شهود عيان يؤكدون عبور مئات السيارات للعاصمة أنجمينا قادمة من الكاميرون ومتجهة نحو غرب دارفور – فيديو    الغرب "يضغط" على الإمارات واحتمال فرض عقوبات عليها    دورتموند يسقط باريس بهدف فولكروج.. ويؤجل الحسم لحديقة الأمراء    وزارة الخارجية تنعي السفير عثمان درار    العقاد والمسيح والحب    واشنطن: دول في المنطقة تحاول صب الزيت على النار في السودان    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    شاهد بالصور.. المودل والممثلة السودانية الحسناء هديل إسماعيل تشعل مواقع التواصل بإطلالة مثيرة بأزياء قوات العمل الخاص    شاهد بالصورة والفيديو.. نجم "التيك توك" السوداني وأحد مناصري قوات الدعم السريع نادر الهلباوي يخطف الأضواء بمقطع مثير مع حسناء "هندية" فائقة الجمال    شاهد بالفيديو.. الناشط السوداني الشهير "الشكري": (كنت بحب واحدة قريبتنا تشبه لوشي لمن كانت سمحة لكن شميتها وكرهتها بسبب هذا الموقف)    محمد وداعة يكتب: الروس .. فى السودان    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    طبيب مصري يحسم الجدل ويكشف السبب الحقيقي لوفاة الرئيس المخلوع محمد مرسي    "الجنائية الدولية" و"العدل الدولية".. ما الفرق بين المحكمتين؟    الى قيادة الدولة، وزير الخارجية، مندوب السودان الحارث    السودان..اعتقال"آدم إسحق"    فلوران لم يخلق من فسيخ النهضة شربات    رئيس نادي المريخ : وقوفنا خلف القوات المسلحة وقائدها أمر طبيعي وواجب وطني    المنتخب يتدرب وياسر مزمل ينضم للمعسكر    عائشة الماجدي: دارفور عروس السودان    لأول مرة منذ 10 أعوام.. اجتماع لجنة التعاون الاقتصادي بين الإمارات وإيران    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    والي الخرطوم يدشن استئناف البنك الزراعي    دولة إفريقية تصدر "أحدث عملة في العالم"    أول حكم على ترامب في قضية "الممثلة الإباحية"    بعد اتهام أطباء بوفاته.. تقرير طبي يفجر مفاجأة عن مارادونا    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    الحراك الطلابي الأمريكي    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإستفراغ بالقئ و تضمين من طبب الناس وهو جاهل بالطب
نشر في النيلين يوم 05 - 04 - 2011


في هديه صلى الله عليه وسلم في الإستفراغ بالقئ ..
روى الترمذي في جامعه عن معدان بن أبي طلحة ، عن أبي الدرداء ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء ، فتوضأ فلقيت ثوبان في مسجد دمشق ، فذكرت له ذلك ، فقال : صدق ، أنا صببت له وضوءه . قال الترمذي : وهذا أصح شئ في الباب .
القئ : أحد الإستفراغات الخمسة التي هي أصول الإستفراغ ، وهي الإسهال ، والقئ ، وإخراج الدم ، وخروج الأبخرة والعرق ، وقد جاءت بها السنة .
فأما الإسهال : فقد مر في حديث " خير ما تداويتم به المشي " وفي حديث " السنا " .
وأما إخراج الدم ، فقد تقدم في أحاديث الحجامة .
وأما استفراغ الأبخرة ، فذكره عقب هذا الفصل إن شاء الله .
وأما الإستفراغ بالعرق ، فلا يكون غالباً بالقصد ، بل بدفع الطبيعة له إلى ظاهر الجسد ، فيصادف المسام مفتحة ، فيخرج منها .
والقئ استفراغ من أعلا المعدة ، والحقنة من أسفلها ، والدواء من أعلاها وأسفلها ، والقئ : نوعان : نوع بالغلبة والهيجان ، ونوع بالإستدعاء والطلب . فأما الأول : فلا يسوغ حبسه ودفعه إلا إذا أفرط وخيف منه التلف . فيقطع بالأشياء التي تمسكه . وأما الثاني : فأنفعه عند الحاجة إذا روعي زمانه وشروطه التي تذكر .
وأسباب القئ عشرة .
أحدها : غلبة المرة الصفراء ، وطفوها على رأس المعدة ، فتطلب الصعود .
الثاني : من غلبة بلغم لزج قد تحرك في المعدة ، واحتاج إلى الخروج .
الثالث : أن يكون من ضعف المعدة في ذاتها ، فلا تهضم الطعام ، فتقذفه إلى جهة فوق .
الرابع : أن يخالطها خلط رديء ينصب إليها ، فيسيء هضمها ، ويضعف فعلها .
الخامس : أن يكون من زيادة المأكول أو المشروب على القدر الذي تحتمله المعدة ، فتعجز عن إمساكه ، فتطلب دفعه وقذفه .
السادس : أن يكون من عدم موافقة المأكول والمشروب لها ، وكراهتها له ، فتطلب دفعه وقذفه .
السابع : أن يحصل فيها ما يثور الطعام بكيفيته وطبيعته ، فتقذف به .
الثامن : القرف ، وهو موجب غثيان النفس وتهوعها .
التاسع : من الأعراض النفسانية ، كالهم الشديد ، والغم ، والحزن ، وغلبة اشتغال الطبيعة والقوى الطبيعية به ، واهتمامها بوروده عن تدبير البدن ، وإصلاح الغذاء ، وإنضاجه ، وهضمه ، فتقذفه المعدة ، وقد يكون لأجل تحرك الأخلاط عند تخبط النفس ، فإن كل واحد من النفس والبدن ينفعل عن صاحبه ، ويؤثر في كيفيته .
