عاد الاستاذ علي عثمان محمد طه نائب رئيس الجهورية الى ارتداء ثوب المحاماة من جديد، فقد قدم أمس مرافعة مهنية استثنائية للدفاع عن الرئيس عمر البشير، و طرح حججا قانونية وسياسية لتفنيد مذكرة الاتهام الذي قدمه المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لويس اوكامبو الذي طلب من المحكمة اصدار أمر اعتقال بحق الرئيس البشير بتهمة ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية في دارفور، إضافة الى تجميد ممتلكاته وارصدته المالية. كما كشف طه في مؤتمر صحافي عقده امس في مجلس الوزراء في اعقاب اعلان المدعي العام لمذكرة اتهام الرئيس البشير، عن رؤية الحكومة لمناهضة إجراءات المدعي العام في الاطار الدبلوماسي والسياسي، وأعلن عن تشكيل لجنة عليا لادارة الازمة، وحذر الاممالمتحدة والمجتمع الدولي من عواقب عدم ايقاف اجراء المحكمة الجنائية، الذي وصفه بأنه غير مهني وغير قانوني، واتهم المدعي العام بقصد اهمال الحقائق لتضليل الرأي العام والمحكمة الجنائية، وقال انه يستقي معلوماته من «النت» الشبكة العنكبوتية، وأكد تأييد الحركة الشعبية لتحرير السودان لموقف الحكومة من مذكرة اوكامبو، ومساندة كافة القوى السياسية للتصدي لما اعتبره حملة لتشويه صورة البلاد وزعزعة الاستقرار فيها، لكنه حذر من أن هذا الامر سيتعدى تأثيره السلبي السودان الى المحيط الاقليمي والدولي، وسيفتح الباب امام أكبر اضطرابات تشهدها العلاقات الدولية. وذكر طه في المؤتمر الذي شهده صحافيون من كافة وسائل الاعلام المحلية والدولية وممثلو قبائل من دارفور ومسؤولون في الحكومة، ان الاجراء الذي اعلنه المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لم يكن مستغربا ولا مفاجئا، فقد ظلت التصريحات للمدعي العام تشير الى أنه يسعى للوصول الى هذه النتيجة، وكان واضحا أنه يسعى لاستثارة وحشد المجتمع الدولي عبر المحكمة الدولية ومجلس الامن لتعويق مسيرة دولة السودان ولاحداث شلل في دورها على الصعيد الدولي. واوضح أن المحكمة الجنائية الدولية مؤسسة طوعية وليست من مؤسسات الاممالمتحدة، وان الانضمام اليها يجري عبر الارادة المباشرة والطوعية للدول، مشيرا الى أنه اصبح معلوما ان السودان لم يصادق على عضوية المحكمة ولم يكتسبها، ولا تنعقد ولاية قانونية للمحكمة على السودان شعبا او افرادا أو مؤسسات. وأضاف ان المحكمة لا تمثل جهازا من اجهزة الاممالمتحدة كما أكد ذلك الامين العام للمنظمة الدولية، وبناء على ذلك فإن الحكومة ترى أن المدعي العام لا يمكلك فرض ولاية قانونية لاصدار مذكرة توقيف في حق الرئيس البشير. ووصف التحركات التي يجريها المدعي العام للمحكمة الدولية، بأنها غير قانونية وغير مهنية، وأعتبر أن موضوع دارفور الذي تجرى التحركات حوله موضوع سياسي، موضحا أن موقف الحكومة معلن وواضح في هذا الخصوص. وتحدث طه عن خلفيات قضية دارفور، موضحا ان القضية بدأت بصراع محلي قبلي حول الموارد الطبيعية والمراعي قبل قيام هذا النظام برئاسة البشير، واضاف انها أزمة سابقة لنظام الانقاذ الذي يقوده الرئيس البشير، وأن الانقاذ كانت اولى محاولاتها السياسية معالجة الأزمة عام 1989م، وعقدت في هذا السياق مؤتمرا للصلح. وقال ان رؤية الحكومة للقضية ،أن الصراع ضاعفته عوامل التصحر التي أدت الى هجرات كبيرة من الداخل والخارج بحثا عن فرص افضل للعيش والعمل، واضاف: « من هنا يتضح ان ادعاءات المدعي العام بخصوص النزوح باطلة وتكذبها حقائق التاريخ والجغرافيا والحراك الاجتماعي المعاصر»، ورأى نائب الرئيس ان المدعي العام للمحكمة الدولية تناسى عن قصد هذه الوقائع من اجل تضليل الرأي العام والمحكمة.