تجنب اليسع اتجاه الريح، ثم جلس على كرسي بلاستيكي أبيض يراقب آليات ضخمة كانت تجرف التراب عن الأسفلت المغطى. كانت الساعة تشير إلى الثانية صباحاً، حين تحلق جمهور عريض من المواطنين حول اليسع المزهو بمشروع تطوير ونظافة مركز مدينة أم درمان. يعمل اليسع بجد ظاهر وهو ما جمل له ملاطفة المواطنين المتحلقين حوله ليلتئذ، ووسط ضجيج الآليات وغبارها المتصاعد كان يأمل اليسع من ملاطفته أن يحصل على دعم شعبي لمشروعه الجمالي تحت التنفيذ، وكذلك لاستعادة ثقة وود مفقودين لدى المواطنين تجاه المشروعات الحكومية، وحتى ذلك الحين حصل اليسع وفريق عمله على أكواب الشاي والبسكويت وتصفيق حار. سيأتي الخريف قريباً اليسع صديق التاج، هو معتمد أم درمان الجديد، ويباشر منذ توليه المنصب جهودا حثيثة لصيانة ونظافة شواع المدينة وإنارتها، ورصد لذلك مبلغ 500 مليون جنيه تأتي من الخزينة الاتحادية ضمن المبلغ المحدد لتطوير مدن العاصمة الثلاثة، وحتى ذلك المساء أزيلت نحو 4500 متر مكعب من الأتربة وأنقاض المباني التي كانت تغطي غالبية الأسفلت في مركز مدينة أم درمان وسوقها الرئيسة، وأزيلت أكشاكا كثيرة كانت منتشرة على الجادة، ويقول المهندس المشرف على المشروع عبد الرحمن أحمد إن الخطة تستهدف 26 شارعا تحتاج جميعها إلى نظافة وسفلتة وإعادة تأهيل. ويجتهد عبد الرحمن وفريق عمله في مسابقة الزمن ليأتي على نهاية العمل بالمشروع قبل حلول فصل الخريف. أوساخ تعتقل المدينة ربما ينهي عبد الرحمن المشروع قبل الخريف، لكن الآليات التي شاهدتها في تلك الليلة كانت قليلة، ولا تكفي لإتمام نظافة مدينة تعتقلها الأوساخ منذ عهد الخليفة عبد الله التعايشي. فقد كانت الآليات عبارة عن قريدر ولودر وفرشاة لإثارة الغبار وعربة شحن زنة 8 أطنان. وبالطبع، لا تكفي هذه الآليات حتى لنظافة السوق الشعبي المكتظ بالنفايات. يقول اليسع الذي تحدث ل(اليوم التالي) "لدينا مشكلة في الآليات، ونعمل على مضاعفة الأسطول حتى يفي بالغرض". انتهاك حُرمة الرصيف ضمن الخطة، فإن شوارع أم درمان تشهد توسعة مضطردة بإزالة المشاتل والأكشاك التي تعتبر، بعيدا عن جدواها الاقتصادية للأسر، منظرا غير لائق. وعلى كثرة الشوارع كان الباعة وأصحاب المحلات التجارية يتغولون بإفراط على حرمة الرصيف، ويفرشون عليها الطماطم والعجور وأضغاث النعناع ولعب الأطفال والكتب، وكذلك المأكولات الفقيرة رخيصة الثمن، وثمة من يشيد كشكا من الحديد لتقديم الخدمات والمواد الاستهلاكية، وتفتقر الأكشاك إلى اشتراطات السلامة وتعاني من عدم النظافة ومن أسلاك الكهرباء المكشوفة التي قد تعرض حياة المارين للخطر. وأولئك وغيرهم هم الذين تعنيهم المادة 130 من قانون الإجراءات الجنائية، المعنية بالسلامة. يقول عبد الرحمن الذي يشتكي من تعامل المواطنين السيء مع المصارف، إن جنبات الشوارع سترصف بمصدات من شأنها تقليل وجود التراب حول الأسفلت، ما يمكن من نظافته وصيانة المصارف بسهولة. برنامج قاع المدينة اليسع المولود في أم درمان يعتبر نظافة المدينة هم شخصي، لذلك جند عدداً من الموظفين لدى المحلية للطواف حول المدينة، ويتواصل معهم عبر خدمة الواتس اب، ويتلقى منهم، مباشرة، تقارير مصورة عن أحوال الطرق ونظافة وإنارة محليته التي تشمل مركز أم درمان الذي يبدأ من مقابر أحمد شرفي شمالا حتى مبنى البرلمان، يمتد جنوبا حتى أبو سعد، ومن النيل شرقا لغاية شارع ود البشير غرباً، ويقول مسؤول الإعلام أنس علي: "دشنا برنامج (قاع المدينة) عبر الواتس أب يشارك فيه عدة أشخاص يقومون بتصوير الأماكن المتسخة وإرسالها فوراً إلى المعتمد لاتخاذ قرار بشأنها". حصل اليسع على تشجيع كاف من المواطنين في ذلك الوقت المبكر من الصباح، فكح عدة كحات من الغبار المتصاعد، وقال وهو ينهض من الكرسي الأبيض إنه متكفل بإضاءة جميع الشوارع والأزقة، لأن الإضاءة أمان من أفعال المشردين. صحيح، فهي أمان حتى من طيش بعض السياسيين