على مسرح الجزيرة في ودمدني العام الماضي كانت آخر الأحداث من شاكلة تحطيم الكراسي وإشعال الحرائق ورفع اللافتات، الظاهرة كانت شبه مألوفة وبشكل متكرر في حفلات الفنان صاحب الصوت الندي والموهبة الفذة الراحل محمود عبد العزيز. كانت الجموع الهادرة تنتظر أيقونة الأغنية السودانية "الحوت" وحينما لا يفي "الجان" أو يتأخر عن "وعد اللقيا" المضروب مع جماهير شرسة جداً في المحبة، وتعشق حد الثمالة لتلامس الذوبان فرحاً وطرباً بغناء شاديها، ولا تبخل بأن تقتطع من وقتها الكثير للاستمتاع بفنانها المفضل وصوته النادر، وهم يأملون في الوصول إلى أن تعتلي وترسم البهجة وجوههم ويغمرهم الفرح ليخفف عنهم شظف الحياة وقساوتها، فيتخذون العنف مدخلاً لإيصال رسالتهم والقائمة طويلة قبل حادثة مدني، لكن اللافت للنظر ومنذ رحيل محمود الفاجع اختفاء ظاهرة هيستريا الفرح وانفعالات المعجبين من الحفلات الجماهيرية والتي تنتج عنها ظواهر الحرائق وتحطيم الكراسي ورفع اللافتات المعبرة؛ والمدهش أنه لم يتدخل أحد لإيقاف تلك الظواهر وإنما غابت طوعاً واختياراً، ولكن ثمة سؤال يلح بشدة بين ثنايا العشق للرجل الظاهرة: ما هو سر الارتباط الشديد بين من يطلقون على انفسهم لقب (الحواتة) وبين صاحب الريدة الابدية؟ الجائل بين الحفلات الجماهيرية التي اعتلى مسرحها الحوت يجد وسائل المعجبين في التعبير عن ذلك الحب تتنوع وكيفية إبدائها؛ فهناك اللافتات التي تحمل تعابير الجمهور من شاكلة تلك التي رفعتها واحدة من الفتيات في حفل بمدينة بورتسودان وكانت تقول: (نموت نحنا ويحيا الحوت)؛ وقد كسرت رجلها في ذات الحفل وفي نادي الضباط رفعت إحدى المعجبات لافتة تقول: (سنقول للدنيا هنا في السودان الحوت فنان بقيمة الوطن) كل ذلك وأكثر.. لكن المقدرات التطريبية الهائلة والرصيد الفني الكبير لمحمود مقارنة بأبناء جيله من الفنانين إضافة إلى إنسانية الحوت وقربه من جمهوره ومبادلته حباً بحب جعلت هستريا الفرح وانفعالات المعجبين في الحفلات الجماهيرية حصرية على الراحل. صحيفة اليوم التالي عثمان الأسباط