وذكر طه أن انتشار السلاح في دارفور سبق وصول الرئيس البشير للسلطة، فقد تسبب في انتشار السلاح بدارفور الصراعات الاقليمية وخاصة النزاع التشادي التشادي، مما ادى الى دخول كميات كبيرة من الاسلحة الى المنطقة، وبعد النزاع الاخير في دارفور دخلت اسلحة متطورة بعضها ليس متاحا للقوات المسلحة السودانية، واصبحت المنطقة « سوقا للسلاح» ومفتوحة ، وليس صحيحا أن الرئيس البشير يرسل السلاح الى دارفور ويرتب لابادة جماعية هناك، وقال ان هذه المعلومات كافية لدحض وفضح ما ظهر في الادعاء الذي اعلنه المدعي العام للمحكمة الدولية. وقال انه ليس صحيحا على الاطلاق اتهام المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية للرئيس البشير بالقيام بابادة اثنية عرقية، ويلمح بأن هذه الاثنيات معارضة للحكومة المركزية، وأضاف قائلا: عندما يتهم المدعي العام الرئيس البشير بالقيام بهذا الامر يتساءل المرء عن دوافع هذا الادعاء، واوضح أن هذه المجموعات التي ذكرها المدعي العام كانت تتصارع فيما بينها وفق السجل الذي ترصده الادارة الوطنية والاممالمتحدة الذي يشير الى ان النزاعات مستمرة وليست بالضرورة بين قبائل عربية وافريقية. واتهم طه، المدعي العام للمحكمة الدولية بإثارة فتنة واللعب على عواطف التفرقة القبلية والاثنية لاثارة الفتنة وتعميق الصراع في دارفور، معتبرا أنه امر لا يفصح عن المخطط الذي يهدف الى تفكيك محيط غرب افريقيا ، حيث تدس الفتنة لاشعال الحرب بين من يدعون أنهم عرب وافارقة، رغم التصاهر والتمازج الذي لا يضع مجالا للتمييز بين من هو عربي ومن هو افريقي. وأكد ان السجلات التي رصدتها الادارة الوطنية والاممالمتحدة تشير الى أن الصراعات في دارفور بين مجموعات بعضها عربي عربي مثل حادثة « الترجم والبني هلبة» كما ان هنالك صراعات بين المجموعات الافريقية، وهذه الصراعات ليس باسباب قبلية وانما لاسباب سياسية، واعتبر ان السجل افضل دليل على كذب ادعاءات المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية. وقال ان هنالك مجموعات متمردة ومعارضة للحكومة الوطنية ولكن ليس صحيحا أن هذه الحركات تنتمي كلها لمجموعة قبلية او اثنية واحدة، أو انها كلها تعمل ضد الحكومة، فهناك فصائل تتقاتل فيما بينها وهناك مجموعات وعشائر تقف الى جانب الحكومة من المجموعات التي ذكرها المدعي العام، وهي تدين بالولاء للحكومة وتشترك في اجهزتها الامنية والسياسية والادارية، وزاد: «كيف يمكن أن يقال ان الحكومة تستهدف هذه المجموعات في بعدها الاثني». وفي ذات السياق، أكد نائب الرئيس أن هنالك مجموعات متمردة أو معارضة للحكومة لكن ليس صحيحا انها اثنيات محددة بكاملها تعمل ضد الحكومة، وان الاخيرة تعمل على ابادتها، واوضح ان البلاد تؤسس على المواطنة والمشاركة، مشيرا الى أن القوات المسلحة تضم اعدادا كبيرة من القبائل في دارفور. وقال ان الذي يريد أن يسعى لابادة عليه ان يكون لديه مبرر لذلك، مؤكدا أن ما يجري في دارفور لا يشكل خطرا كبيرا على الرئيس البشير حتى يتجه للقيام بمخطط للابادة، وتحدث في هذا