الديوان الملكي السعودي: خادم الحرمين الشريفين يغادر المستشفى بعد استكمال الفحوصات الروتينية    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تقارير: القوات المتمردة تتأهب لهجوم في السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    د. مزمل أبو القاسم يكتب: جنجويد جبناء.. خالي كلاش وكدمول!    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    الخارجية الروسية: تدريبات الناتو في فنلندا عمل استفزازي    مصر تنفي وجود تفاهمات مع إسرائيل حول اجتياح رفح    السوداني في واشنطن.. خطوة للتنمية ومواجهة المخاطر!    مدير شرطة شمال دارفور يتفقد مصابي وجرحى العمليات    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    عن ظاهرة الترامبية    منتخبنا يواصل تحضيراته بقوة..تحدي مثير بين اللاعبين واكرم يكسب الرهان    حدد يوم الثامن من مايو المقبل آخر موعد…الإتحاد السوداني لكرة القدم يخاطب الإتحادات المحلية وأندية الممتاز لتحديد المشاركة في البطولة المختلطة للفئات السنية    المدير الإداري للمنتخب الأولمبي في إفادات مهمة… عبد الله جحا: معسكر جدة يمضي بصورة طيبة    سفير السودان بليبيا يقدم شرح حول تطورات الأوضاع بعد الحرب    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حسن فضل المولى يكتب بمداد من ذهب: السر قدور .. وأغاني وأغاني
نشر في النيلين يوم 06 - 05 - 2022


السر قدور … و أغاني و أغاني …
( يا ورده أحلى من الزهور
مالو القمر ياحلوه خلاهو الظهور
رسلت قلبي ليك هناك
جاني و رجع محتار معاك
احتار أنا احتار أنا ..
عمر المُعَذب كم سنة ؟؟
احترت في عمر السنين
و أنا الهِناك ولا الهِنا
بقت حياتي مقسمة
نُص في الأرض ونُص في السما
احتار انا احتار انا ) ..
لست أنت من تحتار يا سيدي ،
و لكن أنا من يحتار ..
احتار انا في يوم ( المهرجان ) الأحلى من عمر الزمان ..
و احتار أنا الذي يُذِيبُني مثل هذا التَلاشِي ، الذي يجعلني معلقاً بين الأرض و السماء ، لا من الأموات و لا الأحياء ، لا من السعداء و لا الأشقياء ..
و احتار أنا الذي أُسْلِم قيادي لمن يخاطب فيَّ ، ماخَفِيَّ و دَقَّ و رَقَّ ، من خَطَرات و تهويمات ، فلا أدري ما إذا كنت أنا أنا أو هو آخرٌ غيري أنا ..
و احتار أنا الذي تُحَدِّثُه نفسُهُ باقتفاء خُطا مُلهم هذه الفيوضات الوجدانية ،
و التوهجات الروحانية ..
وهو ( السر قدور ) ..
ذلك الإسمٌ الذي له وقعٌ و رنين ..
فما أن يُذْكَر حتى تغشاك ظِلالٌ من الجمال و الأُنس و الطلاقة و الحُبور ..
و كلما تدنو منه تجد ذلك ، و أكثر من
ما كان يصبو إليه خيالُكَ و يشتهي فؤادُك ..
و قد تيسر لي أن أكون قريباً منه ..
و هو قُرْبٌ يَحِقُ لي أن أُحَدِّث عنه وأروي ، ما استطعت إلى ذلك سبيلا ..
و قد سبق لي أن قلت في ( طرائق ورقائق ) ، والتي صدرت في العام 2018 ..
( قصتي مع الأستاذ ( السر قدور ) ، تعود الى أيامي في ( تلفزيون السودان ) عندما نقل إلي الأخ ( شكر الله خلف الله ) ، أنه كثيرا ما يلتقي به في منزل ( مجدي حدوب ) في ( القاهرة ) ، فاتفقنا على أن يعرض عليه مقترحا ، بأن يقوم بتسجيل سلسلة لقاءات مع عدد من النجوم المصريين ، لقربه منهم ، و هو المقترح الذي إعتذر عنه ، ويومها كان يتخذ موقفا معارضا للنظام ..
و ( شكر الله ) مخرج باهر وماهر ، ذو رأي ورؤية ، و هو أشبه بالغواص الحاذق ، الذي يأتيك باللؤلؤ والمرجان ..
وعند تكرار المحاولة أبدى الأستاذ ( السر ) موافقته على القيام بتلك المهمة ، و عندها طلبت من الأخ ( شكرالله ) العودة الى ( القاهرة ) لإتمام هذا الأمر ، فكانت سلسلة حوارات ممتعة ، أجراها لنا ( السر قدور ) مع ( محمود يسن ) و ( نور الشريف ) و ( عفاف شعيب )
و (محمد منير ) و ( إبراهيم خان ) و( فاروق شوشة ) و ( فاروق جويده ) و( الأبنودي ) ، وآمل أن تكون هذه السهرات محفوظة بمكتبة تلفزيون السودان ..
