الحرب... النزوح... اللجؤ... الخراب.. المرض... الملاريا... الضنك (حمى أم برد تهرد الكلاوي مع الكبد)... البؤس في كل شيء... في السياسة الاقتصاد الاجتماع... جعل الموت (كأس المنية الداير) في كل يوم وفي كل ساعة وكل دقيقة... كل يوم نفقد عزيزاً رغم ذلك لم نتطبع مع الموت... ومازالت (الدمعة تلاحق الدمعة) فإذا ما قابلت أي من معارفك (فيس تو فيس) أو عبر التقانات الحديثة تودعه وداع مودع... وتودعه وفي بالك أغنية المغني إسماعيل حسب الدايم (مفارقه أنا وخائف والله /يمكن نتلاقى ويمكن لا)... أثناء هذة الحرب فقدنا أعلاماً كانوا (اسماء في حياتنا) ولهم بصمة كبيرة في واقعنا المعاصر... وأثروا حياتنا بالكثير المفيد... ولم نكتب عنهم كلمة لكي نوفيهم دينهم علينا..حَزَّ في نفسي كثيراً أنني لم أكتب حتى الآن عمن جمعتني به الظروف من هؤلاء الأعلام... وخرجت منه بانطباع خاص يمكن أن يصدح به للآخرين... ويمكن أن تكون فيه إضافة للمعرفة العامة بهم... وعلى راس هؤلاء يأتي أستاذنا البروفسور حسن أحمد إبراهيم صاحب المنهج الخاص في كتابة تاريخ السودان الحديث... وقد بدأت في كتابة ورقة علمية في هذا المنهج.. مستعرضاً بعض كتبه لكنها ستحرمني من سكب الدموع المختزنة عليه فيها... فقد كان إنساناً ودوداً حلو المعشر محباً لطلابه.. . ومن هؤلاء الدكتور عبد المطلب الفحل الإنسان النادر المثقف الموسوعي الشعبي إن شئت قل العضوي، وقد كان يتجول بعلمه في الإذاعة والتلفزيون والصحف ناشراً المعرفة والوعي والتنوير... ومنهم أستاذ الاجيال محجوب محمد صالح والشاعر محمد المكي إبراهيم والأستاذ كمال الجزولي... والفنان حمد الريح والفنان محمد الأمين، فكل هؤلاء أنعم الله عليّ بالجلوس إليهم جلسات خاطفة واستمتعت إليهم مباشرة و اختزنت منهم ما لاينسى ويمكن حكيه للآخرين... وإن شاء الله سأفعل إذا مد الله في الآجال... قبل عدة أسابيع فقدت قريتنا الحبيبة سبعة من شبابها الغر الميامين في حادث حركة أليم بمنطقة القصيم بالمملكة العربية السعودية... وقد طارت بذكر الحادث الأسافير... وكانوا من أسرة ممتدة واحدة... يعولون أسرهم الصغيرة بكدهم وجهدهم... أدخلوا القرية في أجواء من الحزن والألم... جددت لهم أيام احتلال الدعم السريع التي كان قد مضى عليها حوالي سبعة أشهر... وتضاعف الحزن أن يرى الأهل الفيديوهات التي تصور فلذات أكبادهم وهي تقبر بعيداً عنهم... سبحان الله في ذات اليوم الذي قبر فيه ذلك الرهط من الشباب... قبرت القرية جمعة ود فور ذلك الغريب الذي دخل القرية صبياً... وعاش فيها عشرات السنين وتزوج فيها وأنجب البنات والبنين... ولم يغادرها يوماً حتى بعد وفاته التي كانت بسبب لدغة ثعبان عندما كان (يحش في القش) من أجل قوت أبنائه.... لقد شق عليّ نعي جمعة لأنه تربطني به علاقة صداقة خاصة... عرفت منه كيف خرج من دار فور في لوري (سفنجة) قادمة للخرطوم... عملية تفريغ تلك العربة جمعته بشابين كانا يتكلما لغة الفور... (فرطن) معهما ثم اصطحباه إلى مزرعة في الجريف غرب... ليجد غفير تلك المزرعة شيخاً من دارفور... وبعد العشاء وفي ونسة قبل النوم اكتشف أن ذلك الشيخ هو والده الذي تركه طفلاً.. وبعد أسبوع من إقامته مع والده أصيب الوالد بملاريا خبيثة... توفي بعد أسبوعين من الإصابة... وبعد يومين من الوفاة جاءت عربة من اللعوتة لتفريغ شحنة قصب في المزرعة... فطلب منه صاحب العربة أن يركب معه (مساعدي)... فلم يتردد وجاء إلى اللعوتة (الما منها فوتة) وكانت القعدة إلياها..ومن حسن حظه أن الذي جاء به من نفر طيب من القرية كثيرو الإحسان... فعاش بينهم مكرما وعاملا مجتهداُ في العربات وفي الحواشات على حسب مقتضى الحال وكان محبوباً لدى كل من عرفه من القرية و لا ينادونه إلا بجمعة ود فور.. كان جمعة مدمن سماع الراديو... وكان من المحبين للأغنية الحديثة إبراهيم عوض وعثمان حسين و وردي... كان شغوفاً ببرامج المنوعات وكنا كلما نلتقي يسامرني كثيراُ في تلك المجالات.. قال لي ذات يوم يافلان (أديني تلفزيون) فاندهشت وقلت له قلت شنو؟... فكررها... يا جمعة ياخي الزول بيقول أدوني كيلة عيش... أدوني حق الملاح إنت تطلب تلفزيون؟.. فرد بصوته الهامس... بسيطة ياخي إنت بتكون جبت ليك شاشة وخليت التلفزيون قاعد ساكت.... وتاني ما حا ترجع ليه.. فقلت له صدقت والله ويمكن يكون عشرات التلفزيونات قاعدات ساكت... خلاص طوالي تجيني باكر.. وبالفعل جاني في اليوم التالي ووجدت في المخزن أكتر من تلفزيون اخترت له الأكبر والأحسن مظهرا... فطلب شوال أو قطعة قماش ليحمله فيها لأن المسافة بعيدة نسبياً.. فجئت له بملاية وربطه فيها وحمله... وفي اليوم التالي جاء بالملاية فقلت يا جمعة ياخي أنا أديتك التلفزيون ... الملاية شنو كمان... فرد بسيطة ياخي التلفزيون ما شغال لكن الملاية شغالة... ورفض رفضاً باتاً أن يأخذها.. د. عبد اللطيف البوني إنضم لقناة النيلين على واتساب مواضيع مهمة ركوب الخيل لا يناسب الجميع؟ أيهما أصعب تربية الأولاد أم البنات؟ جسر الأسنان هل تعقيم اليدين مفيد؟ الكركم والالتهابات أفضل زيوت ترطيب البشرة