العاشر : نقل الطبيعة بأن يرى من يتقيأ ، فيغلبه هو القئ من غير استدعاء ، فإن الطبيعة نقالة .
وأخبرني بعض حذاق الأطباء ، قال : كان لي ابن أخت حذق في الكحل ، فجلس كحالاً ، فكان إذا فتح عين الرجل ، ورأى الرمد وكحله ، رمد هو ، وتكرر ذلك منه ، فترك الجلوس . قلت له : فما سبب ذلك ؟ قال : نقل الطبيعة ، فإنها نقالة ، قال : وأعرف آخر ، كان رأى خراجاً في موضع من جسم رجل يحكه ، فحك هو ذلك الموضع ، فخرجت فيه خراجة . قلت : وكل هذا لا بد فيه من
استعداد الطبيعة ، وتكون المادة ساكنة فيها غير متحركة ، فتتحرك لسبب من هذه الأسباب ، فهذه أسباب لتحرك المادة لا أنها هي الموجبة لهذا العارض .
ولما كانت الأخلاط فى البلاد الحارة ، والأزمنة الحارة ترق وتنجذب إلى فوق ، كان القئ فيها أنفع . ولما كانت في الأزمنة الباردة والبلاد الباردة تغلظ ، ويصعب جذبها إلى فوق ، كان استفراغها ، بالإسهال أنفع .
وإزالة الأخلاط ودفعها تكون بالجذب والإستفراغ ، والجذب يكون من أبعد الطرق ، والإستفراغ من أقربها ، والفرق بينهما أن المادة إذا كانت عاملة في الإنصباب أو الترقي لم تستقر بعد ، فهي محتاجة إلى الجذب ، فإن كانت متصاعدة جذبت من أسفل ، وإن كانت منصبة جذبت من فوق ، وأما إذا اسقرت في موضعها ، استفرغت من أقرب الطرق إليها ، فمتى أضرت المادة بالأعضاء العليا ، اجتذبت من أسفل ، ومتى أضرت بالأعضاء السفلى ، اجتذبت من فوق ، ومتى استقرت ، استفرغت من أقرب مكان إليها ، ولهذا احتج النبي صلى الله عليه وسلم على كاهله تارة ، وفي رأسه أخرى ، وعلى ظهر قدمه تارة ، فكان يستفرغ مادة الدم المؤذي من أقرب مكان إليه . والله أعلم .
والقئ ينقي المعدة ويقويها ، ويحد البصر ، ويزيل ثقل الرأس ، وينفع قروح الكلى ، والمثانة ، والامراض المزمنة كالجذام والإستسقاء ، والفالج والرعشة ، وينفع اليرقان .
ويبنغي أن يستعمله الصحيح في الشهر مرتين متواليتين من غير حفظ دور ، ليتدارك الثاني ما قصر عنه الأول ، وينقي الفضلات التي انصبت بسببه ، والإكثار منه يضر المعدة ، ويجعلها قابلة للفضول ، ويضر بالأسنان والبصر والسمع ، وربما صدع عرقاً ، ويجب أن يجتنبه من به ورم في الحلق ، أو ضعف في الصدر ، أو دقيق الرقبة ، أو مستعد لنفث الدم ، أو عسر الإجابة له .
وأما ما يفعله كثير ممن يسيء التدبير ، وهو أن يمتلئ من الطعام ، ثم يقذفه ، ففيه آفات عديدة ، منها : أنه يعجل الهرم ، ويوقع في أمراض رديئة ، ويجعل القئ له عادة . والقئ مع اليبوسة ، وضف الأحشاء ، وهزال المراق . أو ضعف المستقيء خطر . . .
وأحمد أوقاته الصيف والربيع دون الشتاء والخريف ، وينبغي عند القئ أن يعصب العينين ، ويقمط البطن ، ويغسل الوجه بماء بارد عند الفراغ ، وان يشرب عقيبه شراب التفاح مع يسير من مصطكى ، وماء الورد ينفعه نفعاً بيناً .
والقئ يستفرغ من أعلى المعدة ، ويجذب من أسفل ، والإسهال بالعكس ، قال أبقراط : وينبغي أن يكون الإستفراغ في الصيف من فوق أكثر من الإستفراغ بالدواء ، وفي الشتاء من أسفل .
في هديه صلى الله عليه وسلم في الإرشاد إلى معالجة أحذق الطبيبين
ذكر مالك في موطئه : عن زيد بن أسلم ، أن رجلاً في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابه جرح ، فاحتقن الجرح الدم، وأن الرجل دعا رجلين من بني أنمار ، فنظرا إليه فزعما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهما : " أيكما أطب ؟ فقال : أوفي الطب خير يا رسول الله ؟ فقال : أنزل الدواء الذي أنزل الداء " .
ففي هذا الحديث أنه ينبغي الإستعانة في كل علم وصناعة بأحذق من فيها فالأحذق ، فإنه إلى الإصابة أقرب .
وهكذا يجب على المستفتي أن يستعين على ما نزل به بالأعلم فالأعلم ، لأنه أقرب إصابة ممن هو دونه .
وكذلك من خفيت عليه القبلة ، فإنه يقلد أعلم من يجده ، وعلى هذا فطر الله عباده ، كما أن المسافر في البر والبحر إنما سكون نفسه ، وطمأنينته إلى أحذق الدليلين وأخبرهما ، وله يقصد ، وعليه يعتمد ، فقد اتفقت على هذا الشريعة والفطرة والفعل .
وقوله صلى الله عليه وسلم : " أنزل الدواء الذي أنزل الداء " ، قد جاء مثله عنه في أحاديث كثيرة ، فمنها ما رواه عمرو بن دينار ، عن هلال بن يساف ، قال : " دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على مريض يعوده ، فقال : أرسلوا إلى طبيب ، فقال قائل : وأنت تقول ذلك يا رسول الله ؟ قال : نعم إن الله عز وجل لم ينزل داء إلا أنزل له دواء " .