وخلال فترة عملي ( بالقاهرة ) كان دائم التردد على مكتبي ، و كنت آنس بزياراته وأسعد ، و أشعر و أنا معه بانطلاقٍ وراحة و غبطة ، و كان عندما يغيب عني أسارع إليه في مكتبه الكائن بميدان عابدين ..
و عند تكليفي بإدارة ( قناة النيل الأزرق ) جاءني مبديا إستعداده للتعاون معي و قال لي : (أنا مستعد لأي شكل من أشكال التعاون معك ، وممكن أعمل ليك برنامج غنائي مع طلاب معهد الموسيقى والمسرح ، أو الذي تراه مناسباً ..
و لم يَغِب عن ذهني هذا العرض المُغري ، فبمجرد أن باشرت عملي في القناة ( مارس 2006 ) ، وضعت أمام الأخوين ( الشفيع عبد العزيز ) مدير البرامج ، و المخرج مجدي عوض صديق ، مقترحاً بأن نسند الى ( السر قدور ) برنامجا في رمضان ، والذي كان على الأبواب ، إذ تبقى له ثلاثة أشهر ..
و اقترحت عليهما أن نستعين بعدد من المطربين ، حددتهم ، ونقوم بتوظيف قدرات ( السر قدور ) في ( السرد ) و( الحَكِي ) للتوثيق لمسيرة الأغنية السودانية ) ..
و دعوته فلبَّى ..
و جاء يملؤه الحماس والتصميم ..
فكان برنامج ( أغاني و أغاني ) ..
وهو الإسم الذي أوحى به ( الشفيع عبدالعزيز ) ..
ونزولاً عند تخوف البعض ، من انفراط عقد الحوار ، فقد استقر تقديرنا على أن نعهد بالتقديم للمذيعة ( نسرين سوركتي ) ، وبالرغم من أدائها المتميز كعادتها ، إلا أن ( السر قدور ) قد طغى بحضوره المدهش ، و سُطُوعِه المُبْهِر ، بصورة جعلتنا نُسارِع إلى أن نَعْهَد بالقوس لبارِيها ، في النسخة الثانية ..
و كان أن وقع اختيارنا على أصواتٍ قوية وندية ، لها حلاوة و بها عذوبة ، استطاعت أن تُطَوِّع الصعب من اختيارات ( السر قدور ) لأغانٍ تعكس عطاء عباقرةٍ ، في نظم الكلام وتجويد الأداء و صوغ الألحان ، من لَدُن سرور وكرومة و الأمين برهان ..
و نحن السودانيين ، يستهوينا و يهزنا الغناء الجماعي ، فهو روح تراثنا ،
و ذوب وجداننا ، و حداء مباهجنا وذَهَاب الأحزان ..
فكان ( جمال فرفور ) و ( عاصم البنا )
و ( عصام محمد نور ) و ( نادر خضر )
و ( أسرار بابكر ) ، التي اختطفها الزواج ، ومن ثم غادرت ( السودان ) ، والبرنامج لايزال غَضَّاً ، مخلفةً وراءها صدىً مابَرِح يُلامس الأسماعَ
و الوجدان ..
و خَلَفَ من بعدها خالِفاتٌ ، ذوات طلْعٍ نَضِيد ، جَعلْنَّ للغناء طعماً ، تسكن إليه النفوس . و لا زلنَّ ( يتسلْطَّنَّ ) و( يُكْرِمْنَنَا ) و( يُنصِفْنَنَا ) ، بروائع تجعل خلاياك تتجدد ، مع كلِ نغمةٍ و تَرْجِيعٍ لِمُنسَابِ الألحان ..
و لقد جرى العُرف ، على أن نَضُّخَ في البرنامج كل عامٍ دماءً جديدة ، مما أكسبه تنوعاً ، و وفر له قَدْرَاً من المُجَايَلة ، و أطلق عقيرة التنافس والتباري المحمود ، بين كل فَنانةٍ
و فنان ..
زحمةٌ و تنوع أصواتٍ تُحَرِّكُ الأبدان ..
أصواتٌ ( ذكورية ) ، ذات ترددات منخفضة ، تتقافز ما بين( الباس )
و ( الباريتون ) و ( التينور) ..
و أصواتٌ ( أنثوية ) ، ذات ترددات عالية ، تركُضُ مابين ( الآلتو ) و( الميزو سوبرانو ) و ( السوبرانو ) ..
و كل صوتٍ رنانٍ و ريَّان ..
ظلوا ، وظَلَلْنَّ ..
( كألوان الزهور زانت بعضَها
وأصبح بعضُها يُنَافِسُ بعضَها ) .
يجلسون إليه ..
و يجلسنَّ إليه في نشوةٍ تُنْبِئ عنها الأيدي و الأرْدَان ..
ومن خلفهم جموع المشاهدين ، من
كل ِ فجٍ و مكان ..
