الملخص تبحث هذه الورقة في المؤشرات المتزايدة على وجود تباين داخلي داخل دولة الإمارات العربية المتحدة، وذلك من خلال تحليل الجدل الأخير المرتبط بقرار حظر التجارة السودانية عبر الموانئ الإماراتية الصادر في يوم 11 اغسطس 2025م . فقد اعتادت أبوظبي على احتكار القرار السياسي والاقتصادي، إلا أن التخبط الذي رافق موقف ميناء جبل علي في دبي، وتردد الشارقة، يعكس تزايد حالة عدم الرضا من هيمنة أبوظبي. بالاعتماد على منهج الاقتصاد السياسي، تجادل الدراسة بأن هذه الواقعة تكشف عن توترات بنيوية بين السياسات المركزية ذات الطابع الأمني لأبوظبي، والنهج البراغماتي التجاري لكل من دبي والشارقة. وتشير النتائج إلى أن هذه الاختلافات قد تُضعف تدريجياً تماسك الاتحاد الإماراتي، بما يحمله ذلك من تداعيات على الحوكمة الداخلية والجيوسياسة الإقليمية. الكلمات المفتاحية: الإمارات، أبوظبي، دبي، الشارقة، السودان، الموانئ، الفيدرالية، الاقتصاد السياسي. This paper examines the emerging signs of internal divergence within the United Arab Emirates (UAE), focusing on the recent controversy surrounding the decision to ban Sudanese trade through Emirati ports. While Abu Dhabi has traditionally exercised dominance in foreign and economic policy, the recent confusion in Dubai's Jebel Ali port and Sharjah's hesitant stance highlight growing dissatisfaction with Abu Dhabi's unilateralism. Through a political economy lens, this study argues that the episode reveals structural tensions between Abu Dhabi's centralist, security-driven policies and Dubai and Sharjah's trade-oriented pragmatism. The findings suggest that such divergences may gradually undermine the cohesion of the UAE federation, with implications for both internal governance and regional geopolitics. Keywords: UAE, Abu Dhabi, Dubai, Sharjah, Sudan, Port Ban, Federalism, Political Economy. المقدمة تُعد دولة الإمارات العربية المتحدة نموذجاً اتحادياً فريداً في المنطقة العربية، حيث تتقاسم الإمارات السبع الأدوار السياسية والاقتصادية ضمن إطار فيدرالي غير متوازن. وقد شكّلت أبوظبي مركز الثقل السياسي والعسكري، بينما ارتبطت دبي بالاقتصاد العالمي والتجارة الحرة، فيما حافظت الشارقة على دور ثقافي وتجاري متمايز. إلا أن تزايد نزعة أبوظبي نحو التفرد في صنع القرار، خاصة في الملفات ذات الطابع الخارجي، أدى إلى بروز مؤشرات تباين داخلي. ويُعد قرار حظر الموانئ الإماراتية على السودان، وما رافقه من تخبط، مثالاً صارخاً على هذه التحولات. إشكالية البحث: تتمحور هذه الدراسة حول السؤال الرئيس: هل تمثل التطورات الأخيرة بشأن قرار حظر الموانئ الإماراتية على السودان الصادر في يوم 11 أغسطس 2025م والذي تم تعديله مرتين في يوم 5 سبتمبر 2025م، بداية لمرحلة من التباين الداخلي داخل دولة الإمارات، أم أنه مجرد ارتباك إداري عابر؟ المنهجية: تعتمد الدراسة على منهج الاقتصاد السياسي المقارن، عبر تحليل: 1. السياق الزمني للقرار وتداعياته. 2. تباين المصالح بين أبوظبي (ذات الطابع الأمني-السياسي) ودبي والشارقة (ذات الطابع الاقتصادي-التجاري). 3. انعكاسات هذه الأزمة على البنية الاتحادية وصورة الإمارات خارجياً. النتائج 1. التخبط المؤسسي: رفع الحظر مؤقتاً في صباح يوم 5 سبتمبر 2025 عن ميناء جبل علي ثم إعادته خلال ساعات يكشف عن تضارب في مراكز اتخاذ القرار. 2. تباين المصالح: – أبوظبي: ترى في الاقتصاد أداة للضغط السياسي. – دبي: ترى في حرية التجارة أساساً لاستدامة اقتصادها. – الشارقة: تتخوف من اهتزاز الثقة في موانئها الإقليمية. 3. انعكاسات سياسية: تصاعد ممانعة ضمنية من بقية الإمارات تجاه "عنجهية" أبوظبي. المناقشة: 1. البعد المؤسسي والفيدرالي إن التخبط الذي صاحب قرار الحظر يكشف عن محدودية آليات التنسيق الفيدرالي في دولة الإمارات. فعلى الرغم من وجود مجلس أعلى للاتحاد ومجلس وزراء اتحادي، إلا أن القرارات الاستراتيجية الكبرى غالبًا ما تُصاغ في أبوظبي، بينما تُترك بقية الإمارات أمام خيارين: إما الامتثال أو محاولة المناورة بصمت. هذا النمط يعكس مركزية أبوظبي المفرطة التي قد تضعف الثقة في جدوى البنية الاتحادية. في المقابل، قد تعزز دبي والشارقة مطالب غير معلنة بضرورة إعادة توزيع الصلاحيات داخل الاتحاد، أو على الأقل حماية مصالحهما الاقتصادية من "القرارات العقابية" التي تمس سمعتهما التجارية. 