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة يرفعه : " ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء " ، وقد تقدم هذا الحديث وغيره .
واختلف في معنى أنزل الداء والدواء ، فقالت طائفة : إنزاله إعلام العباد به ، وليس بشئ ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بعموم الإنزال لكل داء ودوائه ، وأكثر الخلق لا يعملون ذلك ، ولهذا قال : " علمه من علمه ، وجهله من جهله " .
وقالت طائفة : إنزالهما : خلقهما ووضعهما في الأرض ، كما في الحديث الآخر : " إن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء " ، وهذا وإن كان أقرب في الذي قبله ، فلفظة الإنزال أخص من لفظة الخلق والوضع ، فلا ينبغي إسقاط خصوصية اللفظة بلا موجب .
وقالت طائفة : إنزالهما بواسطة الملائكة الموكلين بمباشرة الخلق من داء ودواء وغير ذلك ، فإن الملائكة موكلة بأمر هذا العالم ، وأمر النوع الإنساني من حين سقوطه في رحم أمه إلى حين موته ، فإنزال الداء والدواء مع الملائكة ، وهذا أقرب من الوجهين قبله .
وقالت طائفة : إن عامة الأدواء والأدوية هي بواسطة إنزال الغيث من السماء الذي تتولد به الأغذية ، والأقوات ، والأدوية ، والأدواء ، وآلات ذلك كله ، وأسبابه ومكملاته ، وما كان منها من المعادن العلوية ، فهي تنزل من الجبال ، وما كان منها من الأودية والأنهار والثمار ، فداخل في اللفظ على طريق التغليب والإكتفاء عن الفعلين بفعل واحد يتضمنهما ، وهو معروف من لغة العرب ، بل وغيرها من الأمم ، كقول الشاعر :
علفتها تبنا وماء بارداً حتى غدت همالة عيناها
وقول الآخر :
ورأيت زوجك قد غدا متقلداً سيفاً ورمحاً
وقول الآخر :
إذا ما الغانيات برزن يوماً وزججن الحواجب والعيونا
وهذا أحسن مما قبله من الوجوه والله أعلم .
وهذا من تمام حكمة الرب عز وجل ، وتمام ربوبيته ، فإنه كما ابتلى عباده بالأدواء ، أعانهم عليها بما يسره لهم من الأدوية ، وكما ابتلاهم بالذنوب أعانهم عليها بالتوبة ، والحسنات الماحية والمصائب المكفرة ، وكما ابتلاهم بالأرواح الخبيثة من الشياطين ، أعانهم عليها بجند من الأرواح الطيبة ، وهم الملائكة . وكما ابتلاهم بالشهوات أعانهم على قضائها بما يسره لهم شرعاً وقدراً من المشتهيات اللذيذة النافعة ، فما ابتلاكم سبحانه بشئ إلا أعطاهم ما يستعينون به على ذلك البلاء ، ويدفعونه به ، ويبقى التفاوت بينهم في العلم بذلك ، والعلم بطريق حصوله والتوصل إليه ، وبالله المستعان .
في هديه صلى الله عليه وسلم في تضمين من طبب الناس ، وهو جاهل بالطب
روى أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه ، من حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من تطبب ولم يعلم منه الطب قبل ذلك ، فهو ضامن " .
هذا الحديث يتعلق به ثلاثة أمور : أمر لغوي ، وأمر فقهي ، وأمر طبي .
فأما اللغوي : فالطب بكسر الطاء في لغة العرب ، يقال : على معان . منها الإصلاح ، يقال : طببته : إذا أصلحته . ويقال : له طب بالأمور . أي : لطف وسياسة . قال الشاعر :
وإذا تغير من تميم أمرها كنت الطبيب لها برأي ثاقب
ومنها : الحذق . قال الجوهري : كل حاذق طبيب عند العرب ، قال أبو عبيد : أصل الطب : الحذق بالأشياء والمهارة بها . يقال للرجل : طب وطبيب : إذا كان كذلك ، وإن كان في غير علاج المريض . وقال غيره : رجل طبيب : أي حاذق ، سمي طبيباً لحذقه وفطنته . قال علقمة :
فإن تسألوني بالنساء فإنني خبير بأدواء النساء طبيب
إذا شاب رأس المرء أو قل ماله فليس له من ودهن نصيب
وقا ل عنترة :
إن تغد في دوني القناع فإنني طب بأخذ الفارس المستلئم
أي : إن ترخي عني قناعك ، وتستري وجهك رغبة عني ، فإني خبير حاذق بأخذ الفارس الذي قد لبس لأمة حربه .
ومنها : العادة ، يقال : ليس ذاك بطبي ، أي : عادتي ، قال فروة بن مسيك :
فما إن طبنا جبن ولكن منايانا ودولة آخرينا
وقال أحمد بن الحسين المتنبي :
وما التيه طبي فيهم غير أنني بغيض إلي الجاهل المتعاقل
ومنها : السحر ، يقال : رجل مطبوب ، أي : مسحور ، وفي الصحيح في حديث عائشة لما سحرت يهود رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجلس الملكان عند رأسه وعند رجليه ، فقال أحدهما : ما بال الرجل ؟ قال الآخر : مطبوب . قال : من طبه ؟ قال : فلان اليهودي .
