صحيفة (آخر لحظة) تحاصر الدكتور عوض الجاز بوزارة المالية الموازنة العامة لن تطور السودان منفردة الإقتصاد تحول بفعل النظرية الرأسمالية إلى شاشات قمار إلكترونية الاعلام ليس سلطة رابعة فحسب بل ينبغي أن يكون شريكاً نحن أبناء قرى عملنا مع أهلنا بالزراعة واشتغلنا (طُلَب) رصد: طلال إسماعيل - تصوير: سفيان البشرى في يوم الأربعاء الماضي انتقل منبر (آخر لحظة) بكامل طاقمه الى مبني وزارة المالية ليستضيف الدكتور عوض الجاز كثالث شخصية في المنبر، اللقاء الاول بدأ منذ الساعة الرابعة والنصف عصراً وحتي الساعة السابعة مساءاً وتناول الأزمة المالية العالمية وتداعياتها على السودان . بالإضافة الى قضايا اقتصادية عديدة تشغل بال المواطن. قيادات (آخر لحظة) التحريرية والادارية طرحت الاسئلة الساخنة على الوزير فجاءت هذه الإفادات:- جلس الاستاذ حسن ساتي بالقرب من وزير المالية الدكتور عوض الجاز ليبتدر الحديث من منبر (آخر لحظة) عن تداعيات الأزمة المالية العالمية وانعكاساتها على السودان فقاطعه الدكتور عوض بالقول: (قبل البداية الرسمية لهذا المنبر أحب أن أقول لكم بأن حسن ساتي هو زميل في الدراسة ونحن زملاء فصل سابق فأرحب بكم جميعاً وتفضل بالحديث). الاستاذ حسن ساتي: كما تعلمون أن هذه اللقاءات مقصودة منذ أن بدأنا التفكير في إنشاء منبر (آخر لحظة) نطرح من خلاله القضايا المختلفة في هذا الظرف الحرج، وبدأنا بالإمام الصادق المهدي ومن بعده الدكتور حسن الترابي، وحالياً وجدنا أنفسنا أمام الأزمة المالية العالمية ونحن نستشرف العام 2009م وكما قلت سابقاً وأعيده مرة أخرى بأن الاقتصاد هو محرك الحياة، واختيارنا للدكتور عوض لكي يدلي بحديثه جاء من منطلقات كثيرة جداً ظرفية رأينا عبرها بأننا لابد أن نقتحم بابه وأشكر له (وهي محرية ومعروفة فيه) - الجدية - التي إذا تجاوزت الحد بالمزاج السوداني فلا غبار عليها، وهذا الموعد معه قد تم تحديده قبل (48) ساعة إتصلت بنا بعد ذلك سكرتاريته وسأكتب سيناريو عن ذلك، لأن السكرتارية منضبطة جداً وقد حددت موعداً وتركت الخيارات في أن يأتي إلينا بمبنى (آخر لحظة) أو نذهب إليه في وزارة المالية ثم اتصلت مرة اخرى لتؤكد بأن اللقاء سيتم في مبني وزارة المالية وفي المواعيد المحددة ثم اتصلت مرة أخرى لتستأذن في ان يكون هنالك فرق ساعة من المواعيد المحددة وهذا سلوك ننقله إليك يا سيادة الاخ الوزير لاننا فخورون بأن نكون هنا - في مبنى وزارة المالية - ومحاورنا واضحة جداً تبدأ بأنك على وشك ان تقدم ميزانية عام 2009م في ظل ظرف عصيب بوجود بعض القضايا الداخلية المعلومة ولذلك نسأل ما هي السمات العامة للموازنة، وبمعنى آخر ما هي الأخبار الحسنة والسيئة للمواطن في موازنة العام القادم؟ إنشغل الشارع السوداني لفترة طويلة جدًا بما سمى بالديون المتعثرة ولكن لا أحد يملك الآن كلمة قاطعة حول كم تبلغ هذه الديون؟ وما هو حجمها؟ وكم يبلغ عدد المتورطين فيها؟ وعلى من تلقى المسؤولية؟ نحن نضع أمامك هذه التساؤلات ولا يخفى دور الأزمة المالية العالمية واعتقد أنه بعد الإجابة على هذه الاسئلة ستولّد محاور أخرى، تفضل. الدكتور عوض الجاز يجيب: ألقى السلام على الحضور وجدد الترحيب به مرة أخرى وقال: نحن متأسفون على نصف الساعة التي ضاعت من الزمن المحدد للقاء ولكن سنعطيكم لها بالتعويض والسبب انكم ترون زحمة العمل التي نحن فيها، وأوجه الشكر والتقدير للأخ حسن ساتي الذي تسبب في هذا اللقاء وأراه لقاءً جديداً من نوعه لأنني كنت ألتقي بالناس في المؤتمر الصحفي أو أرد على أسئلة حوار صحفي ولكن هذا اللقاء أُصبح واحداً ضد صحيفة كاملة وهذا شئ جديد أتمنى بإذن الله أن يؤدي الغرض ويرفع البلد، فهل تريدون مني الكلام البلدي الواضح ام تريدون الكلام الدبلوماسي الذي ينقل منه ما بين السطور فيقول احدكم بإنه اشتم من حديثه كذا او أراد ذلك، وللحقيقة أنا لا أحب مثل هذه الطريقة في الكلام وإنما أحب أن يكون الكلام واضحاً وصريحاً، فالكلام الذي يقوله الشخص يُنقل عنه واذا كلام خطأ يُصوب، وأقول هذا الكلام كمقدمات لأن تلك قناعة شخصية قد قلتها سابقاً بأن الاعلام ينبغي أن يكون شريكاً وليس ناقلاً فقط، فمن حيث التعامل والتداول أعتقد أن الإعلام شريك فيما يجري في بلده، لأنه اذا لم يصبح شريكاً سيكون هنالك ورق مسود ملون بالكلام المنقول عن الراوي فقط. لذلك فالكلمة مسؤولية و الإعلام ليس سلطة رابعة فقط بل ينبغي أن يكون شريكاً، والإعلام كما تعلمون انتم خير منا بأنه أصبح يستخدم ليقلب الحق باطلاً والباطل حقاً عن طريق الطَرْق والتداول والتقنية وهكذا، ولذلك أقول قبل أن أدخل في محاور الاخ حسن بأننا في السودان لدينا تجارب طويلة ولدينا بلد كبيرة وعندنا امكانيات غير محدودة لكن هذه الامكانيات ستظل خامدة وقابعة ولن تتحرك إلا بفعل الإنسان الذي يحركها بالعقل الذي وهبه له الله رب العالمين، وأقول إن البلد بها امكانيات ولكن على الرغم من ذلك انحدرنا إلى ذيلية الأمم ولا نلوم إلا أنفسنا كسودانيين لأن البلاد لا تتطور إلا بأهلها وبنيها وهذه هي المسؤولية التي ندور كلنا حولها، وليس بالضرورة أن نكون جميعاً متفقين حول حزب واحد أو منهج واحد أو جهة واحدة ولكننا نتفق في ان هذا وطننا الذي لا تملكه جهة أو حزب أو طائفة ولا جماعة وكل انسان يعظم وطنيته بحسب جهده وبماذا يقدم لأهله وبلده فكل «بني آدم» لديه دور في حركة التقدم والتطور هذه، وهذا هو السياج الذي يمكن ان تكون فيه الشراكة عبر الوطنية التي تحتم على كل إنسان أن يلقي بسهمه لأننا سنورّث أولادنا وأحفادنا فالوظيفة ليست دائمة والعمر كذلك، والإنسان بعد ذلك يُذكر بما قدّم ولا يقال (يا حليل فلان ذاك كان غنياً أو فقيراً) فالماديات العارضة لا تخلد الذكرى وانما تخلد وسط الناس بما قدمت لإهلك ووطنك فنسأل الله أن يكون هذا مدخلنا، وهذه هي الرؤية لأهل الإعلام فليست المسألة أن يحمل أحدهم القلم ويكتب كلمة ولكن ماذا تريد من ورائه؟ هل تقصد الاساءة او التجريح والتحريض أم الخدمة وتوصيل المعلومة للناس؟ وأقول هذا الحديث لأننا لو نظرنا الى مستويات أدائنا كأمة ستجد بأننا لسنا منتجين وغالبا ما يُعتمد على رب الأسرة الذي يجتهد وتنتظره باقي الاسرة . ونحن أبناء قرى منذ الصغر تعلمنا ان نعمل مع أهلينا بالزراعة (واشتغلنا طُلَب) - الذي يعاون البنّاء بمدّه بالطين والطوب - ( ولا أعتقد أن ذلك عيباً بل العيب أن تظل عاطلاً عن العمل وتشحد وتنتظر فلان يعمل لك)، وقد درست بالولاياتالمتحدةالامريكية وعندما يخرج زملاؤنا من الفصل كنا نذهب - للكافتريا - كانوا هم يغسلون الصحون ويعملون، وهذه هي أمريكا يتحدثون عن وجود الكماليات بها ولكن الطالب منذ أن يتخرج من مرحلة التعليم العالي ليس هنالك شخص مسؤول عنه بل كل طالب مسؤول عن نفسه إذا أراد أن يعمل او يدرس بالجامعة، ونحن أولى بذلك فخير للإنسان أن يحتطب من أن يسأل الناس فيمنعوه او يعطوه، وفي