تهديدات هنا وأخرى هناك واتهامات متبادلة بين الخرطوموجوبا لازمت تنفيذ اتفاقات التعاون المشترك الموقعة بين البلدين منذ سبتمبر من العام الماضي تحت البند السابع بموجب القرار الدولي «2046» ،تحت وساطة الاتحاد الأفريقي ومراقبة المجتمع الدولي ،إلا أن ذات التهديدات تنخفض حدتها تارة ويرتفع إيقاعها مرة أخرى فيما لازمتها حالات من الشد والجذب ،طالت العلاقة بين السودان وجنوب السودان طيلة الفترة الماضية ، وكادت أن تصل لمستوى المواجهة العسكرية بين الدولتين ، في ذات الوقت أعلنت الخرطوم «اغلاق أنبوب نفطها أمام عبور بترول دولة الجنوب» ومنح حكومة جوبا «60» يوما وهددتها بإلغاء اتفاقات التعاون المشتركة «التسعة» حزمة واحدة والتي تتمثل فى «الترتيبات الأمنية، النفط ، التجارة ، البنوك والمصارف، الديون الخارجية، المعاشات ، الحريات الأربع ، منطقة أبيي ، وأخرى » وقالت الحكومة السودانية انها ستوقف كافة الاتفاقات التسعة دفعة واحدة أذا لم تتوقف جوبا عن دعم الحركات المسلحة المعارضة لها . ولكن دعونا نتساءل عن الأسباب التي أدت لتلك الحالة؟ وماهي ملابساتها؟ وهل ستقود لحرب فعلا بين الدولتين ؟ وما هي الاحتمالات والسيناريوهات المتوقعة؟ الموقف الثابت فى تبادل الاتهامات بين الدولتين هو موقفهما من دعم المعارضة لكل منهما للآخر ،الحكومة السودانية اتهمت دولة جنوب السودان بدعمها للحركات المناوئة ، مطالبة اياها بالكف عن دعمها ل«قوات الجبهة الثورية» ،هذا ما عززه وزير الإعلام أحمد بلال عثمان الناطق الرسمي باسم الحكومة والفريق أول محمد عطا مدير جهاز الأمن والمخابرات من خلال مؤتمر صحفي مشترك لهما بقاعة الصداقة بالخرطوم ، مؤكدين استمرار دعم جوبا لقوات الجبهة الثورية وقالا بان الحكومة تملك وثائق ومستندات تم تقديمها لرئيس دولة جنوب السودان ،وأشارا إلى أن جوبا لا زالت تقدم دعمها ل«قوات الجبهة الثورية » المناوئة للخرطوم حتى تلك الساعات قبيل انعقاد المؤتمر الصحفي لهما . رئيس دولة الجنوب سلفاكير ميارديت نفى فى لقاء «خاص» بقاعة «نياكورين» للمؤتمرات وسط جوبا قرب الجامعة «استبق به مؤتمره الصحفي فى ذات اليوم» ، حيث كان اللقاء المذكور «مخصصا» للسلك الدبلوماسي والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والاتحادات والمنظمات العالمية بحضور رئيس وأعضاء البرلمان ونفر من الحكومة والأمن والاستخبارات ، نفى رئيس دولة جنوب السودان أن تكون بلاده قد قدمت دعما للحركات المناوئة للحكومة السودانية ، وقال أن جوبا لا تملك ما تقدمه لهذه الحركات ، إلا ان سلفاكير عاد قائلا أن قوات المعارضة تمتلك أسلحة قبل الانفصال تمكنها من الحرب «10» سنوات ، فيما أجلس إلى جواره الجنرال جونسون اولنج قائد قوات التغيير الديمقراطي المعروفة ب«دى سى» ،و قال أن لدى حكومته معلومات ووثائق تؤكد دعم حكومة الخرطوم للمعارضين لجوبا فى أشارة منه إلى اولنج ، وقال سلفاكير حديثا مقتضبا فى مؤتمره الصحفي نافيا أن يكون قد وصله ما يفيد بإيقاف عبور نفط الجنوب ، واستبعد رئيس جنوب السودان نشوب حرب بين بلاده والخرطوم مطالبا شعبه بالهدوء والصبر وأكد أن بلاده تسعى للسلام بينها والسودان وقال انه لن يجر شعب جنوب السودان مجدداً إلى الحرب ، وجدد سلفاكير التزام حكومته بالاتفاقيات الموقعة مع الخرطوم وقال أن دولته تحترم تعليمات الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة وسوف تنفذ ما تطلبانه و مشيرا إلى انسحاب قواته من هجليج بناء على طلبهما ، إلا أن سلفاكير اعترف بان الوفد السوداني الذي التقاه مؤخرا بجوبا والمكون من وزير الخارجية السوداني ومدير جهاز الأمن قدما له مستندات تشير إلى تورط بعض ضباط الجيش الشعبي فى حكومته فى دعم قوات الجبهة الثورية ،إلا أن رئيس دولة جنوب السودان ذاته عاد قائلا نحن طلبنا من الحكومة السودانية تسوية خلافاتها مع معارضيها عبر الحوار . الحكومة السودانية من جانبها شرعت فى تحركات دبلوماسية واسعة وعلى أعلى مستويات قيادتها لالتقاء المؤسسات الدولية والإقليمية والدول الأعضاء بالاتحاد الأفريقي لتوضيح