قال أبو عبيد : إنما قالوا للمسحور : مطبوب ، لأنهم كنوا بالطب عن السحر ، كما كنوا عن اللديغ ، فقالوا : سليم تفاولاً بالسلامة ، وكما كنوا بالمفازة عن الفلاة المهلكة التي لا ماء فيها ، فقالوا : مفازة تفاؤلاً بالفوز من الهلاك . ويقال : الطب لنفس الداء . قال ابن أبي الأسلت :
ألا من مبلغ حسان عني أسحر كان طبك أم جنون
وأما قول الحماسي :
فإن كنت مطبوباً فلا زلت هكذا وإن كنت مسحوراً فلا برئ السحر
فإنه أراد بالمطبوب الذي قد سحر ، وأراد بالمسحور : العليل بالمرض .
قال الجوهري : ويقال للعليل : مسحور . وأنشد البيت . ومعناه : إن كان هذا الذي قد عراني منك ومن حبك أسأل الله دوامه ، ولا أريد زواله ، سواء كان سحراً أو مرضاً .
والطب : مثلث الطاء ، فالمفتوح الطاء : هو العالم بالأمور ، وكذلك الطبيب يقال له : طب أيضاً . والطب : بكسر الطاء : فعل الطبيب ، والطب بضم الطاء : اسم موضع ، قاله ابن السيد ، وأنشد :
فقلت هل انهلتم بطب ركابكم بجائزة الماء التي طاب طينها
وقوله صلى الله عليه وسلم : من تطبب ، ولم يقل : من طب ، لأن لفظ التفعل يدل على تكلف الشئ والدخول فيه بعسر وكلفه ، وأنه ليس من أهله ، كتحلم وتشجع وتصبر ونظائرها ، وكذلك بنوا تكلف على هذا الوزن ، قال الشاعر :
وقيس عيلان ومن تقيسا وأما الأمر الشرعي ، فإيجاب الضمان على الطبيب الجاهل ، فإذا تعاطى علم الطب وعمله ، ولم يتقدم له به معرفة ، فقد هجم بجهله على إتلاف الأنفس ، وأقدم بالتهور على ما لم يعلمه ، فيكون قد غرر بالعليل ، فيلزمه الضمان لذلك ، وهذا إجماع من أهل العلم .
قال الخطابي : لا أعلم خلافاً في أن المعالج إذا تعدى ، فتلف المريض كان ضامناً ، والمتعاطي علماً أو عملاً لا يعرفه متعد ، فإذا تولد من فعله التلف ضمن الدية ، وسقط عنه القود ، لأنه لا يستبد بذلك بدون إذن المريض وجناية المتطبب في قول عامة الفقهاء على عاقلته .
قلت : الأقسام خمسة : أحدها : طبيب حاذق أعطى الصنعة حقها ولم تجن يده ، فتولد من فعله المأذون فيه من جهة الشارع ، ومن جهة من يطبه تلف العضو أو النفس ، أو ذهاب صفة ، فهذا لا ضمان عليه اتفاقاً ، فإنها سراية مأذون فيه ، وهذا كما إذا ختن الصبي في وقت ، وسنه قابل للختان ، وأعطى الصنعة حقها ، فتلف العضو أو الصبي ، لم يضمن ، وكذلك إذا بط من عاقل أو غيره ما ينبغي بطه في وقته على الوجه الذي ينبغي فتلف به ، لم يضمن ، وهكذا سراية كل مأذون فيه لم يتعد الفاعل في سببها ، كسراية الحد بالإتفاق . وسراية القصاص عند الجمهور خلافاً لأبي حنيفة في إيجابه الضمان بها ، وسراية التعزير ، وضرب الرجل امرأته ، والمعلم الصبي ، والمستأجر الدابة ، خلافاً لأبي حنيفة والشافعي في إيجابهما الضمان في ذلك ، واستثنى الشافعي ضرب الدابة .
وقاعدة الباب إجماعاً ونزاعاً : أن سراية الجناية مضمونة بالإتفاق ، وسراية الواجب مهدرة بالإتفاق ، وما بينهما ففيه النزاع . فأبو حنيفة أوجب ضمانه مطلقاً ، وأحمد ومالك أهدرا ضمانه ، وفرق الشافعي بين المقدر ، فأهدر ضمانه ، وبين غير المقدر فأوجب ضمانه . فأبو حنيفة نظر إلى أن الإذن في الفعل إنما وقع مشروطاً بالسلامة ، وأحمد ومالك نظرا إلى أن الإذن أسقط الضمان ، والشافعي نظر إلى أن المقدر لا يمكن النقصان منه ، فهو بمنزلة النص ، وأما غير المقدر كالتعزيرات ، والتأديبات ، فاجتهادية ، فإذا تلف بها ، ضمن ، لأنه في مظنة العدوان .
القسم الثاني : متطبب جاهل باشرت يده من يطبه ، فتلف به ، فهذا إن علم المجني عليه أنه جاهل لا علم له ، وأذن له في طبه لم يضمن ، ولا تخالف هذه الصورة ظاهر الحديث ، فإن السياق وقوة الكلام يدل على أنه غر العليل ، وأوهمه أنه طبيب ، وليس كذلك ، وإن ظن المريض أنه طبيب ، وأذن له في طبه لأجل معرفته ، ضمن الطبيب ما جنت يده ، وكذلك إن وصف له دواء يستعمله ، والعليل يظن أنه وصفه لمعرفته وحذقه فتلف به ، ضمنه ، والحديث ظاهر فيه أو صريح .
القسم الثالث : طبيب حاذق ، أذن له ، وأعطى الصنعة حقها ، لكنه أخطأت يده ، وتعدت إلى عضو صحيح فأتلفه ، مثل : أن سبقت يد الخاتن إلى الكمرة ، فهذا يضمن ، لأنها جناية خطأ ، ثم إن كانت الثلث فما زاد ، فهو على عاقلته ، فإن لم تكن عاقلة، فهل تكون الدية في ماله ، أو في بيت المال ؟ على قولين ، هما روايتان عن أحمد . وقيل : إن كان الطبيب ذمياً ، ففي ماله ، وإن كان مسلماً ، ففيه الروايتان ، فإن لم يكن بيت مال ، أو تعذر تحميله ، فهل تسقط الدية ، أو تجب في مال الجاني ؟ فيه وجهان أشهرهما : سقوطها .