و ( قدور ) يتدفق في سلاسة و عذوبة ،
و ببساطة و تلقائية و ثقةٍ بالنفس مكتملة الأركان ..
و أخذ يتجلى عاماً بعد عام ..
كاشفاً عن عبقرية فذة ، لا تُبارى
و لاتُجارى .
و عن روح شابة ، تضج بالحيوية والنشوة العارمة .
و عن عاطفة متأججة تشِعُ بالحبِ
والمسرات .
إنه أشبه بالوَتَر الذي ينساب عذوبة ودفءً و همساً حميماً ، عند كل طَرقَةٍ ولمسة ..
وهو ماتنبض به كل أشعاره ، التي ولدت وهي أغانٍ مُنَغَمة و مُنَمَقة و مُمَوسَقة ،
سكب فيها أنضر العواطف ، و أرق المشاعر ، و أنبل ما يعتاد النُفُوسَ ، من ولَهٍ و هُيَامٍ و تَعَلُّقٍ و سُمُو ..
( ياحبيبي نحن اتلا قينا مرة
في خيالي و في شعوري ألف مرة ) ..
و ( الشوق و الريد
والحب البان في لمسة إيد ) ..
و ( دي زي القمر
و الله أحلى من القمر
يا حلوة ياست البنات
يا متعة للروح والنظر ) ..
و ( حنيني إليك و ليل الغُرْبَة أضناني
و طيف ذكراك بدمع القلب أبكاني
و أقول ياريت زماني الفات يعود تاني
و القاك حبيب عمري و تلقاني ) ..
و عشرات من فَرَائد القصائد ..
و فوق أنه شاعرٌ مديد الباعِ في فنون الإبداعِ و الإمتاع ..
فهو مؤرخ موسوعي ..
و صحفي مطبوع ..
و متحدث طَلِق ..
و كاتب مسرحي ..
و ممثل مجيد ..
و مؤدٍ بارع ..
و كل نَتَاج هذه الأحاسيس المشبوبة ، والمعارف المتراكمة ، قد سكبها في برنامج ( أغاني وأغاني ) ..
البرنامج ، الذي يستغرق إعداده الأشهر الثلاثة التي تسبق رمضان ، و يتم خلالها تبادل الموضوعات ، مع الأستاذ ( السر ) قبل حضوره ، و نقوم نحن فريق العمل باختيار المشاركين من المطربين ، وفق حيثيات تقتضيها طبيعة البرنامج ، والموضوعات المطروحة ، و طرائق الأداء و تنوعها ..
و ينخرط ( يس غلام ) بجسمه المَنْحُول في تصميم الديكور ، في أنضر تصميم وأبهى صورة ، ليقوم المعلم ( تميم ) بتنفيذه على الوجه المعهود ..
ومن ثم يبدع الفكي ( أبوبكر سرور )
و هو يُهيئ المكان بألوانٍ زاهيةٍ
و ظِلالٍ موحية ليجعل كل ما هناك يسبح في الضياء ..
ولما كان عصب الغناء و الموسيقى ،
هو ( الصوت ) ، هنا يأتي دور الدينمو ( مبارك أحمد المبارك ) بلمساته التي تجعل الغناء ينساب إلى الأذن في نقاءٍ وصفاء ..
و ( مبارك ) من خلال إنفعالاته و حركته التي لا تهدأ ، تستطيع أن تحكم على الأداء ، إن كان جيداً أو دون ذلك ، فهو فنان من أسرة تعشق الفن و تهواه ..
و أذكر أثناء فترة عملي بتلفزيون السودان ، و أنا أقف عصراً في ( الحوش ) ، إذ بموظف الاستقبال يأتيني مُصْطحِبًا الفنان الرقيق ( عبد العزيز المبارك ) الذي قال لي بعد السلام : ( يا أبوعلي ، أنا جيت اليوم بطائرة خاصة مع ( صلاح إدريس ) ، وراجعين طوالي ، ومن هناك أنا جايي قاصدك في خدمة ، تنقل لَيَّ ولدنا ( مبارك أحمد المبارك ) من الإذاعة للتلفزيون ، و هو شاطر جداً في الصوت وجَدَع ، فقلت له : ( اعتبر الموضوع منتهي ، و خلي يجيني بكره ) ..
و تمضي العملية الإنتاجية مُنْسَابَةً ، تحت ترتيب و سمع و بصر و ذائقة ، المُخْرِجين العَلَمَين ( مجدي عوض صديق ) و الوجيه ( أيمن بخيت ) ..
و من قبل و في الأثناء ، يتولى الأستاذ ( الشفيع عبد العزيز ) كِبَر الإعداد ، بما أوتي من إلمام واسع بالغناء و فنونه
و فنانيهِ ، فكان خير مُعينٍ للأستاذ
(السر قدور ) ، علاوة على أن حضوره كان يُشِيع أجواءً من الثقة و السكينة في أوساط المشاركين ..
