سقوط العشرات، نزيف دم مستمر، اكتشاف مقابر جماعية، نزوح بالآلاف، قوات أممية تحط في جوبا، وساطات ماراثونية، شروط مُسبقة؛ هذا هو بالضبط المشهد الحالي للأوضاع في الدولة الوليدة.. ما يدعو للقلق تحرك أعداد كبيرة من مواطني جنوب السودان فارين من الحرب في طريقهم للسودان. والي ولاية النيل الأبيض يوسف الشنبلي وجه السُلطات الإدارية بمحليتي (الجبلين والسلام) الحدوديتين مع دولة الجنوب، بتحديد نقاط الاستقبال للاجئين الجنوبيين على خلفية الصراع الدائر بالدولة الوليدة. وأمر الوالي الأجهزة الأمنية بتسهيل حركة اللاجئين العابرين من جنوب السودان، عبر معبر جودة الحدودي، ونوَّه إلى أن مفوضية العون الإنساني تقوم بتوفير الخدمات الأساسية. واتسعت دائرة القتال بجنوب السودان بعد اندلاعها في العاصمة جوبا لتشمل ولاية جونقلي، بجانب ولايتي الوحدة وأعالي النيل المتاخمتين للسودان. * تفاوض الفرقاء رغم ضبابية الموقف في دولة الجنوب، إلا أن مصادر موثوقة قطعت بأنّ مفاوضات مباشرة ستبدأ بين أطراف الصراع (الثلاثاء) المقبل بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا تحت وساطة الإيقاد، ويمكث المبعوث الأميركي دونالد بوث بجوبا في محاولة لحث الأطراف على التفاوض. وحسب مصدر مسؤول بحكومة جنوب السودان، فإن كلاً من الرئيس سلفاكير ميارديت ونائبه المعزول رياك مشار وافقا على الدخول في مباحثات مباشرة بأديس أبابا في أعقاب اتصالات أجراها وزير الخارجية الأميركي جون كيري بالرجلين. وقال نائب رئيس جنوب السودان المعزول رياك مشار ل(رويترز) في اتصال متقطع عبر الهاتف المحمول من مكان غير معلوم: "أنا في الأدغال وأفعل ما بوسعي لتحسين موقفي التفاوضي". وصرح المبعوث الأميركي إلى جنوب السودان في وقت سابق، إن الرئيس سلفاكير ميارديت قبل الدخول في حوار غير مشروط مع مشار. وقال بوث لصحفيين في الخارجية الأميركية عبر الهاتف بعد سلسلة لقاءات أجراها مع القيادة السياسية في جوبا: "إنّ سلفاكير أخذ أمامي تعهداً مفاده أنه مستعد لبدء مباحثات، دون شروط مسبقة، مع مشار لإنهاء هذه الأزمة". * الهجوم على ملكال بعد إعلان الرئيس سلفاكير إعادة السيطرة على (بور)، قال متحدث رئاسي، إنّ قوات جنوب السودان تقاتل لمنع متمردين موالين لنائب الرئيس السابق ريك مشار، من السيطرة على ملكال عاصمة ولاية أعالي النيل المنتجة للنفط، وصرح بأنّ مجموعة المتمرّدين هاجمت ملكال لأوّل مرّة صباح (الثلاثاء).. وقال أتني ويك أتني ل(رويترز) في اتصال هاتفي "دار قتال عنيف بين القوات الموالية للدكتور ريك مشار والقوات الحكومية في ملكال". في الأثناء أقرَّ مجلس الأمن الدولي، مضاعفة القوات الأمميةبجنوب السودان بإرسال (8) آلاف جندي آخرين لحماية المدنيين من تفاقم العنف والاقتتال، ووصلت طلائع من قوات المارينز الأميركية إلى يوغندا في طريقها إلى الدولة الوليدة. وقال منسق الأممالمتحدة للشؤون الإنسانية بجنوب السودان توبي لانزر، إن عدد قتلى العنف في البلاد على مدى الأيام العشرة الماضية من المرجح الآن أنه بالآلاف وليس المئات مثلما قدرت المنظمة الدولية