زمننا الحالي اذا نظرنا لوجدنا الواقع مختلفاً فأنت مسؤول عن تدريس الولد والبنت منذ مرحلة الاساس وحتى دخوله الجامعة وتخرجه منها وبعد ذلك يقول لك (بأنه قدم لوظيفة عمل ولم يُعيّن بها)، ومضاف الى ذلك أننا مجتمع متكافل فأنت مسؤول عن عماتك وخالاتك وأقربائك - والتكافل صفة طيبة ولكنها إذا قادت للتبطل فإن الأسرة ستتحدث عن الفقر وعدم كفاية المرتب لإحتياجاتها، هذا الحديث أدخل به على الأزمة التي بين أيدينا وذلك بعد الكثير من النداءات التي استمعنا إليها وتنادي بعدم الإعتماد على البترول الذي لم يأت بالهيّن وكان في يوم من الايام عبارة عن «حكي» - وهو ثروة للسودان الذي من حقه أن ينعم بها ويحتفى بها لكن أود أن أنبه الى أن هنالك موارد كثيرة أخرى يزخر بها السودان مثل الزراعة والثروة الحيوانية والمياه والأرض بالإضافة الى الانسان الذي حباه الله بمقدرة كبيرة من العلم والسماحة والمقبولية هنا في بلادنا، وهنا تأتي التوعية والشراكة الحقيقية للإعلام بكيف نبصر مجتمعنا في الريف والحضر بذلك؟ لكي نصبح أمة منتجة وتتحمل المسؤولية ويتغير سلوك أفرادها عبر المثل المضروب (أحسن حاجة هاك وأحسن من كده هاك تاني وأحسن من كده لمن تكمل تجي راجع)، لذلك نحن في حاجة لكي نصبح اليد العليا نُعطِي ولا نُعطَى. وبخصوص الأزمة المالية العالمية التي أطلت علينا وضربت الفجاج فهي قد سبقتها نظرية اشتراكية بشعابها المختلفة بعد أن تحكمت الدولة تحكماً مطلقاً فتضاءلت نسبة إبداع الإنسان وابتكاره وحريته فيما يمكن ان يعمله باعتبار أن كل شئ مملوك للدولة وهذه النظرية بالتجربة راحت من تلقاء نفسها وظن الناس ان هنالك نظرية اسمها الرأسمالية والتي تمنح الحرية المطلقة للفرد ليفعل ما يريد وهكذا نشأت في دولة أصبحت القطب الواحد في العالم - في إشارة منه للولايات المتحدةالامريكية - ولديها من الامكانات البشرية والعلمية والتقنية ولكنها في الآخر فوجئت بأن أمامها كارثة أكبر من توقعاتها ومن عِلمها ومعلوماتها فحار أهلها في ذلك، نقول بأن رب العالمين قد سبق النظريتين - الاشتراكية والرأسمالية - في الاقتصاد وقد فصّل الله سبحانه وتعالى كل قواعد التعامل مع المال - التعامل الفردي والجماعي وعلى مستوى الدول - فيه آيات بيّنات وذلك لأن التعامل مع الناس يقوم على مبدأ (اقرضني واقرضك) لذلك فإن أطول آية في القرآن الكريم هي آية الدين التي وردت في خواتيم سورة البقرة وهي مفصلة تفصيلاً واضحاً ، فالنظرية المالية المثلى التي تستند على الآيات القرآنية والأحاديث ليس بها حرية مطلقة لتملك الفرد والجماعة فكل شئ بحدوده وقيوده وكذلك هي لا تبيح للدولة التدخل بإفراط لان ديننا يقول (وفضلنا بعضكم على بعض في الرزق) فكان له بقدرته أن يخلق الناس على مستوى معيشي واحد وجيوبهم واحدة ولكن هنالك فرصة للإبداع والإجتهاد والإبتكار وهكذا، وإذا نظرنا لمبدأ الحرية في النظرية الرأسمالية بأن يفعل كل انسان ما يريد نجد أن الاقتصاد تحول لشاشات «قمار» الكترونية - وقد حرم الله ان تبيع ما لا تملك - لذلك تجد أن الإنسان عبر تلك الشاشة قد يصبح غنياً ويمسي فقيراً كحال الذي يجلس في حلقة القمار يكسب ثم يكسب وفي الآخر (يطلع ملوص). وللأسف اصبح المال كأنه سلعة وأصبحت البضائع مثل القمح والبن معروضة على الشاشات وبها مزايدات لمن يبيع ويشتري وهو لا يملك منها شيئاً وذلك يتم عبر الشاشات الالكترونية وهو لا يملك في مخازنه بضاعة، لذلك جاءت هذه