القسم الرابع : الطبيب الحاذق الماهر بصناعته ، اجتهد فوصف للمريض دواء ، فأخطأ في اجتهاده ، فقتله ، فهذا يخرج على روايتين : إحداهما : أن دية المريض في بيت المال . والثانية : أنها على عاقلة الطبيب ، وقد نص عليهما الإمام أحمد في خطإ الإمام والحاكم .
القسم الخامس : طبيب حاذق ، أعطى الصنعة حقها ، فقطع سلعة من رجل أو صبي ، أو مجنون بغير إذنه ، أو إذن وليه ، أو ختن صبياً بغير إذن وليه فتلف ، فقال أصحابنا : يضمن ، لأنه تولد من فعل غير مأذون فيه ، وإن أذن له البالغ ، أو ولي الصبي والمجنون ، لم يضمن ، ويحتمل أن لا يضمن مطلقاً لأنه محسن ، وما على المحسنين من سبيل . وأيضاً فإنه إن كان متعدياً ، فلا أثر لإذن الولي في إسقاط الضمان ، وإن لم يكن متعدياً ، فلا وجه لضمانه . فإن قلت : هو متعد عند عدم الإذن ، غير متعد عند الإذن ، قلت : العدوان وعدمه إنما يرجع إلى فعله هو ، فلا أثر للإذن وعدمه فيه ، وهذا موضع نظر .
والطبيب في هذا الحديث يتناول من يطب بوصفه وقوله ، وهو الذي يخص باسم الطبائعي ، وبمروده ، وهو الكحال ، وبمبضعه ومراهمه وهو الجرائحي ، وبموساه وهو الخاتن ، وبريشته وهو الفاصد ، وبمحاجمه ومشرطه وهو الحجام ، وبخلعه ووصله ورباطه وهو المجبر ، وبمكواته وناره وهو الكواء ، وبقربته وهو الحاقن ، وسواء كان طبه لحيوان بهيم ، أو إنسان ، فاسم الطبيب يطلق لغة على هؤلاء كلهم ، كما تقدم ، وتخصيص الناس له ببعض أنواع الأطباء عرف حادث ، كتخصيص لفظ الدابة بما يخصها به كل قوم .
والطبيب الحاذق : هو الذي يراعي في علاجه عشرين أمراً : أحدها : النظر في نوع المرض من أي الأمراض هو ؟
الثاني : النظر في سببه من أي شئ حدث ، والعلة الفاعلة التي كانت سبب حدوثه ما هي ؟ .
الثالث : قوة المريض ، وهل هي مقاومة للمرض ، أو أضعف منه ؟ فإن كانت مقاومة للمرض ، مستظهرة عليه ، تركها والمرض ، ولم يحرك بالدواء ساكناً .
الرابع : مزاج البدن الطبيعي ما هو ؟
الخامس : المزاج الحادث على غير المجرى الطبيعي .
السادس : سن المريض .
السابع : عادته .
الثامن : الوقت الحاضر من فصول السنة وما يليق به .
التاسع : بلد المريض وتربته .
العاشر : حال الهواء في وقت المرض .
الحادي عشر : النظر في الدواء المضاد لتلك العلة .
الثاني عشر : النظر في قوة الدواء ودرجته ، والموازنة بينها وبين قوة المريض .
الثالث عشر : ألا يكون كل قصده إزالة تلك العلة فقط ، بل إزالتها على وجه يأمن معه حدوث أصعب منها ، فمتى كان إزالتها لا يأمن معها حدوث علة أخرى أصعب منها ، أبقاها على حالها ، وتلطيفها هو الواجب ، وهذا كمرض أفواه العروق ، فإنه متى عولج بقطعه وحبسه خيف حدوث ما هو أصعب منه .
الرابع عشر : أن يعالج بالأسهل فالأسهل ، فلا ينتقل من العلاج بالغذاء إلى الدواء إلا عند تعذره ، ولا ينتقل إلى الدواء المركب إلا عند تعذر الدواء البسيط ، فمن حذق الطبيب علاجه بالأغذية بدل الأدوية ، وبالأدوية البسيطة بدل المركبة .
الخامس عشر : أن ينظر في العلة ، هل هي مما يمكن علاجها أو لا ؟ فإن لم يمكن علاجها ، حفظ صناعته وحرمته ، ولا يحمله الطمع على علاج لا يفيد شيئاً . وإن أمكن علاجها ، نظر هل يمكن زوالها أم لا ؟ فإن علم أنه لا يمكن زوالها ، نظر هل يمكن تخفيفها وتقليلها أم لا ؟ فإن لم يكن تقليلها ، ورأى أن غاية الإمكان إيقافها وقطع زيادتها ، قصد بالعلاج ذلك ، وأعان القوة ، وأضعف المادة .
السادس عشر : ألا يتعرض للخلط قبل نضجه باستفراغ ، بل يقصد إنضاجه ، فإذا تم نضجه ، بادر إلى استفراغه .
