قبل نحو عامين أو يزيد قليلا استبعد المحلل السياسي؛ د.الطيب زين العابدين، أن يتنحى الإمام الصادق المهدي عن رئاسة حزب الأمة لسببين، الأول عدم جاهزية من يخلفه، والآخر لطبيعة ثقافة الشعب الذي لا يتحمل الديمقراطية بعد أن أصبحت هناك ثقافة تكرس للبقاء طويل الأجل! ويبدو أن زين العابدين كان محقا لدرجة كبيرة فيما يتعلق بالسبب الثاني، ففكرة تنحي المهدي، الميرغني، نقد أو الترابي وحتى عمر البشير مسألة غير مستساغة لقيادات وأعضاء تلك الأحزاب ناهيك عن الزعماء أنفسهم!.. فالخبر الذي حمل نية السكرتير العام للحزب الشيوعي؛ محمد إبراهيم نقد، ترك قيادة الحزب خلال الفترة القادمة، وعدم رغبته في الاستمرار بعد انعقاد المؤتمر العام للحزب، لم يجد التأييد والقبول وحتى التصديق.. ف(الأخبار) حينما اتصلت بالقيادي صديق يوسف لتسأله إن كانت مثل هذه الرغبة تعتبر خطوة إيجابية للحزب الشيوعي أو الأحزاب الأخرى، سارع بالقول إنه غير متأكد من هذا الحديث وعلينا الاتصال به بعد أن يلتقي نقد ليستوثق منه.. (الأخبار) حاولت أن تسأل القيادي السؤال بطريقة أخرى دون أن يكون متعلقا بمدى صحة ما قاله نقد، "إن كانت الأحزاب تستطيع تقبل مثل هذه الأفكار واختيار قيادات أخرى غير التي رأستها لعقود من الزمان، وهل يمكن للقيادات أن تحترم رغبات الرئيس حينما يقرر التنحي في أي وقت من الأوقات وأن لا تضغط عليه بالبقاء".. إلا أن صديق يوسف لم يستمع للحديث وقاطع السؤال بصورة غير لائقة قائلا " قلت ليكم لمن ألاقي نقد، والأحزاب تختار قيادتها في المؤتمرات، إنتو عايزين شنو يعني؟!".. رد شبيه إلى حد ما في المضمون ومختلف في الطريقة كان لمساعد رئيس الجمهورية؛ د.نافع علي نافع، حينما أعلن رئيس المؤتمر الوطني رئيس الجمهورية؛ المشير عمر البشير، رغبته بعدم الترشح لرئاسة الحزب والدولة مرة أخرى وإفساح الفرصة لقيادات أخرى بعد أن بقي في سدة الحكم لأكثر من عشرين عاما، حيث قال نافع آنذاك ل(الأخبار) حينما سألته عن تعليقه حول رغبة الرئيس بالتنحي، "إنه متأكد أن حديث البشير صادق ويعبر عن رغبته الحقيقية، لكن مع كل التقدير لرغبته إلا أن الرأي ليس له بأن يرشح نفسه أو لا؛ لأنه قرار المؤتمر العام للمؤتمر الوطني وليس أقل من ذلك".. وليس بعيدا عن الأذهان أيضا الطرح الذي أعلنه الإمام الصادق المهدي قبل تسعة أشهر "إما على الرئيس البشير تشكيل حكومة قومية لإدارة شؤون البلاد عقب الاستفتاء وإما أنه سيتنحي عن العمل السياسي" محددا تاريخ السادس والعشرين من يناير لاتخاذ القرار.. لكن ذات السيناريو تكرر من قبل قيادات حزب الأمة حينما أعلنوا تمسكهم بالصادق المهدي رئيسا للحزب رافضين فكرة تنحيه.. ويبدو واضحا من خلال تلك المواقف أن التنحي بات رهينا بالظروف الطبيعية كالوفاة، فمعظم زعماء الأحزاب جاءوا إلى الكراسي بعد أن اختطف الموت من قبلهم. فالصادق المهدي مثلا أمسك زعامة حزب الأمة بعد استشهاد عمه الإمام الهادي المهدي على خلفية أحداث الجزيرة أبا الشهيرة العام 1970.. أما رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي مولانا محمد عثمان الميرغني جاء للرئاسة بعد انتقال السيد إسماعيل الأزهري للرفيق الأعلى في معتقله بسجن كوبر العام 1969، في حين جاء محمد إبراهيم نقد بعد إعدام الأمين العام للحزب عبد الخالق محجوب في أعقاب انقلاب هاشم العطا العام 1971.. ويعتبر الشيخ حسن الترابي، هو الزعيم الأول للمؤتمر الشعبي الذي انشق عن المؤتمر الوطني وظل فيه على الزعامة منذ عام 1999 حتى الآن، وكذلك حكومة الإنقاذ التي جاءت عبر انقلاب عسكري عام 1989 برئاسة المشير عمر البشير. والذي ظل رئيسا للحزب والدولة؛ منذ ذلك العام حتى الآن. حزبا الأمة والاتحادي الديمقراطي من الأحزاب الطائفية إلا أن الشيوعي والمؤتمر الوطني والشعبي ليسوا كذلك لكنهم يشتركون جميعا في صفة التكريس لفكرة التوريث وعدم قبول التجديد، فكأن الزعيم هو "الأب" الذي لا يمكن استبداله بأحد آخر، وأي حديث عن استقالة أو تنحٍ من قبله تجد السخط من أعضاء الأحزاب. ويرى أستاذ العلوم السياسية؛ د.عبدو مختار، أن هذه الظاهرة تشكل نموذجا سيئا للأحزاب السودانية التي ينبغي أن تُبنى قوتها واستمرارها على تجدد القيادة بداخلها، فاحتكار الزعماء للقيادة تقليد متبع لديهم. وقال ل(الأخبار) إن عامل العمر يجب أن يلعب دورا في اتخاذ القرار، وعلى القيادات أن لا تثني الرئيس حال قرر التنحي، وأضاف "رجل بقامة نقد يجب أن يرتاح بعد هذه السنين ويقدم استشارات للحزب"، واستبعد مختار أن يتنحى أي من زعماء الأحزاب من القيادة؛ لأن الأمر أصبح تقليدا سياسيا ثابتا "التمسك بالمنصب حتى النخاع"، مشددا بأن الأمر يحتاج لتغيير جذري حتى تتطور الأحزاب السياسية في السودان. ترى من سيفوز أولا، الميرغني، نقد، المهدي، الترابي أو البشير بلقب أول المتنحين طوعا لا كرها؟! الإجابة عند العليم الخبير. صحيفة الأخبار