و عندما آل الأمر إلى الأخ الأصغر
( عمار شيلا ) ، أبدى من النشاط
و الحماس و الاغتباط للبرنامج ،
ما جعله يحافظ على ريادته و توهجه ،
في ظروف بالغة التعقيد ، شديدة الحساسية ، فإذا رضي عنك معاوية غضِب ( عثمان ) ، و إذا أَسْعَدتَ ( ليلى ) هَجَرَتْكَ ( بَلقِيسُ ) ..
و ( عمار ) كان قريباً من ( السر قدور ) ،
و هو يقضي المرحلة الجامعية بمصر ،
و ينتسب إلى( صحيفة الخرطوم ) ، في وقتٍ مبكر من عمره ، لينعم بمعية ، ( السر قدور ) و صحفيين عِظام ، يتقدمهم شاعر زاد الشجون ..
( مافي عِيشة بلاك بتبقى
و مافي نشوة و مافي ريد
ده الهوى الجنبك عرفتو
عاطفة مُلتهبة و جنون
وين حنهرُب منو وين !!)
الجميل ( فضل لله محمد ) ..
و هكذا تمضي الأمور ..
فكل من ضمتهم ( القناة ) ظلوا يُسهمون بنصيب مشهود و مقدر ، لإنجاح هذا البرنامج ..
و لم يكن التخصيص فيما سبق ، إلا إشارة مني إلى البعض ، الذين هم جزء من كلٍ كالبنيانِ المرصوص يَشُّد بعْضُهُ بعضاً ..
و قبل شهرين تقريباً ، يحل بيننا (السر قدور ) ، و كان مجرد ظهوره يُؤذِّن بقدوم شهر ( رمضان المعظم ) ، و مرة كنت مع جمع نتناول طعام العشاء ، بدعوة من الراحل الفريق ( محمد ميرغني ) وبمجرد أن ظهر ( السر قدور ) ، و كان أحد المدعوين ، صاحت إحداهُنَّ : ( الراجل ده مما أشوفو أذَّكر رمضان ، هو رمضان قرَّب ؟ ) ..
و يشرع في قيادة ( البروفات ) ، بحضور المطربين ، مع كوكبة من أمهر العازفين والموسيقيين ، الذين وقع عليهم الاختيار ، و التي تستغرق ثلاثة أسابيع ، تنقص أو تزيد ..
و في هذا الأثناء يوقف وقته وجهده للبرنامج إلا من بعض الزيارات و لقاء
بعض الأثيرين إلى نفسه ، و على رأسهم الراحل الإمام ( الصادق المهدي ) و إبنه اللواء ( عبدالرحمن ) ، و السيد ( مبارك الفاضل ) . ويغشى الأستاذ ( فيصل محمد صالح ) الذي كان يبدي من المحبة له والحفاوة به ماكنت شاهداً على طرفٍ منه ، وشيخ العرب دكتور ( أحمد بلال عثمان ) ، الذي أفاض علينا كثيراً من دعمه ومؤازرته للبرنامج أثناء توليه وزارة الإعلام ، و( أحمد محمد البشير) ، والأستاذ ( عبدالعظيم عوض ) ، لتسجيل حلقات للإذاعة السودانية .
و كان حبه للإذاعة جمَّاً و هو ما ترجمته في نعيها المُوجِع الإذاعية المُعَتَّقة ( محاسن سيف الدين ) .
و يذكر كثيراً صديقه ( بكري النعيم ) ،
والسفير الأديب الدكتور ( عبدالمحمود عبدالحليم ) ، والأمير ( جمال عنقره ) ، و الوَدُودين ( عبدالمنعم عبد الرحمن ) و ( محمد زكي ) ، الذي طلب منه في رسالة صوتية قبل وفاته بأيام أن يجهز له عِمَّة أنصارية بعَزَبَة و قال : ( عَزَبَة يعني عزبة ما ضَنَب كَدِيس ، عايز أصَّور بيها صورة مهمة ) .
و كان يُبادل ( وجدي ميرغني ) المحبة عرفاناً ، وهو يستوصي به و يُوصينا عليه
و يُوالي السؤال عنه .
وأكيد الفنان الفخيم ( كمال ترباس ) ، الذي كان كثير الثناء عليه ، مبدياً إعجابه بأدائه الفريد ، و قد تغنى له بعشر أغنيات أو يزيد ، و كل أغنية تفوق الأخرى سحراً وروعة ..
( لو كان حبيبي أباح
واعلن هواه صراح
كان الفؤاد ارتاح
وانا كنت ليهو مشيت ) ..
و ليته أباح
كان أراح ، و استراح ..
و عندما يُطْلِق تحيته المألوفة ..
( مرحباً بكم على شاطئ النيل السعيد )
و يصدح المشاركون ..
( ليالي لقانا جميلة
كانت كانت ياسلام
أفراح و سحر و أغاني
و الدنيا منى و أحلام ) ..
و حتى المُنتهى ..
( إن تريدي ياليالي تسعدينا
تجمعينا كما كنا ماتلمي زول علينا ) ..