السابع عشر : أن يكون له خبرة باعتلال القلوب والأرواح وأدويتها ، وذلك أصل عظيم في علاج الأبدان ، فإن انفعال البدن وطبيعته عن النفس والقلب أمر مشهود ، والطبيب إذا كان عارفاً بأمراض القلب والروح وعلاجهما ، كان هو الطبيب الكامل ، والذي لا خبرة له بذلك وإن كان حاذقاً في علاج الطبيعة وأحوال البدن نصف طبيب . وكل طبيب لا يداوي العليل ، بتفقد قلبه وصلاحه ، وتقوية روحه وقواه بالصدقة ، وفعل الخير ، والإحسان ، والإقبال على الله والدار الآخرة ، فليس بطبيب ، بل متطبب قاصر . ومن أعظم علاجات المرض فعل الخير والإحسان والذكر والدعاء ، والتضرع والإبتهال إلى الله ، والتوبة ، ولهذه الأمور تأثير في دفع العلل ، وحصول الشفاء أعظم من الأدوية الطبيعية ، ولكن بحسب استعداد النفس وقبولها وعقيدتها في ذلك ونفعه .
الثامن عشر : التلطف بالمريض ، والرفق به ، كالتلطف بالصبي .
التاسع عشر : أن يستعمل أنواع العلاجات الطبيعية والإلهية ، والعلاج بالتخييل ، فإن لحذاق الأطباء في التخييل أموراً عجيبة لا يصل إليها الدواء ، فالطبيب الحاذق يستعين على المرض بكل معين .
العشرون : - وهو ملاك أمر الطبيب - ، أن يجعل علاجه وتدبيره دائراً على ستة أركان : حفظ الصحة الموجودة ، ورد الصحة المفقودة بحسب الإمكان ، وإزالة العلة أو تقليلها بحسب الإمكان ، واحتمال أدنى المفسدتين لإزالة أعظمهما ، وتفويت أدنى المصلحتين لتحصيل أعظمهما ، فعلى هذه الأصول الستة مدار العلاج ، وكل طبيب لا تكون هذه أخيته التي يرجع إليها ، فليس بطبيب ، والله أعلم .
ولما كان للمرض أربعة أحوال : ابتداء ، وصعود ، وانتهاء ، وانحطاط ، تعين على الطبيب مراعاة كل حال من أحوال المرض بما يناسبها ويليق بها ، ويستعمل في كل حال ما يجب استعماله فيها . فإذا رأى في ابتداء المرض أن الطبيعة محتاجة إلى ما يحرك الفضلات ويستفرغها لنضجها ، بادر إليه ، فإن فاته تحريك الطبيعة في ابتداء المرض لعائق منع من ذلك ، أو لضعف القوة وعدم احتمالها للإستفراغ ، أو لبرودة الفصل ، أو لتفريط وقع ، فينبغي أن يحذر كل الحذر أن يفعل ذلك في صعود المرض ، لأنه إن فعله ، تحيرت الطبيعة لاشتغالها بالدواء ، وتخلت عن تدبير المرض ومقاومته بالكلية ، ومثاله : أن يجيء إلى فارس مشغول بمواقعة عدوه ، فيشغله عنه بأمر آخر ، ولكن الواجب في هذه الحال أن يعين الطبيعة على حفظ القوة ما أمكنه .
فإذا انتهى المرض ووقف وسكن ، أخذ في استفراغه ، واستئصال أسبابه ، فإذا أخذ في الإنحطاط ، كان أولى بذلك . ومثال هذا مثال العدو إذا انتهت قوته ، وفرغ سلاحه ، كان أخذه سهلاً ، فإذا ولى وأخذ في الهرب ، كان أسهل أخذاً ، وحدته وشوكته إنما هي في ابتدائه ، وحال استفراغه ، وسمعة قوته ، فهكذا الداء ، والدواء سواء .
ومن حذق الطبيب أنه حيث أمكن التدبير بالأسهل ، فلا يعدل إلى الأصعب ، ويتدرج من الأضعف إلى الأقوى إلا أن يخاف فوت القوة حينئذ ، فيجب أن يبتدئ بالأقوى ، ولا يقيم في المعالجة على حال واحدة فتألفها الطبيعة ، ويقل انفعالها عنه ، ولا تجسر على الأدوية القوية في الفصول القوية ، وقد تقدم أنه إذا أمكنه العلاج بالغذاء ، فلا يعالج بالدواء ، وإذا أشكل عليه المرض أحار هو أم بارد ؟ فلا يقدم حتى يتبين له ، ولا يجربه بما يخاف عاقبته ، ولا بأس بتجربته بما لا يضر أثره .
وإذا اجتمعت أمراض ، بدأ بما تخصه واحدة من ثلاث خصال : إحداها : أن يكون برء الآخر موقوفاً على برئه كالورم والقرحة ، فإنه يبدأ بالورم .
الثانية : أن يكون أحدها سبباً للآخر ، كالسدة والحمى العفنة ، فإنه يبدأ بإزالة السبب .
الثالثة : أن يكون أحدهما أهم من الآخر ، كالحاد والمزمن ، فيبدأ بالحاد ، ومع هذا فلا يغفل عن الآخر . وإذا اجتمع المرض والعرض ، بدأ بالمرض ، إلا أن يكون العرض أقوى كالقولنج ، فيسكن الوجع أولاً ، ثم يعالج السدة ، وإذا أمكنه أن يعتاض عن المعالجة بالإستفراغ بالجوع أو الصوم أو النوم ، لم يستفرغه ، وكل صحة أراد حفظها ، حفظها بالمثل أو الشبه ، وإن أراد نقلها إلى ما هو أفضل منها ، نقلها بالضد .
في هديه صلى الله عليه وسلم في التحرز من الأدواء المعدية بطبعها وإرشاده الأصحاء إلى مجانبة أهلها
ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله ، أنه كان في وفد ثقيف رجل مجذوم ، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم : " ارجع فقد بايعناك " .
وروى البخاري في صحيحه تعليقاً من حديث أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " فر من المجذوم كما تفر من الأسد " .
وفي سنن ابن ماجه من حديث ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تديموا النظر إلى المجذومين " .
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يوردن ممرض على مصح " .
ويذكر عنه صلى الله عليه وسلم : " كلم المجذوم ، وبيك وبينه قيد رمح أو رمحين " .