الخصوص عن سلوك الحكومة التي يقودها الرئيس البشير في التعامل مع الهجوم الذي شنته حركة العدل والمساواة على امدرمان في العاشر من يوليو الماضي، وقال ان الذين وصلوا الى ابواب ام درمان تعاملت الحكومة معهم بالقانون واعلى درجات الانضباط، وكفلت لهم حقوقهم القانونية، وأضاف: «إذا كان هذا هو سلوك حكومة البشير فكيف يعتبر هو سلوك الاجتثاث». وتساءل نائب رئيس الجمهورية قائلا: من أين خرج علينا المدعي العام بهذه الادعاءات، فقد زارت السودان لجنة دولية لتقصي الحقائق حول وجود ابادة جماعية في دارفور وتلتها العديد من الوفود، وزار البلاد وزير الخارجية الامريكي السابق كولن باول، كما عملت في القضية لجنة وطنية، وكلها اجمعت على عدم وجود ابادة جماعية، وتساءل طه ان كان سلوك حكومة الرئيس البشير هو الانفتاح واطلاع الجميع على ما يجري في دارفور، هو سلوك من يريد ان يقوم بمؤامرة ضد الانسانية، لكن طه قال ان المدعي العام لم يزر دارفور وان معلوماته يخرجها من «النت» الشبكة العنكبوتية ،ومن اشخاص مجهولي الهوية لم يروا دارفور، معتبرا ان هذا الامر يكشف ضعف البينة التي تقوم عليها ادعاءات الرجل. ورأى طه ان اجراء اوكامبو ليس مستغربا، لان الحكومة تعلم أن هنالك حملة مدبرة لتشويه صورة البلاد وزعزعة استقرارها، وأن القوى المتربصة تحاول في كل مرة استخدام شكل جديد للتشويش والتضليل الاعلامي وتشجيع المجموعات التي تؤثر على الحكومة وتستخدم الضغط واللوبي، مشيرا الى ان هذه المجموعات تستغل مناخ الانتخابات التي تجري في الولاياتالمتحدةالامريكية لتعمل على كسر استقرار السودان واستقلاله السياسي. وقال ان توقيت اعلان مذكرة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، يتزامن مع إحراز حكومة الرئيس البشير لتقدم في تنفيذ اتفاق السلام الشامل وحدوث اختراقات في قضية ابيي واجازة قانون الانتخابات، ويأتي في الوقت الذي يرشح فيه السودان لاشباع شعوب العالم بالغذاء، وفي وقت يتجه فيه المستثمرون وتعقد الاتفاقات. ورأى ان اجراء المدعي العام يعد استكمالا لما حدث في العاشر من يوليو ومحاولة لتشجيع ذات المجموعات لمعاودة الكرة واستمرار مقاومتهم العسكرية للاطاحة بالحكومة. وقال طه ان مذكرة اوكامبو تفتقد للسند القانوني وفقا لمعطيات القانون الدولي، فهي تتحدث عن رئيس دولة ليست عضوا في المحكمة الجنائية الدولية، وتتحدث عن رئيس تحكمه مؤسسات الشعب الدستورية والسياسية وتضم ممثلين لهذه المجموعات التي يفرض المدعي العام عليها وصاية. وأكد نائب الرئيس ان الحكومة ستقوم بمناهضة الاجراء بالطرق المتاحة في الاطار الدبلوماسي والسياسي المتعارف عليه، ولن تعترف باجراء المدعي العام، وستقوم الحكومة بتعضيد موقف المؤسسات الافريقية والعربية والدولية المؤيدة للسودان، وستعتمد القرار الذي اتخذته القمة الافريقية الاخيرة بشرم الشيخ والذي يحذر من سوء استخدام المحكمة وانتهاك مبدأ الولاية، خاصة ضد الرؤساء الافارقة مما يفتح الباب لاحداث الفوضى وادخال المنطقة في دوامة المستقبل المظلم. ودعا طه الى وقف الاجراء بحسبانه يعقد القضايا ولايساعد على حلها، ويؤثر في مستقبل اتفاقية السلام، وفي تنفيذ الاتفاقيات، خاصة اتفاقيات «ابوجا، الشرق،» ويتعدى اثره المحيط الاقليمي الى امتداد العالم. وأردف: انه اذا كان اوكامبو يدعي انه لا يريد لاحد الافلات، فإننا نقول