كانت تتجلى عبقريته
إذ يبدأ في التوهج
و الاشتعال الوجداني
و الاشعاع المَعْرِفي و العِرفاني ..
فيرسل نفسه على سجيتها ، فلا تأخذ عليه تَصَنُّعاً أو تَكَلُّفاً أو اعْتِسافاً ..
يحكي عن تجارب الأولين ، و ما أحدثوه من تطور في مسيرة الأغنية السودانية ، فينقلك إلى عالمهم أو يحملهم إليك ، فتراهم و تحسهم و تخالطهم ، وتعرف كيف كانوا يَنظمون الكلام وتحت أي تاثير ، وكيف كانو ينْحِتون الألحان ويُلوِنونها ، و كيف كانوا يُؤدُّون ، و كيف كانوا يَطرَبون و يُطرِبون .
و يمضى يَنْفُث في وعي هذا الجيل ،
ما كاد يندرس ، من روائع نظمها رائعون متواضعون أخفياء ، لم ينالوا حظهم
من الحفاوة و التقدير ، بما يكافئ عطاءهم ..
فهذا شاعر فذٌ ، نظم عملاً واحداً ، لو وُزِن بمائة لوزنها ، و يَذْكُر فُلاناً ، وفُلاناً ..
و ذاك شاعر أجاد الوصف ، حتى تحسب أن الموصوف شاخصٌ أمامك ببهائه
و ألقه ، و يعددهم و هم كُثُر ..
و آخر نظم شعراً ، استحال غناءً يُحْيِّي موات القلوب و يسمو بالأرواح ، وهؤلاء لا أكاد أحصيهم عدَّا لكثرة من ذكر ..
و ذكر في من ذكر ..
( حِمَّيدة أبوعشر ) ، الذي امتهن النِجَارَةَ بمدرسة ( حنتوب الثانوية ) ..
إذ أن سيرته كادت أن تندثر ..
و هو من كتب بنبض الجَنان ، قصائد تُشْجِيكَ و تُضْنيكَ و تَرْوِيك حتى تتضلع ارتواءً و تكاد تنفطر و تنشطر ..
( حَكَمَ الغرام بِتَذَلُلِي
و حكم الجمال بِتَدَلُلَكْ
الاشتياق و الاحتراق و الوَجْد لي
و الابتسام والانسجام و الحُسْن لك
عجباً تكون قاسي و وديع
على كل حال شكلك بديع
و غضبك جميل زي بسمتك )
و يُرْمِضُهُ التحسر ..
( ظلموني الأحبة في شَرْع المحبة )
و يُلَوَّح مُودعاً بفؤادٍ نازف ..
( وداعاً روضتي الغناء
وداعاً معبدي القدسي
طويت الماضي في قلبي
و عشت على صدى الذكرى )
ويمضي وحيداً يملؤه العَشَم ..
( يا مسافر براك شَاقِي المَفَازَة بِليل
لي أب قلباً طِراك أهداك المحبة دليل )
و على ذلك فقِس و ادَّكِر ..
و عندما يريد ( قدور ) توصيل فن الأداء في صورته التي نشأ عليها ،
يشدو بصوت غَنِيِّ النبرات ، و كأنه
( ابن أربعين ) يمتهن الغناء و يُلازِمُه ،
وإن كنتَ تجد إلى جانبه ( ابن الثلاثين ) ، وهو يعجز عن مجاراته
ومحاكاته و مسايرته صعوداً و نزولاً
وتَمَّدُداً و تَطْرِيباً ..
ويطلق ضحكته المُدوية ، و التي تأتي مُفْعَمَةً و مُعَبِرةً عن مخزونٍ هائلٍ من الشجِن و الانبساط ، و الانعتاق من مُسَببات الكَدَر و مُنَغِّصات البَشّر ..
و يُلاطِفُ هذا ، و يُداعِبُ تلك ، و يثني على أولئك ، و يُمازِح ( عوض أحمودي ) ، و يقف محيياً و مُشِيِداً ، وهو يُطلق عبارات التقريظ التي اختص بها ، و عندما لا يُعجبه قول أو فعل أو أداء ، يثورُ ( أيه ده ، أيه ده ) ، و لكنه سرعان ما يعود إلى سابق هدوئه
و رزانته و تألقه ..
و يمضي بذاكرة متقدة ..
حكاية ورا حكاية ..
و رواية تسبقها رواية ..
وقصة تتبعها قصة من أندر القَصَص ..
حتى إن البعض أخذ يتشكك في بعض مايقول ، فنَقَلتُ له مرة ذلك ، إذ قلت : ( ياعم السر فلان ، وسميته له ، كتب متهماً أنك تُورِد بعض المعلومات غير الصحيحة ) ، فرد : ( يعني عايزني أتكلم تلاتين يوم ، وما أغلط !! ) ..
إن كل هذا التجليات ، عندما تنتقل إليك
من خلال ( الشاشة ) ، تجد في خيالك وذهنك و روحك و دمك ، ما يشدك إلي ( السر قدور ) ليفرض تأثيره عليك وخضوعك له ..