الجذام : علة رديئة تحدث من انتشار المرة السوداء في البدن كله ، فيفسد مزاج الأعضاء وهيئتها وشكلها ، وربما فسد في آخره اتصالها حتى تتأكل الأعضاء وتسقط ، ويسمى داء الأسد .
وفي هذه التسمية ثلاثة أقوال للأطباء : أحدها : أنها لكثرة ما تعتري الأسد .
والثاني : لأن هذه العلة تجهم وجه صاحبها وتجعله في سحنة الأسد .
والثالث : أنه يفترس من يقربه ، أو يدنو منه بدائه افتراس الأسد .
وهذه العلة عند الأطباء من العلل المعدية المتوارثة ، ومقارب المجذوم ، وصاحب السل يسقم برائحته ، فالنبي صلى الله عليه وسلم لكمال شفقته على الأمة ، ونصحه لهم نهاهم عن الأسباب التي تعرضهم لوصول العيب والفساد إلى أجسامهم وقلوبهم ، ولا ريب أنه قد يكون في البدن تهيؤ واستعداد كامن لقبول هذا الداء ، وقد تكون الطبيعة سريعة الإنفعال قابلة للإكتساب من أبدان من تجاوره وتخالطه ، فإنها نقالة ، وقد يكون خوفها من ذلك ووهمها من أكبر أسباب إصابة تلك العلة لها ، فإن الوهم فعال مستول على القوى والطبائع ، وقد تصل رائحة العليل إلى الصحيح فتسقمه ، وهذا معاين في بعض الأمراض ، والرائحة أحد أسباب العدوى ، ومع هذا كله فلا بد من وجود استعداد البدن وقبوله لذلك الداء ، وقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم امرأة ، فلما أراد الدخول بها ، وجد بكشحها بياضاً ، فقال : " الحقي بأهلك " .
وقد ظن طائفة من الناس أن هذه الأحاديث معارضة بأحاديث أخر تبطلها وتناقضها ، فمنها : ما رواه الترمذي ، من حديث جابر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد رجل مجذوم ، فأدخلها معه في القصعة ، وقال : " كل بسم الله ثقة بالله ، وتوكلاً عليه " ، ورواه ابن ماجه .
وبما ثبت في الصحيح ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا عدوى ولا طيرة " .
ونحن نقول : لا تعارض بحمد الله بين أحاديثه الصحيحة . فإذا وقع التعارض ، فإما أن يكون أحد الحديثين ليس من كلامه صلى الله عليه وسلم وقد غلط فيه بعض الرواة مع كونه ثقة ثبتاً ، فالثقة يغلظ ، أو يكون أحد الحديثين ناسخاً للآخر إذا كان مما يقبل النسخ ، أو يكون التعارض في فهم السامع ، لا في نفس كلامه صلى الله عليه وسلم ، فلا بد من وجه من هذه الوجوه الثلاثة .
وأما حديثان صحيحان صريحان متناقضان من كل وجه ، ليس أحدهما ناسخاً للآخر ، فهذا لا يوجد أصلاً ، ومعاذ الله أن يوجد في كلام الصادق المصدوق الذي لا يخرج من بين شفتيه إلا الحق ، والآفة من التقصير في معرفة المنقول ، والتمييز بين صحيحه ومعلوله ، أو من القصور في فهم مراده صلى الله عليه وسلم وحمل كلامه على غير ما عناه به ، أو منهما معاً ، ومن ها هنا وقع من الإختلاف والفساد ما وقع ، وبالله التوفيق .
قال ابن قتيبة في كتاب اختلاف الحديث له حكاية عن أعداء الحديث وأهله ، قالوا : حديثان متناقضان رويتم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا عدوى ولا طيرة " . وقيل له : إن النقبة تقع بمشفر البعير ، فيجرب لذلك الإبل . قال : " فما أعدى الأول " ، ثم رويتم " لا يورد ذو عاهة على مصح ، وفر من المجدوم فرارك من الأسد " ، وأتاه رجل مجذوم ليبايعه بيعة الإسلام ، فأرسل إليه البيعة ، وأمره بالإنصراف ، ولم يأذن له ، وقال : " الشؤم في المرأة والدار والدابة " . قالوا : وهذا كله مختلف لا يشبه بعضه بعضاً .
قال أبو محمد : ونحن نقول : إنه ليس في هذا اختلاف ، ولكل معنى منها وقت وموضع ، فإذا وضع موضعه زال الإختلاف .
والعدوى جنسان : أحدهما : عدوى الجذام ، فإن المجذوم تشتد رائحته حتى يسقم من أطال مجالسته ومحادثته ، وكذلك المرأة تكون تحت المجذوم ، فتضاجعه في شعار واحد ، فيوصل إليها الأذى ، وربما جذمت ، وكذلك ولده ينزعون في الكبر إليه ، وكذلك من كان به سل ودق ونقب . والأطباء تأمر أن لا يجالس المسلول ولا المجذوم ، ولا يريدون بذلك معنى العدوى ، وإنما يريدون به معنى تغير الرائحة ، وأنها قد تسقم من أطال اشتمامها ، والأطباء أبعد الناس عن الايمان بيمن وشؤم ، وكذلك النقبة تكون بالبعير - وهو جرب رطب - فإذا خالط الإبل أو حاكها ، وأوى في مباركها ، وصل إليها بالماء الذي يسيل منه ، وبالنطف نحو ما به ، فهذا هو المعنى الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يورد ذو عاهة على مصح " ، كره أن يخالط المعيوه الصحيح ، لئلا يناله من نطفه وحكته نحو مما به .
