الإنساني في أفق مجتمع لاطبقي بتسيير ذاتي وملكية جماعية ذلك هو الهدف الثقافي الواجب الحفاظ عليه وان بدا (يوتوبياً) إلا أنه بلا شك سيساهم مع حزمة عوامل أخريات متكاملة في تقويض الاحتكار السياسي ومناخ(البيروقراطية) بما يُعود القواعد علي ممارسة المسئولية،ويجعل منها صانعة القرار، وصانعة المستقبل، وصانعة التاريخ بوعي وإرادة.
كاتب صحفي و باحث في مجال دراسات السلام و التنمية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.