تدفع الظروف الاقتصادية والاجتماعية، كثيرا من الاهالي الى تزويج بناتهن في سن مبكرة دون التفكير بالفتاة التي يكون عمرها ما بين العاشرة الى الخامسة عشرة سنة، وطموحاتها واحلامها، وبذلك يتسببون - عن قصد او دون قصد- في وأدها دون رحمة ولكن هذه المرة بشكل حديث عما كان يجري في الجاهلية. المنظمة السودانية للبحث والتنمية «سورد» انتبهت مؤخرا لتلك الظاهرة التي لا زالت موجودة في القرن ال 21 وبشكل مخيف في البلاد وفي العاصمة التي جاءها الكثير من الريف، واخذت المنظمة على عاتقها تدشين حملة قومية لانهاء تلك الظاهرة التي لها آثار اقتصادية ونفسية وطبية على الفتيات اللائي يتم تزويجهن في سن مبكرة. وتؤكد الاوراق التي قدمها مختصون في الورشة التي اعدتها منظمة «سورد» وجود دراسات علمية تشير لارتفاع نسبة النساء اللائي يعانين من مشاكل صحية وسط المتزوجات في سن صغيرة مقارنة بمن تزوجن في سن اكبر والمتمثلة في تعقيدات اثناء الولادة المبكرة والولادة الناقصة، وتؤكد الدراسات ان الزواج المبكر يتسبب عادة في ارتفاع ضغط الدم لدى الجنين والحامل او ما يسمى «بالتسمم الحملي» وما يصاحبه من اختلال وظائف اعضاء الجسم التي قد تؤدي الى انفجار الرحم او الحمل العنقودي وضغط العمود الفقري والذي يقود الى آلام مزمنة في الظهر وتوضح الدراسات ان الموت الناجم عن الحمل المبكر يعتبر السبب الرئيسي لوفيات الفتيات ما بين سن الخامسة عشرة والتاسعة عشرة في جميع انحاء العالم. وتشير الدراسات الى ازدياد ظاهرة زواج الاقارب في الزواج المبكر مما يساهم في نقل كثير من الامراض الوراثية. وتشدد على ان استمرار الزواج بالاقارب جيلا بعد جيل يجعل العوامل الوراثية تتجمع اكثر، ومن شأن ذلك التسبب في نقص التفطيم، ومرض الحويصلات المتعددة بالكلية، وامراض عدم اكتمال التكون العظمي والتليف، وضمور عضلات الوجه والكتفين اضافة لامراض الدم الوراثية والتوتر العقلي الخلقي. واكدت الدراسات ان الزواج المبكر للفتيات يؤدي لاصابتهن بمرض الناسور البولي . وتشير الدراسات الخاصة بالآثار النفسية لزواج الصغيرات الى ان زواج القصر يعتبر تعديا حقيقيا على حق الطفلة في اللعب والمتعة والنمو السوي والصحة. واكدت ان القاصر المتزوجة تتعرض لضغوط نفسية متمثلة في عدم الشعور بالامن والعجز عن السيطرة على المصير. وتؤكد الاستاذة سامية رباح في ورقة اعدتها عن قانون الاحوال الشخصية للمسلمين لسنة 1991م والذي يسري منذ ذلك الوقت وحتى الآن بمرسوم جمهوري دون ان يناقش او يجاز من قبل المجلس الوطني تؤكد خلو القانون من تحديد سن الزواج سواء للزوج او الزوجة وتقول «ان كل ما فعله القانون انه منع تزويج الصغيرة التي لم تبلغ سن العاشرة واشترط فيمن تمت العاشرة الا يتم تزويجها الا بواسطة القاضي بعد ثبوت مصلحة راجحة في الزواج بشرطين كفاءة الزوج وان يكون المهر مهر المثل. وترك للصبي الحر الذي بلغ العاشرة من عمره الزواج