و هي متابعةٌ مَلهُوفةٌ ، تجعل البعض يضيق بما يتخلل البرنامج من ( رعاية ) و ( إعلانات ) ، والتي لولاها لما استمتع أحدٌ بهذا الانتاج المكلف ، فهي زاد المسير و زيت القنديل ..
كنا نسعى ، لمقابلة متطلبات البرنامج ، بكل ما أوتينا من حرص ، لجذب ( الإعلان ) في وقت كان يعزُّ فيه ، لتواضع صناعته ، ولعدم الاقتناع بجدواه ، إلا أن البرنامج ، شيئاً فشيئاً ، أخذ يجتذب المعلنين ، إلى أن وصل الحال إلى ماهو عليه اليوم ، من إقبالٍ وتَزَاحُمٍ بالمناكب ..
و كانت الرعاية من نصيب ( سوداني ) لسنين عدداً ، وذات مساءٍ ، و البرنامج قد اكتمل إعداده ، و أنا في طريقي إلى ( بُري ) عابراً ( شارع الجمهورية ) ،
بمحازاة منزل الراحل ( جعفر سيد
أحمد قريش ) ، إتصل بي أحدهم من ( سوداني ) ، ليبلغني عن اعتذارهم عن الرعاية ، فانتحيت جانباً من الطريق ، وأَسْنَدْتُ يَدايَّ على مِقْوَدِ العربة ووضعت بينهما وجهي مغمض العينين لدقائق ، ثم عدت أدراجي ..
وبعد يوم زفَّ إليَّ المحبوب ( مالك جعفر ) رغبة ( Mtn ) في رعاية البرنامج و التي تولى متابعتها من بعد ذلك الأخ ( ياسر أبوشمال ، هلا 96 ) ، فانجبر الكسر بأعجل مايكون ..
و بعد سنوات و أنا في جدة ، وقبل أربعة أيام من رمضان أخبرني ، صديق أن مدير ( Mtn ) أعلن قبل قليل ، في قاعة الصداقة ، أن المبالغ المخصصة للرعاية في رمضان ستوجه للمسؤولية المجتمعية ، و لم يكونوا يرعون غير ( أغاني و أغاني ) ..
لقد غمني هذا النبأ غاية الغم ، وأمَضَّنِي ..
إنها قوارع قاتلة ، تأتيك في وقت قاتل ،
تكاد كل واحدة منها تصيبك ( بجلطة ) .
و لكن بعد أقل من ساعة هاتفني الفريق طيار ( الفاتح عروة ) ، و بعد ضحكة مُمتدة ، أراحت أعصابي قليلاً ، قال لي : ( زمااان قلنا ليك أدينا الرعاية ، قلت مابتبيع الجماعة ، أها باعوك ، لكن نحن في ( زين ) معاك و جاهزين للرعاية ، و دعم هذا البرنامج الذي يلتف حوله السودانيون ) ..
و ( عروة ) للذين لا يعرفونه ، زول ( حارَّة ) ، و بتلقاهو في ( الحارَّة ) إلى جانبك إن لم يكن أمامك ..
و مضت الأمور على نحوٍ قاصد ..
هناك قارعة أخرى كان وقعها عليَّ أشَدَّ مَضَاضَة من وقع الحُسامِ المُهَنَّدِ ، وهي قرار إيقاف البرنامج ..
و سأذكرها ..
و لكن قبل ذلك ، أقف عند وصفٍ جامعٍ مانعٍ ، وصف به ( السرَ ) شقيقُهُ الفريق ( عمر قدور ) ، وهو أنه عاش حياتَه بطريقته و كما يُحِبُّ ) ..
و بهذا شهد عليه أيضاً صديقه المرهف ( الفاتح حمدتو ) ، شاعر ..
( بلمسة شوق
و طيب خاطر
حلاوة الريدة في الآخر
تظلل بالسماحة الفِيْك
عيون الدنيا ياساحر ) ..
و فعلا ً..
عاش حياته كما يُحب و بطريقته ..
و على كيفو ..
و قلبه مُعَلَق بجناح النسايم ..
لم تجرفه عن أشواقه و رغائبه ، طوارئ الزمان و تغير المكان و تقلبات الأحوال ،
و أضواء الاشتهار و النجومية ..
لذلك منذ أن بدأ رحلته معنا ، ظل على حال لا يحيد عنه و لا يميل ..
لقد بدا لي وأنا أرْقَبُهُ ، متحرراً من كل ثِقَل و قيدٍ وخُضُوعٍ و انقياد ..
حُرٌ ..
أبِيٌّ ..
معتدل المِزاج ..
شخصٌ فيه أشخاص ،
و في شَخْصِهِ تحترم أشخاص ..
يحافظ على هيأةٍ واحدةٍ ، و سَمْتٍ واحد ، فيجلس الجِلسة ذاتها ، واضعاً رجلاً على رجل ، و عصاه إلى جانبه أو متكئاً عليها ..