ان هذا الادعاء سيفتح الباب واسعا امام اكبر اضطرابات تشهدها العلاقات الدولية. ودعا الاممالمتحدة والجامعة العربية والاتحاد الافريقي ومنظمات حقوق الانسان للتعاضد ومساندة السودان في رفضه لاجراء اوكامبو، وقال: « نحن واثقون ان الضمير الانساني سينتصر». وأكد ثقته في القضاء الوطني المستقل في ملاحقة المجرمين وفقا للقوانين الوطنية. وفي رده على اسئلة الصحافيين خلال المؤتمر الصحفي الذي عقد بمجلس الوزراء امس، قال نائب الرئيس، ان الحكومة تقوم بحملة لتعزيز التراضي الوطني، الذي يأتي اجراء اوكامبو لاجهاضه، مشيرا الى أنه اجرى مشاورات مساء امس مع النائب الاول رئيس حكومة الجنوب الفريق سلفاكير ميارديت، وأتفق معه على انشاء لجنة رئاسية تمثل حكومة الوحدة الوطنية لجمع الصف الوطني وتشكيل موقف وطني موحد للمواجهة. وقال ان الحكومة تسعى لبلورة رؤية وطنية لحل قضية دارفور واستكمال حلقات اتفاقية ابوجا للسلام. واشاد بالموقف العربي المساند للسودان، وقال ان الحكومة وجدت تأكيدات من دول دخل المجموعات الغربية تؤكد وقوفها الى جانب السودان، وأضاف: لسنا وحدنا في الاطار العربي والافريقي. ورد ا على سؤال بشأن مواقف القوى المعارضة من مذكرة اوكامبو، في تلميح للتصريحات التي اطلقها زعيم المؤتمر الشعبي المعارض الدكتور حسن الترابي، قال طه ان الحكومة تتحدث عن بناء جبهة وطنية أما من شذ عن هذا الامر فقد كتب سطراً في تاريخ الساحة السياسية، مشيرا الى أن الحكومة تثق في وعي الشعب السوداني ووطنيته. وعن نية الحكومة التعامل مع المحكمة الجنائية في الجانب القانوني، قال طه ان المعركة الان في التعامل مع الادعاء نفسه، وكشف عن لجنة عليا لادارة الأزمة والتعامل مع الجوانب القانونية والسياسية داخليا وخارجيا، وستحدد الحكومة الاطر المناسبة لاتخاذ المواقف، مشيرا الى ان قانونيين معروفين على المستوى العالمي عبروا عن استيائهم من صدورالمذكرة من مؤسسة القت بنفسها في التهلكة ووضعت نفسها في محك. وبشأن الموقف الذي ستتخذه الحكومة من الاممالمتحدة، قال نائب الرئيس ان الحكومة ملتزمة بميثاق المنظمة ، ولكن اذا اتجه مجلس الامن نحو تأييد مذكرة المحكمة، فإن الحكومة سيكون لديها موقف اخر. ورد على سؤال حول موقف الحركة الشعبية من مذكرة اوكامبو، وصف موقف الحركة بالوطني والمتفهم بان التساهل في التعامل مع هذه القضية سيكون اول المتضررين منه ابناء جنوب السودان الذين سيدفعون ثمن المضي قدما في هذا الاجراء. كما استجاب طه للتعليق حول الشريط الذي بثه تلفزيون «البي بي سي» واظهر اسلحة صينية في دارفور، رغم قرار حظر دولي بعدم دخول الاسلحة الى السودان، وأعتبر طه الحديث حول هذا الامر اصطيادا في الماء العكر، مشيرا الى ان الوجود الصيني بدارفور بموجب قرار مجلس الامن ضمن القوات المختلطة لحفظ السلام. وحول طلب الامين العام للامم المتحدة من الحكومة السودانية الحفاظ على سلامة بعثتها في السودان والقوات المختلطة بدارفور، رأى طه ان مذكرة اوكامبو تضعف مناخات التفاهم السياسية مع الاممالمتحدة، وتدفع الامور نحو التعقيد وتصعب مهمة الحكومة في الحفاظ على الامن. وسخر طه في نهاية المؤتمر الصحفي، من طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بتجميد ممتلكات وأرصدة الرئيس البشير، وقال: « ان عليه ان يذهب الى حوش بانقا ليرى منزل الرئيس البشير».