عتبة أولى: د. قطبي المهدي من الشخصيات التي لها باع طويل في عالم السياسة، ولديه محطات كثيرة في حياته كل منها أهم من الأخرى، ودائما الرجل سواء أكان في منصب أو خارجه لديه الكثير من التفاصيل التي تعكس مدى قربه من صناعة القرار في البلاد، ذهبنا إليه وفتحنا معه كافة الملفات التي يدور حولها الراهن السياسي، وتطرقنا إلى حياته الشخصية وخرجنا منها بمفاجآت قد تفسر أسئلة كثيرة حول غموض قطبي وحول علاقاته المثيرة للجدل ببعض الشخصيات المهمة على الساحة. وفي ما يلي تفاصيل حوار مختلف مع شخص مؤثر في الأحداث بالسودان. * نريد أن نقف على نشأة قطبي المهدي؟ - أسرتنا من نهر النيل، لكني نشأت في شرق السودان في كسلا، كنت طفلا هادئا ومميزا بالمدرسة، الوالد كان يعمل بالتجارة، وكان يذهب إلى مصر وأريتريا، بعد الحرب العالمية الثانية استقر والدي في مدينة كسلا، ولي أخت واحدة فقط. * والأم؟ - الأم من نهر النيل من أقرباء الوالد، أبي وأمي توفاهما الله، ومازالت تربطني علاقات بنهر النيل، وأمثل الآن دائرة الدامر في المجلس الوطني. * حدثنا عن قطبي المهدي الطفل؟ - ضحك.. نشأت في أسرة ميسورة الحال والحمد لله، زماننا كان فترة استثنائية جدا، فكانت آخر أيام الاستعمار، مازلت أتذكر الحكام الإنجليز في مدينتنا والحركة الوطنية، ووالدي كان مشاركا بها مشاركة كبيرة، كان في الحزب الاتحادي الديمقراطي، وكان الصراع السياسي على أشده قبل الاستقلال في بداية الخمسينيات، وكسلا نفسها كانت مدينة صغيرة، كانت حدودية وشهدت بعض من معارك الحرب العالمية الثانية، وكان بها كثير من الأجانب "هنود ويمنيون وأثيوبيون وأغاريق وشوام وصوماليون ومن القرن الأفريقي وغيرهم"، تربيت في هذا المناخ المسيّس، وكان له تأثير كبير عليّ. * والأسرة الصغيرة؟ - أنا أب لولدين وبنتين. * والمرحلة الثانوية؟ - في المرحلة الثانوية ذهبنا إلى بورتسودان لأنه لم تكن بكسلا مدرسة ثانوية، وكانت نقلة كبيرة بالنسبة لي، المدرسة كانت داخلية، والمدينة كانت حضرية، وهناك تصادف أيام الحكم العسكري الأول أيام حكم الرئيس عبود، ودخلنا في معترك العمل السياسي، وكانت الحركة الطلابية قوية جدا وقتها، الشقاوة بدأت من هناك، فخلفيتي في السياسة كانت كبيرة في كسلا، وبدأت من تلك الفترة النشاط السياسي في الحركة الطلابية، وأتينا إلى الخرطوم والمواجهة مع نظام الرئيس عبود في ثورة أكتوبر، ومنذ وقتها وأنا أمارس السياسة. * متى جندت للحركة الإسلامية؟ - الوالد رغم أنه كان اتحاديا، لكنه كان متأثرا بحركة الإخوان المسلمين في مصر، وكان يحدثنا عنها، لأنه كان يذهب لمصر، وكان يقول لنا إنها حركة اجتماعية، وفي نظره أن الحركات السياسية يجب أن يكون لها بعد اجتماعي، ولا تكون محصورة فقط على الشعارات السياسية، وكان يحكي لنا عن تجربته في مصر وما شهده في تجربة الإخوان المسلمين بها، كان معجبا بها جدا، وأنا تأثرت بهذا الكلام، والمدرسة وقتها كانت تمثل طبقة مستنيرة، والأحزاب كانت تقوم على ولاءات قبلية، فكثير من المتعلمين لم يحبوا الأحزاب وقتها، وجدنا الصراع في المدرسة ليس بين الأحزاب وإنما هو صراع فكري بين الحركة الإسلامية والشيوعيين، وكانت هناك مجموعات أخرى وجوديه وبعثية. * ومن جندك بشكل تنظيمي للحركة؟ - تجندت في المدرسة للحركة الإسلامية، وجندني في ذلك الوقت شخص اسمه عبد الله خلف الله وكان طالبا معنا في المدرسة. * هل زاملت أحدا من مشاهير السياسة الآن بالمدرسة؟ - لا ليس هناك منهم أحد في السياسة، وإنما في الحركة الإسلامية معروفون مثل خالد جاويش، وبروفيسور زكريا بشير إمام وغيرهما لم تسعفني الذاكرة لتذكرهم. * الجامعة كانت بالخرطوم؟ - نعم كانت جامعة الخرطوم كلية القانون، وكان معي المرحوم حافظ الشيخ رئيس القضاء السابق، وعلي عثمان محمد طه، وأحمد إبراهيم الطاهر، وعبد الباسط سبدرات، وإسماعيل الحاج موسى، فضل الله أحمد فضل الله وغيرهم. * حدثنا عن شيخ علي في الجامعة؟ - كان خلفي في الدراسة، وكنت أعرفه منذ المدرسة الثانوية، حيث درس في مدرسة الخرطوم الثانوية القديمة، وكانت بجوار الجامعة، وظل بنفس صفاته لم تتغير نفس الهدوء ونفس الذكاء وكان طالبا متميزا، كان رئيس اتحاد الطلاب وقتها، لم تتغير ملامح شخصيته إلى الآن، كنت أعجب ببعض الجوانب فيه ومازلت، إذ كان يحسب مواقفه بشكل جيد، ويحسب كلماته بشكل جيد، لا ينفعل، وهو إنسان مستقيم. * يتردد أنه كان بينك وبين شيخ علي خلاف منذ ذلك الوقت؟ - كنت رئيس مجلس الطلبة، وهو كان رئيسا لاتحاد الطلبة، وعندما جاء انقلاب نميري حل الاتحاد، وظللنا في الجامعة، وكان بيننا خلاف كبير، فهو يتأثر كثيرا بالآراء الأخرى ومازالت هذه الصفة تلازمه حتى الآن، وأنا أعتبر أن الإنسان الموجود في موقع اتخاذ القرار، يجب أن يكون شجاعا ويقدر الأمور تقديرا صحيحا دون مؤثرات أخرى، ولا يساوم كثيرا، وتكون لديه القدرة على اتخاذ القرار، وظهر هذا الأمر في اتفاقية نيفاشا، كنت أعرف أن المناخ في نيفاشا سيئ جدا، والوفد الحكومي كنت أفاوض معه، كانت كل دول الإيقاد في ذلك الوقت ضدنا بشدة كينياوأثيوبيا ويوغندا وأريتريا، وكانوا لا يخفون تعاطفهم مع التمرد، وكذلك أصدقاء الإيقاد، وكان وفد المتمردين به شخصيات عدائية جدا، فالمناخ كان يحتاج لشخص حاسم جدا وقوي جدا. * معنى ذلك أن شخصية دكتور غازي صلاح الدين كانت الأنسب في نيفاشا؟ - إلى حد (ما)، وعلي عثمان كان غير موفق في نيفاشا، فهو شخص مسالم جدا بطبعه، ويحب أن يصل دائما إلى اتفاق مع الآخرين، أيا كان الثمن، وكان يرى أنه عندما يكون الجو متوترا أسهل حاجة تقديم تنازلات، فقدم تنازلات ثم تنازلات ثم تنازلات، والتمرد استمرأ هذا الوضع بعد ذلك، واستمرت المفاوضات تسعة أشهر، في كل مرة في آخر لحظة يرفضون التوقيع، ويثيرون قضية (ما)، ويتم التنازل مرة أخرى. * مقاطعة.. إلى أن انفصل الجنوب؟ - أومأ برأسه... نعم. * البعض يرى أن خلافك مع شيخ علي ازداد لأنك كنت ترى أنك الأحق بمنصب النائب الأول. بماذا ترد؟ - لا.. أبدا أول حاجة لابد ألا يكبر الناس من هذا الخلاف، هو ليس خلافا بهذا المعنى، نتفق في أشياء كثيرة، فكريا نحن من مدرسة واحدة ويجمعنا تنظيم واحد، وعلاقتنا علاقة عمر، وصلتنا جيدة جدا كمسلمين، هناك علاقة شخصية قوية، الخلاف في معالجته لبعض الأمور بالأسلوب الذي يتناسب مع شخصيته حقيقة، وكان عندي تحفظ على ذلك. * بعد الجامعة هل عملت مباشرة؟ - سافرت خارج السودان؛ سافرت لأثيوبيا حوالي سنة، فأنا في آخر سنة بالجامعة في الامتحان النهائي فصلت من الجامعة، وكان من المفترض أن أعتقل، وذهبت للجزيرة أبا، وحصل الهجوم عليها، وخرجنا إلى أثيوبيا، أيام الزعيم هيلا سلاسي، كنا في الجبهة الوطنية، وكان النظام عسكريا فعملنا بالجبهة الوطنية، وبعدها ذهبت للسعودية، وبعدها إلى الكويت وعملت بها صحفيا من سنة 1970 إلى 1977، وذهبت إلى أمريكا للدراسات العليا. * مقاطعة.. كيف ذلك وأنت لم تكمل السنة النهائية بالجامعة؟ - رجعت إلى الخرطوم في فترة المصالحة الوطنية وسمحوا لي أن أرجع للجامعة، وامتحنت، وعدت للكويت مرة أخرى، لم أمكث كثيرا بأمريكا، وذهبت إلى كندا درست في جامعة تورنتو ثم مونتريال وبعدها رجعت أمريكا، وعملت في بعض الجامعات، وفي الأممالمتحدة، وفي عام 1992 طلب مني أن أعود لأعمل سفيرا بالخارجية، وعملت سفيرا بإيران. * مقاطعة.. لم تحضر ثورة الإنقاذ ولم تشارك فيها؟ - لا لا أبدا. *احك لنا عن فترة عملك وأنت سفير في إيران؟ - ظللت في إيران ثلاث سنوات كانت أصعب ثلاث سنوات، إذ كانت العلاقة صعبة جدا، ولم يكن هناك أساس للعلاقة، بدأت عاطفية بعض الشيء، هناك ثورة إسلامية، ولدينا ثورة إسلامية، ولكن في التعامل بين البلدين لم تكن بيننا أسس تقوم العلاقة عليها ، وإيران كانت في أسوأ أحوالها في ذلك الوقت، بسبب صراعاتهم الداخلية وكانت محاصرة ومدمرة واقتصادها به مشاكل، وحدث إحباط شديد للناس هنا، وعدت للسودان وعينت وزير دولة برئاسة الجمهورية، فكانت فترة بداية علاقتي مع القيادة. * تجربتك في رئاسة جهاز الأمن؟ - كان في هذه الفترة أواخر 96 أوائل 97، كانت فترة صعبة، ولكن في تقديري كنا موفقين فيها؛ لأن العلاقة مع مصر كانت صعبة وكذلك دول الإيقاد، والحرب الأهلية مع المتمردين، فترة صعبة ولكنها كانت موفقة، استطعنا أن نعيد العلاقة مع أثيوبيا، ومع مصر بشكل كبير جدا، فقد كان الجهاز هو الجهة الوحيدة التي كنا نتعامل فيها مع كل الجهات. * مقاطعة.. هل كان لاختيارك لرئاسة الجهاز بعد محاولة اغتيال مبارك دلالة معينة؟ - كانت مقصودة فعلا.. فأنا لم أتم مدتي في طهران، وكانت هناك بوادر الخلاف مع مصر وطلبني الرئيس، وكان مهما جدا بالنسبة للحكومة أن يعبر الجهاز عن سياسة الحكومة، وكنا نذهب إلى مصر وقتها ونلتقي بالقيادة في مصر دون أي مشكلة، والتقينا عمرو موسى وبعدها كانت العلاقات مع الوزارتين، لكن في البداية لم يكن ذلك ممكنا إلا للجهاز فقط. * ووقت المفاصلة؟ - في هذه الفترة أعتقد أنه رغم أن قيادة شيخ حسن كانت قريبة من الحكومة، ولكن بدأ التباين بين القيادتين يظهر، قيادة شعبية حرة في اتخاذ مواقفها، وقيادة رسمية تعطي اعتبارات لأشياء كثيرة، هذا كان جزءا من الخلاف، وبدأت تظهر بوادره، كنت في المكتب القيادي في ذاك الوقت، وكان مكتبا محدودا، وظهر الخلاف، وبعدها بدأ الشيخ توجها سياسيا معينا في السياسة الداخلية، واضح أنه كان جزءا من خارطة طريقه للحسم، فتحدث عن الحرية والانفتاح، واستشف الناس من هذا الحديث أن الشيخ بدأ يتوجس من القيادة العسكرية، والدستور الجديد والذي كان له دور كبير في كتابته أعطاه فرصة في الولايات والمجلس الوطني الذي كان يرأسه، وتهميش الرئاسة شيء، وفي الناحية الثانية لم يعجبها ذلك وحدثت المفاصلة. * هل تحب أن تضيف شيئا أخيرا؟ - نعم أود أن أقول إنني لا أجد مبررا لجمود العلاقة مع مصر بعد 30 يونيو، فهناك توتر، والسودان أعلن موقفه بأن ما يحدث في مصر شأن داخلي، دائما سياستنا وموقفنا الاستراتيجي مع مصر والعلاقة معها كبلد وكشعب يجب أن تكون في أعلى مستوى، وأعتقد أن هناك تحسنا الآن، وبالحوار يمكن أن نمضي فيه، نحن فقط نخشى من المؤثرات الخارجية، لأن دول الجوار مصالحنا معها تقوم على المصالح والأمن المشترك، لكن أحيانا تؤثر المحاور الأجنبية كثيرا في ذلك. * ولكن هناك حديثا بأن هناك قيادات إخوانية في السودان وأن مصر تطالبكم بها؟ - هذا غير صحيح