يأتي إلى الأستديو بعد العاشرة ، ويغادره حوالي الرابعة ، و في هذا الأثناء لا يبرح مقعده إلا مرة واحدة ، أو بالأكثر مرتين ..
طيلة هذه الفترة لا يُدْخِل في جوفه سوى القهوة التي يُكْثِر من رشْفِها ..
لا يهتم بالتفاصيل كثيراً ، فمرة اقتربت منه ، قبل أن يُنادي المخرج ، إيذاناً ببدء الحلقة ، و قلت له : ( عم السر كدي خليني أصلح ليك الكرفتة دي ) ، فاشاح عني بوجهه قائلاً : ( خليها كده ، لو صلحتها ده ما أنا السر قدور ) ..
يستجيب لرجاءاتنا في بعض الأحيان ، فمثلاً عندما كان يُصِّر على بعض الشباب أن يتقيدوا بالأداء ، كيَوْمِ وَلِدَتهُ أُمُّه ، كنت أطلب منه أن يتجاوز عن ذلك ، ويدَعَهُم يؤدون بطريقتهم التي ألِفوها ، فكان يستجيب ..
يأتي تُلازِمُه إبنتُهُ ( زينب ) ، و واحدة من أخواتها الثلاث ( ثريا ، نبيلة ، أمل ) ، وكان يُبْدِي من الحميمية نحوهن مايُليِّن الصخر ، ويجعل اليابس أخضراً ..
( البنات مهما اتجملوا
زي جمالِك ما بلحقوا
الله مِنِك يازينبو
الله مِنِك يازينبو ) ..
و من خلفهم ، من على البعد ، زوجته الوفية ، تلك المرأة التي لم تعتقله في ( مصريتها ) ، بل مدت له في ( سودانيته ) مدَّا ، و حفظته لنا بنكهته
و بياض سريرته و استقامة لسانه ..
منذ أول حلقة ، و إلى أن غادرتُ القناة ، لم يشترط مبلغاً بعينه ، أو توقيع عقدٍ معه يحفظ حقوقه ، بل كان يرضى بما نقسمه له ، و أذكر مرة ، و نحن جلوس في مكتبي ، قال لي أحد الفنانين : ( ياحسن قروشكم شوية ) ، فرد عليه ( قدور ) : ( ما تقول كده ، البرنامج ده فضله علينا كبير ، و بنلَّقِط بيهو السنة كلها ) ..
وكان ..
و كان ..
و للذين لايزالون يتابعونني أُفْضِي إليهم ، بماهو معلومٌ بالضرورة ، وهو أن البرنامج كان دائماً في مرمى النواسِف
و العواصِفِ و القواصِف ..
و من ذلك ..
كان البعض يسعى لإيقافه ، عبر استصدار قرار يأتي من عَلٍ ..
و في عهد شاعر ( رجعنالك ) ..
( رجعنالك عشان تاه الفرح من دارنا
رجعنالك وانت ديار فرحنا ) ..
( عبدالباسط سبدرات ) ..
كان يُمَثِّل حائط صدٍ للهجمات المتتالية ، التي تستهدف ( البرنامج ) بمواقف مشهودة و مقدرة ..
و ( سبدرات ) كعهده دائماً ، عندما يَحزِبُك أمرٌ ، و تلوذ به ، لا يَخْزِلُك ، وتجده يقترب منك ، و يخاطبك بوُدٍ يُريحُك ، و هو يأخذ بيدك : ( يا مولانا الموضوع كده وكده فما تجزع وما تشيل هم ) ..
و جاء الدكتور ( كمال عبيد ) ..
و لم يكن مقتنعاً بأدائي ، و يَصِفُنِي
بقوة الراس و الاكثار من الغناء في ( القناة ) ، و يوماً قرر إزاحتي ، و كلف صديقي دكتور ( عبدالماجد هارون )
باستلام القناة ، و لم أكن أعلم بذلك ، فجاءني ( عبدالماجد ) قَلِقاً و منزعجاً
و غير سعيد ، ليستجلي حقيقة الأمر ، فعَجِلت إلى الأستاذ ( محمد حاتم ) ،
وحمَّلْتهُ استقالتي ، ولكن حدث بعد ذلك ما أبقى عليَّ ..
ليس هذا هو الموضوع ..
دُعِيتُ يوماً لاجتماعٍ بمكتب الوزير ( كمال ) ، وكنا على وشك أن نُنْهِي تسجيل حلقات ( البرنامج ) .
وجدت عدداً من مديري الإذاعات المسموعة و المرئية ، لنستمع للوزير ( كمال ) و هو يطيل الحديث عن الغناء في رمضان ، فأخذ قلبي يخفق ،
وازدادت وتِيرَةُ خَفَقَانِه ، عندما توقف طويلاً عند الغناء بعد الإفطار ..
لقد بدا لي جَلِيَّاً أن المستهدف بكل هذه ( المُرافعة ) الطويلة هو ( برنامج
أغاني و أغاني ) ، وليس سواه ..