رؤية وملابسات قرار السودان وقف تنفيذ اتفاق التعاون مع دولة الجنوب بناء على أصرار الأخيرة على تقديم كافة انواع المساعدات والدعم لحركات التمرد السودانية ، وقد شرعت فعلا فى لقاءات بالبعثات الدبلوماسية المعتمدين لديها، الا ان ذات الحكومة السودانية ستواجه برفض من قبل كافة المؤسسات والمنظمات الدولية والإقليمية لخطوتها، حسب حديث مراقبين ل«الصحافة» ونصحوا السودان الاستفادة من الفرصة وتمليك الحقائق كاملة للمجتمع الدولي بالبينات والوثائق . الناظر الى الأزمة فى الدولتين يجدها أصلا «أزمة اثبات وجود» بين المؤتمر الوطنى الحزب الحاكم فى السودان والحركة الشعبية الحزب الحاكم فى جنوب السودان ، بينما تعمل جماعات بالدولتين وصفتها قيادات سياسية ب«دعاة حرب» لجر البلدين لمربع المواجهة العسكرية ، وتقول قيادات سياسية فى حديثها ل«الصحافة» ان العلاقة بين جوباوالخرطوم تتحكم فيها مصالح الحزبين الحاكمين «المؤتمر الوطني والحركة الشعبية » ، وقالت أن كل منهما يرى نهايته من خلال سيطرة الآخر فضلا عن تقاطعات مصالح دولية فى المنطقة، وفى الإطار نفسه يقول القيادي بالمؤتمر الشعبي محمد الأمين خليفة ان ذلك استخفاف بالقوى السياسية وبالمواطن بالدولتين ، واصفا ما وصلت أليه الأوضاع بجوباوالخرطوم ب«الفشل» من قبل الطرفين جراء الأخطاء والتخبط العشوائي وقال أن المؤتمر الوطني والحركة الشعبية معا لم يراعيا أزاده شعبيهما ومصلحتهما ، إلا أن خليفة استدرك قائلا أن كان المؤتمر الوطني كذلك فليذهب المؤتمر الوطني «غير مأسوف عليه» . المحلل السياسي بدولة جنوب السودان قبريال شداد وصف الوضع ب«الشائك» وقال أنها اتهامات ظلت متبادلة بين الطرفين ،ليس هنالك جديد فيها إلا أن شداد عاد قائلا «ستحسمها الأوضاع على الأرض» خلال الفترة التي حددتها الحكومة السودانية ب«60 يوما» ويقول فى حديثه ل«الصحافة» أن «الكرة الآن فى ملعب حكومة جنوب السودان» ،ورأى أن الاتهامات بين الطرفين ستحسمها المستندات والوثائق وليس الادعاءات التي أثارها كل طرف فان كان دعما «قديما قبل الانفصال أو جديدا» واتهم شداد جماعات بالمؤتمر الوطني والحركة الشعبية ب«التسبب» فى الأزمة . ولكن ماذا يدور على الأرض الآن؟ فقد كشفت مصادر موثوقة ل«الصحافة» عن وصول وفد عسكري للجيش الشعبي لدولة جنوب السودان «كاودا» مساء الأحد وغادرها متزامنا مع انعقاد المؤتمر الصحفي لرئيس دولة جنوب السودان ،الوفد برئاسة الفريق كوال ديم كوال نائب رئيس الأمداد واللواء انقستينو مارشال ،واللواء قرنق بنجامين ،العميد سايمون أبوليك وقد اجتمع الوفد فى كاودا بقيادات من الجبهة الثورية الميدانية ، ولقاء آخر منفصل وخاص جمع الوفد وجقود مكوار والعميد سليمان التوم صندل وسليمان كمكى كودى وتم تحديد الخطة على تنفيذ هجمات سريعة تعرف عسكريا ب«نط الضفدعة » وهى عبارة عن ضربات عسكرية سريعة والفرار دون احتلال تلك المناطق كما تمت فى اجتياح أم روابة على ان تستهدف «كادقلى ،اللحيمر ، الرصيرص ،الكويك ومناطق أخرى » دون تحديد الموعد الزمني للعملية ،فيما أشار الوفد إلى وجود قوات جاهزة ومدربة تدريبا خاصة بمنطقة فاريانق لذات الغرض وفى طريقها لكاودا. و كشفت مصادر أخرى ل«الصحافة» عن وصول قوة عصر أمس منطقة «أدوك البحر» بدولة جنوب السودان مكونة من «5» ألوية قوامها «3750» عسكريا من المشاة والمدرعات والمدفعية والدفاع الجوى منها «3» ألوية منها من الجيش الشعبي مختلطة من الجنوب وجنوب كردفان والنيل الأزرق و«2» لواء خاصة بحركات دارفور وقوة تسليحها عدد من الدبابات والراجمات والرباعيات والرشاشات وعدد من اللاندكروزرات بقيادة اللواء مجال لوال شول . وأفادت مصادر «الصحافة» ان هذه القوات كان فى استقبالها بأدوك البحر الفريق جيمس هوث والفريق توماس سرلو والفريق فيانق دينق واللواء سبت برنابا مشيك واللواء جيمس كولانق واللواء تعبان دينق والى الوحدة السابق وطاقم حكومة الوحدة ، ورجحت ذات المصادر بان تتحرك تلك القوات المعنية مساء أمس إلى بانتيو ، إلا أنها لم تحدد وجهة القوة ومهامها . تقرير : ابراهيم عربى