الطامة على هذا النظام عندما ضُربت العقارات بعد أن تراكمت الديون وانفرطت الحلقة التي بدأت في أكبر اقتصاد بالولاياتالمتحدةالامريكية التي تمثل ربع اقتصاد العالم. والذين كانوا يعتقدون أن الأمان والضمان هنالك جاءتهم الكوارث التي ضربت كل العالم ولم تقتصر آثارها على الدولة ولا على قطاع العقارات فحسب وهنالك دول أفلست (وخرجت بره الشبكة) وأصبح الحديث عن ضخ الأموال مثل بئر السايفون «تُشفط» وذلك لأنه لا توجد قاعدة أو أساس يمكن الاستناد عليه فأصبح مالاً مكسوباً في الحلقة المفرغة وهذه الكارثة المالية لم يُعلم مداها حتى الآن، وكما قال الله سبحانه وتعالى (يمحق الله الربا ويربي الصدقات) فهذا هو المحك الحقيقي وبات العالم متخوفا من الركود الاقتصادي. السودان والتأثير المتوقع من الازمة المالية العالمية: بدأ الدكتور عوض الجاز يجيب على الاسئلة بالقول (نحن في السودان أصدرنا بياناً وقلنا إن التداعي المباشر للأزمة المالية لن يصلنا ولكن سنتأثر بوسائل وطرق مختلفة واحدة منها أن الأزمة أطلّت على كل المنتوجات وعلى رأسها النفط محل الصراع الاقتصادي والسياسي بندرته ونضوبه وقد وصل سعر برميل البترول الى 150 دولار منذ ان بدأت الأزمة المالية والآن سعره وصل للخمسينات، وهذا الانحدار وبهذه السرعة لاسعار أوبك ولاول مرة تخفض بمليون ونصف المليون برميل في اليوم للاسعاف ولكنها ايضاً فشلت، ومن هنا يتضح أثر الأزمة المالية العالمية على السودان عبر البترول وهو أثر بالغ بيّن باعتبار أن البترول أكبر رافد لنا في الميزانية، فكونه يتأثر فمعنى ذلك بأن هنالك تأثير علينا وليس في ذلك شك، والتأثير الآخر بأننا عوفينا من التداعي الأول إذ أنه لا يوجد لدينا بنك أفلس ولا شركة وذلك بسبب المقاطعة الاقتصادية التي فرضتها الولاياتالمتحدةالامريكية علينا ولذلك ف(رب ضارة نافعة). هذه واحدة من الحسنات، ولكن على الرغم من ذلك فنحن نتأثر بتأثر دول نتعامل معها اقتصادياً فاذا أصيبوا إصابة بالغة فإن الرشاش يأتينا من جانبهم بالبنوك التي تتعامل معهم في تلك الدول، ويمكن ان يكون هنالك آثار ايجابية من خلال القناعة التي بدأت تصل لأصحاب رؤوس الأموال الذين يودعونها في البنوك الامريكية بأنها لم تعد محل أمان وضمان فإذا نحن حسنّا ما عندنا من امكانيات وهيأنا المناخ لربما تأتي تلك الاموال التي كانت تذهب هنالك - يقصد الولاياتالمتحدةالامريكية - لتستثمر في السودان وما يشجع على ذلك بأن العالم إضطرب في غذائه فأصبحت لدينا ميزة وذلك لأن الإنسان يمكن ألا يركب عربة ولكنه لا يتحمل الجوع وكما يقولون (الجوع كافر) فنحن لدينا واحدة من مثبتات الانسان وهو الأكل والشرب فهل نحن سنعي الدرس بتوظيف امكاناتنا، وذلك بأننا ندعو للخروج من الاعتماد على مورد واحد وقد جاءت حوبة أن نفعل ذلك ، فهل نستطيع أن نوظفها ونفتح الباب لجذب رؤوس الأموال والخبرة والتقنية لكي تأتي للاستثمار في السودان القارة الذي لن يتطور بالميزانية التي يقدمونها سنوياً، لأن الميزانية احدى المشهيات للعمل كله وهي وسيلة لا تغطي كل الاحتياجات والمطالب، فاذا جذبنا رؤوس الأموال وأصحاب الخبرة والإمكانيات والتقنية فيمكن من خلال ذلك أن يطوروا معنا السودان إذا بعدنا من تشويش بأنهم قادمون لكي يأخذوا حقنا والمثل بيقول (أكلوا أخوان واتحاسبوا تجّار) يأتيك الانسان بالفائدة المشتركة لتعطيه ما عندك وتأخذ منه وهذا هو محل الاختبار كيف يمكن ان نصبح أمة منتجة؟!!.