* كان ضبَّاط من الدفاع الجوي يقضون دورة تدريبية بجمهورية مصر العربية ويقتضي النظام أن ينتظموا في الطابور الصباحي للتمام مع رفاقهم في الجيش المصري.. وذات صباح قام ضابط مصري إسمه عبدالغني بضرب أحد الجنود التابعين لقيادته أمام الطابور «طبعاً العسكرية السودانية مافيها دَقْ» وكان الجندي يبكي ويصيح « عيب كده ياسودانيين يا أجدع ناس..ماحدش فيكم يقول لعبدالغني بيه.. عيب كده يا عبدالغني !! حرام عليك يا عبدالغني!! مايصحش كده يا عبدالغني !! والضابط عبدالغني يزداد هياجاً وينهال على الجندي ضرباً.. السودانيون الواقفون في الطابور لا يحركون ساكناً بل ويضحكون في دواخلهم لهذه المهزلة التي لا تمت للضبط والربط بصلة.. وما حدِّش من الجدعان قالوا عيب كده يا عبدالغني فذهبت مثلاً . * ومن المفارقات وأنا أتذكر هذه الطرفة التي سمعتها من ضابط الدفاع الجوي (م) مبارك عباس وتتراءى أمامي صورة المناصير المعتصمين ولا أحد يقول نيابة عنهم عيب كده يا عبدالغني.. وعبدالغني إسحاق من بنغلاديش كان يعمل معي وهو لا يحمل إقامة نظامية بعدما إستغنى عن خدماتهم المستثمر التركي الذي إستجلبهم للعمل.. وعملت على توفيق وضعه القانوني وسدَّدت عنه الرسوم وقطعت له تذكرة من «الخرطوم..دَكَّا..الخرطوم» فقضى إجازته مع أسرته ووالدته وأكمل مراسم زواج شقيقته «على فكرة الزواج في بنغلاديش تتكفل به العروس تجهيز المنزل والشيلة وخلافه» ونحن رايحين هَمَلَه في البلد دي !! وعبدالغني إسحاق شرطي في أمن المنشآت كان يحرس البيت الحكومي الذي كنت أسكنه.. وكانت مصادفة أن يحمل سوداني وبنغالي إسماً واحداً وإسم أبٍ واحد عبدالغني البنغالي عندما عاد من «دَكَّا» وأكمل إجراءات كفالته باسمي هرب.. فقلت في نفسي.. عيب كده يا عبدالغني!! وأبلغت الشرطة باختفاء عبدالغني وتضاربت الأنباء حول مكان وجوده وأكدت للشرطة بأن عبدالغني لم يسرق شيئاً لكنني كفيله وأريد أن أبرئ ساحتي.. إذا وقع عليه أو منه أي مكروه.. وبعد مرور شهرين حضر للمنزل وهو يحمل هدايا بسيطة لصغاري ويطلب الصفح وعلمت منه إنه وجد عملاً يدر عليه ضعف ماكان يأخذه مني فقلت له لا تثريب عليك.. إنت قطعت سبعه أبحر من بلدك عشان تصلح أوضاعك فإذا وجدت أي عرض أفضل فلا تتردد في قبوله لكن بالطريقة الصحيحة وليس بالهروب من المخدِّم.. عيب كده يا عبدالغني !! * ولما قرأت البيان التوضيحي من التلفزيون حول الوقفة الاحتجاجية للعاملين في التلفزيون ضد الادارة.. وإن الإدارة أوضحت في بيانها أسن العاملين صرفوا إستحقاقاتهم على داير المليم حتى تلك التي تعثرت لثلاثة أشهر.. قلت عيب كده يا عبدالغني !! يعني الاحتجاج على شنو ؟ يقول العاملون إن «الاحتجاج جماعي» وإن المدير يريد تجييره لمقاومة قرار دمج الإذاعة والتلفزيون باعتباره مطلب العاملين في ما أسمَّاه «العصف الذهني» ليُوقع بين الوزير والعاملين.. مايصحش يا عبدالغني كده حرام ياعبدالغني !! ويستشيط والي القضارف غضباً من وزارة المالية فيقول إنه لن يذعن لأي توجيهات من المركز بقطع صلاته بالحزب الشيوعي والمؤتمر الشعبي !! عيب كده ياعبدالغني.. الالتزام إلتزام حتى لو أخرَّت عليك المالية التغذية !! وينبري بعض العلماء لتكفير الإمام الصادق المهدي في بعض الآراء الفقهية !! عيب كده يا عبدالغني.. فمقارعة الحجة بالحجة أوجب من إستسهال الفتوى بالتكفير.. ويحاول والي جنوب دار فور الجديد «حماد» أن يكيل الرماد على البلاد فيحشد الشباب المسلحين بالعكاكيز لقمع المحتجين في نيالا.. عيب كده يا عبدالغني !! ألم تسمع بالمرتزقة في ليبيا.. والبلطجية في مصر.. والشبيِّحة في سوريا.. والبلاطجة في اليمن ؟! هل أسعفوا القذافي.. أم منعوا مبارك من السقوط.. أم كفلوا لعلي عبدالله صالح الحماية.. أم سينفعون بشار ويضمنون له الاستمرار.. عيب كده يا أولاد ويا حماد.. مايصحش يا عبدالغني !! وأمثال عبدالغني كُثُر وأمثال الجندي وأمثال الواقفين في الطابور . * إن الجندي البائس الذي وقع في يد عبدالغني فاستجار ولا مجير.. هو أمر متكرر على مدار الساعة.. ولا تتحرك فينا نخوة.. كأنْ لم يأمرنا إيمانٌ بصحيح العقيدة.. بأن نتناهى عن منكر ونأتمر بمعروف.. وأن لا نستهون الأمور فمعظم النار من مستصغر الشرر.. فماذا لو قلنا لكل «عبدالغني» عيب كده يا عبدالغني بيه ؟!! حرام عليك يا عبدالغني !؟ مايصحش يا عبدالغني.. مش عيب يا سودانيين يا رجَّالة ماحدش فيكو يقول لعبدالغني بيه «عيب كده يا عبدالغني» وهذا هو المفروض