قال : وأما الجنس الآخر من العدوى ، فهو الطاعون ينزل ببلد ، فيخرج منه خوف العدوى ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : " إذا وقع ببلد ، وأنتم به ، فلا تخرجوا منه ، وإذا كان ببلد ، فلا تدخلوه " يريد بقوله : لا تخرجوا من البلد إذا كان فيه كأنكم تظنون أن الفرار من قدر الله ينجيكم من الله ، ويريد إذا كان ببلد ، فلا تدخلوه ، أي : مقامكم في الموضع الذي لا طاعون فيه أسكن لقلوبكم ، وأطيب لعيشكم ، ومن ذلك المرأة تعرف بالشؤم أو الدار ، فينال الرجل مكروه أو جائحة ، فيقول : أعدتني بشؤمها ، فهذا هو العدوى الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا عدوى " .
وقالت فرقة أخرى : بل الأمر باجتناب المجذوم والفرار منه على الإستحباب ، والإختيار ، والإرشاد ، وأما الأكل معه ، ففعله لبيان الجواز ، وأن هذا ليس بحرام .
وقالت فرقة أخرى : بل الخطاب بهذين الخطابين جزئي لا كلي ، فكل واحد خاطبه النبي صلى الله عليه وسلم بما يليق بحاله ، فبعض الناس يكون قوي الإيمان ، قوي التوكل تدفع قوة توكله قوة العدوى ، كما تدفع قوة الطبيعة قوة العلة فتبطلها ، وبعض الناس لا يقوى على ذلك ، فخاطبه بالإحتياط والأخذ بالتحفظ ، وكذلك هو صلى الله عليه وسلم فعل الحالتين معاً ، لتقتدي به الأمة فيهما ، فيأخذ من قوي من أمته بطريقة التوكل والقوة والثقة بالله ، ويأخذ من ضعف منهم بطريقة التحفظ والإحتياط ، وهما طريقان صحيحان . أحدهما : للمؤمن القوي ، والآخر للمؤمن الضعيف ، فتكون لكل واحد من الطائفتين حجة وقدوة بحسب حالهم وما يناسبهم ، وهذا كما أنه صلى الله عليه وسلم كوى ، وأثنى على تارك الكي ، وقرن تركه بالتوكل ، وترك الطيرة ، ولهذا نظائر كثيرة ، وهذه طريقة لطيفة حسنة جداً من أعطاها حقها ، ورزق فقه
نفسه فيها ، أزالت عنه تعارضاً كثيراً يظنه بالسنة الصحيحة .
وذهبت فرقة أخرى إلى أن الأمر بالفرار منه ، ومجانبته لأمر طبيعي ، وهو انتقال الداء منه بواسطة الملامسة والمخالطة والرائحة إلى الصحيح ، وهذا يكون مع تكرير المخالطة والملامسة له ، وأما أكله معه مقداراً يسيراً من الزمان لمصلحة راجحة ، فلا بأس به ، ولا تحصل العدوى من مرة واحدة ولحظة واحدة ، فنهى سداً للذريعة ، وحماية للصحة ، وخالطه مخالطة ما للحاجة والمصلحة ، فلا تعارض بين الأمرين .
وقالت طائفة أخرى : يجوز أن يكون هذا المجذوم الذي أكل معه به من الجذام أمر يسير لا يعدي مثله ، وليس الجذمى كلهم سواء، ولا العدوى حاصلة من جميعهم ، بل منهم من لا تضر مخالطته ، ولا تعدي ، وهو من أصابه من ذلك شئ يسير ، ثم وقف واستمر على حاله ، ولم يعد بقية جسمه ، فهو أن لا يعدي غيره أولى وأحرى .
وقالت فرقة أخرى : إن الجاهلية كانت تعتقد أن الأمراض المعدية تعدي بطبعها من غير إضافة إلى الله سبحانه ، فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم اعتقادهم ذلك ، وأكل مع المجذوم ليبين لهم أن الله سبحانه هو الذي يمرض ويشفي ، ونهى عن القرب منه ليتبين لهم أن هذا من الأسباب التي جعلها الله مفضية إلى مسبباتها ، ففي نهيه إثبات الأسباب ، وفي فعله بيان أنها لا تستقل بشئ ، بل الرب سبحانه إن شاء سلبها قواها ، فلا تؤثر شيئاً ، وإن شاء أبقى عليها قواها فأثرت .
وقالت فرقة أخرى : بل هذه الأحاديث فيها الناسخ والمنسوخ ، فينظر في تاريخها ، فإن علم المتأخر منها ، حكم بأنه الناسخ ، وإلا توقفنا فيها .
وقالت فرقة أخرى : بل بعضها محفوظ ، وبعضها غير محفوظ ، وتكلمت في حديث لا عدوى ، وقالت : قد كان أبو هريرة يرويه أولاً ، ثم شك فيه فتركه ، وراجعوه فيه ، وقالوا : سمعناك تحدث به ، فأبى أن يحدث به .
قال أبو سلمة : فلا أدري ، أنسي أبو هريرة ، أم نسخ أحد الحديثين الآخر ؟
وأما حديث جابر : أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بيد مجذوم ، فأدخلها معه في القصعة ، فحديث لا يثبت ولا يصح ، وغاية ما قال فيه الترمذي : إنه غريب ، لم يصححه ولم يحسنه . وقد قال شعبة وغيره : اتقوا هذه الغرائب . قال الترمذي : ويروى هذا من فعل عمر ، وهو أثبت ، فهذا شأن هذين الحديثين اللذين عورض بهما أحاديث النهي ، أحدهما : رجع أبو هريرة عن التحديث به وأنكره ، والثاني : لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله أعلم ، وقد أشبعنا الكلام في هذه المسألة في كتاب المفتاح بأطول من هذا ، وبالله التوفيق .
* الطب النبوي من كتاب زاد المعاد للإمام العلامة شمس الدين محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.