2. البعد الاقتصادي–التجاري يُعد الاقتصاد الإماراتي شديد التنوع بين إماراته: – دبي: تعتمد على الانفتاح والتدفقات التجارية، وسمعتها كميناء عالمي لا تحتمل قرارات مفاجئة تؤدي إلى اهتزاز ثقة الشركاء الدوليين. – الشارقة: ذات قاعدة اقتصادية أصغر، لكنها متشابكة مع الأسواق الإقليمية، وبالتالي أي ارتباك في السياسة الاقتصادية يُترجم مباشرة إلى خسائر ملموسة. – أبوظبي: مدعومة بالثروة النفطية، أقل عرضة لتأثيرات سلبية مباشرة من مثل هذه القرارات، ما يمنحها حرية أكبر في المجازفة الاقتصادية لخدمة أهداف سياسية. هنا يظهر بوضوح تناقض المصالح: فبينما ترى أبوظبي أن الاقتصاد أداة سياسية، تنظر دبي والشارقة إليه كرأسمال استراتيجي يجب عزله عن الأجندات الإقليمية. 3. البعد السياسي–الإقليمي تتجاوز تداعيات الأزمة الداخل الإماراتي لتصل إلى الإقليم العربي والبحر الأحمر: قرار الحظر كان جزءاً من سياسة ضغوط على السودان، لكن التخبط الذي تلاه أضعف صورة الإمارات كفاعل منسجم ومتماسك. بالنسبة للشركاء الإقليميين، وخاصة السودان ودول القرن الأفريقي، فإن رؤية تباين مواقف الإمارات المختلفة قد تفتح الباب لاستغلال هذه الفجوات، سواء من قِبل قوى دولية (تركيا، قطر، الصين) أو إقليمية. بالتالي، فإن هذا الانقسام الداخلي ينعكس سلباً على المكانة الجيوسياسية للإمارات التي تسعى لتقديم نفسها كقوة إقليمية متماسكة. 4. البعد الاجتماعي والهوية الوطنية لا تقتصر انعكاسات الأزمة على الاقتصاد والسياسة فقط، بل تمتد إلى البعد الاجتماعي والهوية الوطنية الإماراتية: تظهر مثل هذه التباينات وكأنها منافسة بين إمارات داخل الدولة الواحدة، وهو ما قد يُغذّي شعوراً بالخصوصية المحلية على حساب الهوية الاتحادية الجامعة. على المدى الطويل، قد يؤدي ذلك إلى إعادة طرح تساؤلات داخلية حول مدى عدالة توزيع السلطة والثروة داخل الاتحاد، خاصة إذا استمرت أبوظبي في احتكار القرار السياسي. 5. سيناريوهات مستقبلية من خلال ربط المعطيات السابقة، يمكن تصور ثلاثة سيناريوهات رئيسية: 1. الاستمرار مع الاحتواء: تستمر أبوظبي في فرض مركزيتها، مع محاولات متقطعة من دبي والشارقة للتعبير عن اعتراضهما بطرق غير مباشرة، كما حدث في ملف السودان. 2. التفاوض على استقلالية أوسع: تضغط دبي والشارقة للحصول على مساحة قرار اقتصادي أوضح، ربما عبر ترتيبات فيدرالية جديدة، تضمن حماية مصالحهما. 3. تفاقم الانقسام: في حال استمرار القرارات الأحادية المثيرة للجدل، قد نشهد تصدعاً حقيقياً في صورة الاتحاد، ما يضع الإمارات أمام تحديات داخلية لم تكن مطروحة بحدة من قبل. 6. الربط بالتحولات العالمية لا يمكن فصل هذه الأزمة عن السياق الدولي: التحولات في سلاسل الإمداد العالمية بعد جائحة كورونا وحرب أوكرانيا جعلت الاستقرار والموثوقية أهم من أي وقت مضى في التجارة الدولية. بالتالي، أي تخبط في موانئ الإمارات، خصوصاً دبي، يُترجم مباشرة إلى فقدان ثقة، وهو ما قد يدفع الشركاء الدوليين للبحث عن بدائل مثل ميناء الدقم (عُمان) أو الموانئ السعودية على البحر الأحمر. الخلاصة: توضح هذه المناقشة أن الأزمة ليست مجرد حادثة عابرة، بل هي انعكاس لبنية هشة داخل الاتحاد الإماراتي. الجمع بين مركزية أبوظبي وطبيعة الاقتصاد المنفتح لدبي والشارقة يخلق تناقضاً هيكلياً، قد يظل تحت السيطرة في المدى القريب، لكنه يحمل بذور تصدع أكبر في المستقبل إذا لم يُعالج عبر آليات مؤسسية حقيقية لتقاسم القرار الاتحادي. — المراجع Davidson, C. (2009). Abu Dhabi: Oil and Beyond. Hurst & Company. Ulrichsen, K. (2016). The United Arab Emirates: Power, Politics and Policymaking. Routledge. Roberts, D. (2020). Security Politics in the Gulf Monarchies. Columbia University Press. تقارير البنك الدولي حول التجارة الخارجية للإمارات (2024). دراسات مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية حول الاتحاد الإماراتي. وليد محمد المبارك وليد محمدالمبارك احمد إنضم لقناة النيلين على واتساب مواضيع مهمة ركوب الخيل لا يناسب الجميع؟ أيهما أصعب تربية الأولاد أم البنات؟ جسر الأسنان هل تعقيم اليدين مفيد؟ الكركم والالتهابات أفضل زيوت ترطيب البشرة