و قد كان ، إذ سرعان ما وجه بإيقافه تماماً ..
و بعد أن تفشى الخبر ، انطلقت حملة عارمة مساندة للبرنامج ، ابتدرها الأستاذ ( مصطفى أبوالعزائم ) ، وتبعه فيها كثيرون ، إلا أن الرفض ظل سيد الموقف ، حتى ليلة الأول من رمضان ،
و بسعي مقدر من دكتور ( محمد مختار حسين ) و الذي كان يَتَنَقَل عبر الهاتف بيني و بين دكتور ( كمال ) و قد يكون هناك طرف ثالث ، لا أدري ..
و قبل أن ينتصف الليل ، جاءني بإفراج مشروط ، و هو أن يبث البرنامج عند العاشرة مساءً ، ولم يكن أمامي غير أن أوافق ، فشيءٌ أفضل من لا شيء ..
و ( كمال عبيد ) كان محل تقديري ،
فهو عالِمٌ و ورِعٌ و زاهدٌ و متحدثٌ زَلِق اللسان ، لا تملك إلا أن تحترمه و تُجِلُهُ حتى لو كان رأيه فيك سالباً ..
و في العام الذي تلا ، عاد البرنامج إلى سابق توقيته ..
و واصل أستاذنا ( السر قدور ) رحلة الإبداع والتألق حتى طال النسخة ( السادسة عشر ) ، بعدد أربعمائة وثلاثين حلقةً ، و متوسط ( خمس ) أغاني في الحلقة ..
هذا ( البرنامج ) ، الذي أقبل عليه من هم بالديار ..
و هفَت إليه أسماع من نأت بهم الأسفار فيما وراء البحار ..
و قد بلغ صِيتُه دول الجوار ..
و كثيراً ما كان يحدثني السفيران ( عبدالله الشيخ ) و ( الدكتور عبدالعزيز حسن صالح ) ، وقد عمِلا في تشاد ، عن المتابعة الكثيفة التي يحظى بها البرنامج هناك ، من الرئيس وزوجته ، وكثرة غالبة من التشاديين ..
و أصبح يُعد من أكثر البرامج ثراءً وأطولها عمراً و أعلاها رُتبةً ، مخلفاً للأجيال القادمة ، ( مَنْجَماً ) ، يحوي أمتع وأروع وأبدع ، ما حَفلت به مسيرة الغناء في السودان ، و مخلداً لسيرة ( رجل ) غادر الدنيا ، تاركًا وراءه ، في كل قلبٍ تِذْكار ، و في كل نفس فيضاً من جمالٍ مِدْرَار ..
إنه ( السر أحمد قدور ) ..
فيااابني السودان
هذا رمز من رموزكم الزواهر
من طينتكم
و بلون غالب بِشْرَتِكم
و بطعم أحلامكم
و برائحة ما تشتهي نفوسكم
و بجمال ما تنطوي عليه جوانحكم
يُقهْقِهُ كما تُقَهقهون
و يعشق كما تعشقون
و ينعل ( أبو خاش ) الذين يتطاولون
عبَّر عنكم بلسان مبين
و عاش بينكم بقلب سليم
و غرس في ربوعكم الحب و الحنان
و رفع ذكركم عالياً ..
( أنا أفريقي أنا سوداني
أرض الخير مكاني
بلد النور و العزة مكاني
أرض جدودي جباهم عالية
مُواكب ما بتتراجع تاني
أقيف قدامه واقول للدنيا أنا سوداني ) ..
فاذكروه بكل خير
و ادعوا الله أن يغفر له و يرحمه
إنه إذ يشاء قدير ..
و أن يجعل البركة في عزيزنا الأديب الراسي الراوي ( مصعب الصاوي ) ..
و يااا أخي ( هيثم التهامي ) ..
ها أنذا أستجيب لندائك في الكتابة عن ( السر قدور ) ، و لكن يُقَّدِر الله أن يأتي ذلك بعد مغادرته الدنيا ..
و هي محاولة متواضعة ، تمثل جهد مُقِلٍ ، نابَهُ الفقدُ ، و الذي ليس هو فقد رجل فحسب ، بقدر ما هو رحيلُ عَلَمٍ وهبه الله عمراً طويلاً و عريضاً ، فظل قائماً و مِعْطَاءً و مُضِيئاً ، إلى أن لَقِيَّ ربَه ..
وياااا ( السر قدور ) ..
حاولت أكتب عنك و أصور الاحساس
و أقول فيك كلام زي النجوم و الماس
و لكن ، آآآه تعبت ..
تعبت ألقا كلام ماسمعوا بيهو الناس
و سبت الكلام و مشيت
و أقول ياريت
أقول ياريييييييت
بأوجع و أحرَّ مما يُنْشِدُ ( ترباس )
ياريت ياريت ياريت ..
حفظ الله زماناً أطلعك
و وطناً أنبتك ..
و السلام ..
حسن فضل المولى
أم درمان … الثاني من مايو / 2022


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.