أها يا سادة.. البشير قال البغلة في الإبريق... شن قولكم؟ والرئيس قالها... الجمعة... في قاعة الشهيد الزبير.. قال : الميزانية خمسة وعشرون ملياراً... والدعم أربعة عشر ملياراً و... والحديث يقبله الناس من الرئيس لأن البشير رجل يحدِّث رجالاً... ويُشرك الناس... والحديث ذاته يرفضه الناس من وزير المالية لأن السيد هذا يحدِّث الناس وكأنهم عبيد. «2» والأسبوع الماضي نسقط مرضى. وطبيب المخ الشهير ينظر إلى الفحوصات والطبيب.. الذي لا يعرفنا.. يهز رأسه ثم يقول : يا شيخ... أنت مصاب بشيء واحد فقط.. أنت مصاب بالكآبة!! ما هي مهنتك؟! ونوشك أن نصعد إلى صهريج مياه الخرطوم نسكب فيه الدواء الذي نخرج به من الصيدلية. وصباح الجمعة ندخل إلى مؤتمر «شورى الوطني» نستمع لما يقوله أهل الذكر... ودون أن ندري كنا نحمل في أوراقنا هامشاً لكل شيء... الأقوال التي نسمعها والناس والحديث عن خراب الاقتصاد والمجتمع والدولة.. المؤامرة الممتدة... وما تحت الأرض... الذي هو الحروف الأبجدية التي من لا يعرفها لا يقرأ شيئاً. والبشير لما كان يحدث عن الحمل الذي ينقض ظهر الدولة «الدعم» كنا نحمل بين أوراقنا نسخة لتقرير سري تُصدره جهة في المالية أول العام هذا وفيه تقول إن : أحد عشر شخصية هم من يملك «كل» مصارف وشركات وهواء السودان .. ما يقوله التقرير هو هذا... وما تقوله الهوامش هو ما يراه الناس من الخراب وللعام هذا وما سبقه نظل نسرد حكايات الخراب... التهريب... الاختلاس... سياسات المالية التي تعض ذيلها بأسنانها في دوار لا ينتهي... الخراب... الخراب... وفي أوراقنا ونحن نجلس في القاعة مجموعة قصصية من بينها قصة نكتبها عام 1995 والمؤلف في إحدى القصص يكتب الكوارث والقلم تحت يده يتوقف... والقلم يرفع للمؤلف عيوناً ساخطة ليقول : كوارث... كوارث... فهمنا... عرفنا آمنا... صدقنا... لكن ما هو الحل؟؟.. المطلوب من الكاتب .. كل كاتب هو الطعام.. وليس وصف الجوع. ونسمع حديث المحدثين ونقرأ أوراق المؤتمر... نسأل... أين الحلول وفي القاعة نلمح دكتور مصطفى عثمان.. والذاكرة تذهب إلى حكاية نحملها عن مصطفى هذا... وعن بداية الخراب... ومصادفة تجعله وزيراً للخارجية «مصطفى يستحق الخارجية لكن المصادفة كانت هناك». والخراب الذي يمتد حتى اليوم... يبدأ من أطراف حكاية عام 93.. والانشقاق.. والأحزاب. والأسبوع هذا تتسلل إلى السودان أسلحة من الصومال تجلبها الجهة التي أرسلت بولاد إلى غرب السودان ليصنع تمرداً هناك... خدمة لقرنق. والتداعي في الذاكرة يجمع علي عثمان الذي يجلس إلى يمين الرئيس بدكتور علي الحاج... ومصطفى عثمان. وبولاد والشهيد الزبير وصورته التي تطل على القاعة جزء من الطوفان الذي يزدحم في ذاكرتنا. وحكاية مصطفى بعضها هو والناس يدفنون الشهيد الزبير كان السيد الطيب النص والسيد عبد الله حسن أحمد يجلسان في ناحية... والحديث كان عن : من هو نائب الرئيس الآن. والحزن على الشهيد شيء... وإدارة الدولة شيء آخر. في المساء... السيد الطيب النص يجد الترابي بالعراقي والطاقية في بيته ويجلسان للحديث عن السؤال ذاته. ويدخل سبعة منهم السنوسي وعبد الله حسن أحمد والكاروري ومحمد يوسف وموسى حسين ضرار وعلي الحاج. وأحدهم.. لإبعاد الطيب النص... يقول: جئنا لهذا ونحن سبعة والترابي يقول : الآن ثمانية والسنوسي يرشح الترابي... والطيب النص وعبد الله يرشحان علي عثمان لخلافة الزبير وواحد فقط يرشح علي الحاج. والترابي يذهب إلى البشير بترشيح أربعة للترابي وثلاثة لعلي عثمان وواحد لعلي الحاج. والترابي يعود إلى مؤتمر في القاعة. ولا يقص شيئاً. لكن الأحاديث من تحت الباب تقول إن البشير كان يستمع إلى الشيخ... ثم يقول : دكتور الترابي... أنت شيخنا وقائد الحركة الإسلامية إن أردت أن تكون رئيساً للبلاد فتعال... أستقيل أنا وتصبح أنت رئيساً «الحديث كان إشارة ذكية تقول للشيخ إنه لا يترشح لنيابة الرئيس إلا ليصبح رئيساً بعد قليل». والبشير يقول.. : أنا لا أرضى أن أكون رئيساً ونائبي هو شيخ الحركة الإسلامية فأنا عضو فيها. والرئيس يمسك قلماً ويكتب اثنين من الأوامر الرئاسية : إعلان علي عثمان نائباً للرئيس. وتعيين الدكتور مصطفى عثمان وزيراً للخارجية. والمعنى البعيد لتعيين الأخير هذا كان شيئاً يغلق الباب على كارثة أخرى كانت تدبَّر. وبعض من الكارثة هذه كان يقع بعدها بسنوات... ودينق إلور غير المسلم وغير العربي يصبح هو وزير خارجية السودان مع الوزراء العرب... ووزير خارجية السودان في المؤتمر الإسلامي. كانت الأصابع الأمريكية هناك. والأصابع التي تشتعل عام «1990» مع بداية الإنقاذ تعمل بأسلوب يقصه أرودغان الأسبوع الماضي «نعود إليه». الأصابع كانت تدير السودان منذ السبعينات. والحكاية التالية.. التي يصبح لها معنى غريب جداً يقصها دكتور بقادي «رجل المهام الخاصة في حزب الأمة» وشهودها مئات من قادة الأنصار. عام «1986» السيد الصادق المهدي يجمع الأنصار ليقترح عليهم : إلغاء اسم «حزب الأمة» واستبداله باسم «الحركة الشعبية». كوارث.. كوارث.. والبحث عن الحلول. والإرهاق في كل مكان... ففي الساعة ذاتها نهار الجمعة لما كان الوطني يبحث عن الحلول في قاعة الزبير كان الحلو يهبط بطائرته في «جلد»... يدعو النوبة لحشد جديد. والناس يلتفون حوله وأيديهم خلف ظهورهم.. ويقولون ببرود : تبعناك... فكان أن جعلتنا تحت حذاء المساليت... اذهب. وحين ينفضُّون من حوله يصيحون... فوق أكتافهم : إن عدت... سلمناك الحكومة. والعاصفة المتشابكة هذه من الناس والأحداث نذهب إليها لأن الكتابة هي «غابة مهتاجة» وليست حديقة مقصوصة خلف السياج. وندخل الغابة. فالدولة الآن تدخل الغابة لاصطياد الحلول. والحلول لها أنياب دامية.