في وقت سابق. * تحليل موقف يتوقف انزلاق جنوب السودان في حرب عرقية أوسع أو نجاته من الصراع إلى حدّ كبير على رجلين يتصارعان على السلطة منذ وقت طويل، الرئيس المنتمي إلى قبيلة الدينكا ونائبه الطموح رياك مشار الذي أقيل في يوليو والمنتمي إلى قبيلة النوير. وبتشجيع من زعمائهم اشتبك أبناء القبيلتين في الماضي، ما جعل الموجة الأخيرة من العنف هي الأسوأ. وقال (تشيو) ويعمل في إصلاح الدراجات النارية في جوبا: "لا يهتم الاثنان كثيراً بشعبيهما، وبدلاً من ذلك يركزون كثيراً على الضغائن الشخصية الباقية من أيامهم الخوالي". وقال (جوك مادوت جوك)، الذي كان وكيلا لوزارة الثقافة وترك منصبه في أبريل الماضي طبقاً لما أوردت (رويترز): "إن العلاقة بين الرجلين في السلطة اتسمت لقرابة عام تقريباً قبل إقالة مشار بسوء الاتصال أو انعدام الثقة أو الصمت". * سوانح ضائعة قدَّم المجتمع الدولي مساعدات بمليارات الدولارات وأرسل عدداً كبيراً من المستشارين لبناء الدولة الجديدة، لكنه لم يتمكن من إصلاح الخلل الذي تفاقم في أعلى درجات الحكومة ووصل أوجه في الصيف، عندما أقال سلفاكير نائبه رياك مشار. وقال جون برندرغاست العضو في مجموعة من الأساتذة الأمريكيين الذين أقنعوا واشنطن بدعم انفصال جنوب السودان عن الشمال "أهدرت فرص بالتأكيد في سبيل انتهاج دبلوماسية وقائية أقوى على مدى الشهور القليلة المنصرمة، بينما كانت الأزمة السياسية تكتسب زخماً. وسببت المنافسة جموداً في الحكومة، وعرقلت جهوداً لوضع برنامج للمصالحة الوطنية بين جماعات عرقية أكبر؛ مثل الدينكا والنوير من ناحية، وعشرات الجماعات الصغيرة الأخرى التي تشتبك منذ وقت طويل للسيطرة على الموارد الشحيحة في الجنوب من ناحية أخرى". * تغيير الولاءات قد يعتمد جزء كبير من الحل على سمعة سلفاكير كمصلح يجمع بين الميليشيات المتناحرة، حتى وإن كان هذا يعني وضع النفوذ السياسي قبل التنافس في الحكومة. وقال إريك ريفز وهو ناشط أمريكي مهتم بشؤون جنوب السودان وزميل لبرندرغاست إنّ رياك مشار بحاجة إلى الاقتناع بأنّ إطالة أمد أيّ صراع عرقي ستعني أنّ يفقد الدعم الأمريكي أو غيره من الدعم الغربي. وأضاف: "لكن ليس ثمّة نفوذ حقيقي". وتعتزم الأممالمتحدة تعزيز قوة حفظ السلام التابعة لها في جنوب السودان بعد اقتحام النوير لقاعدة (أكوبو) التابعة لها ونهبهم لها. لكن الطبيعة المختلطة للجيش الشعبي لتحرير السودان وتغيّر الولاءات ينتقصان من فرص تحول بعثة الأممالمتحدة في جنوب السودان إلى قوة تدخل قوية مثل الكتيبة التي قمعت تمرداً في جمهورية الكونغو الديمقراطية المجاورة. وقال ريفز "إذا لم تكن تعلم من أين سيأتي عدوك أو من هو عدوك فلا يهم حقا أن تكون مدججاً بالسلاح". وقال الرئيس الأمريكي باراك أوباما إن أيّ جهود عسكرية لانتزاع السلطة ستؤدّي إلى وقف الدعم الأمريكي. وينطوي الأمر على أهمية كبيرة أيضاً بالنسبة للسودان الذي فقد الحقول النفطية بعد انفصال الجنوب، لكنه يعتمد على رسوم مرور النفط عبر أراضيه في خط الأنابيب وصولاً إلى البحر الأحمر. صحيفة اليوم التالي بهرام عبد المُنعم