عبر وليه بعيدا عن المحكمة». واضافت «وهذا يعني ان البلوغ ليس شرطا في الزواج»، واكدت ان القانون لم يعط الصغيرة حق فسخ الزواج عند البلوغ. وذكرت ان السودان الى جانب دولة اخرى هما الوحيدان اللذان لم يحدد قانونهما سنا للزواج، واكدت رباح ان زواج الصغيرات يعد انتهاكا لاتفاقية حقوق الطفل، واشارت الى انه يعتبر اهدار لمبدأ» مصالح الطفل الفضلى»، وطالبت باعادة صياغة قانون الاحوال الشخصية وبتحديد سن للزواج مع استصحاب ما جاء في اقوال الفقهاء ومقارنته بمستجدات العصر وبالقوانين العربية ذات الصلة. ويؤكد الدكتور محمود الزين اختصاصي النساء والتوليد في ورقته حول المضار الصحية لزواج الطفلات ان (25.000) طفلة يتزوجن يومياً في العالم. وذكر ان نسبة زواج الاطفال في السودان حسب الاحصاء السكاني الاخير 2006م بلغت 12.4% لما قبل سن ال 15 سنة و36% ما قبل سن ال 18 ، واشار الى ان النساء المتزوجات الآن في الفترة من (15 - 19) سنة 24.7% ، وحدد د. الزين عواقب زواج الاطفال في الوفاة لا سيما وان هنالك علاقة مباشرة ما بين وفاة الامهات واعمارهن اذ ان نسبة الوفاة خمس مرات اثناء الحمل والولادة بالنسبة لمن تزوج في اعمار (10 - 14) مقارنة مع من تزوجن في سنة (15 - 19) سنة وأكد ان الحوامل الصغيرات اكثر عرضة للاصابة بالملاريا والولادات المبكرة واالاصابة بسرطان عنق الرحم إلى جانب الاصابة بالامراض المنقولة جنسياً كالايدز والسيلان وغيرها، واشار الى انهن اكثر عرضة لنزيف ما بعد الولادة ولامراض الناسور الشرجي وذلك ان هنالك علاقة مباشرة بين المجتمعات التي تمارس الزواج المبكر وتشويه الاعضاء التناسلية للمرأة. وأكد ان هناك تأثيرات نفسية للزواج المبكر لا سيما وانه يشكل عبئا على كاهل الفتاة ووضع سيئ على نفسياتهن وعلاقاتهن الاجتماعية، واشار الى انه يقود لامراض الاكتئاب والاحباط والتمحور حول النفس والذات ، ورسم د. الزين صورة قاتمة لمستقبل الأم الطفلة والمتمثل في اعاقة النمو والتطور واعاقة النمو الاجتماعي واعاقة التعليم وسوء الصحة وعدم التناغم السلوكي. وتشير ورقة خاصة بالآثار الصحية لزواج الطفلات لدراسات تؤكد ان 37.8% من الفتيات الصغيرات لم يكن مهيئات لليلة الزفاف، وان 20% واجهن ضغوطات من عائلة الزوج من أجل الحمل السريع، واوضحت ان نحو 40% من نساء شملتهن دراسة حديثة اكدت انهن لم يكن مرتاحات في زواجهن و40.3% منهن يتعرضن لاعتداءات من ازواجهن، وذكرت الدراسة ان 26.7% من النساء اللاتي شملتهن الدراسة اقررن انهن يتعرضن الى اهانات لفظية واعتداءات جسدية من عائلة الزوج، وان 48.1 يشعرن بالخوف والقلق وانهن مررن بأزمات حادة خلال زواجهن، وأكدت 45.6% من النساء المتزوجات في سن مبكرة انهن يعانين من حالات الاكتئاب والقلق وانعدام الثقة بسبب الزواج المبكر ، وافادت 9.1% منهن انهن فكرن في الانتحار وذكرت 42.6% انهن لا يشعرن بالسعادة ويعانين من عدم التفاهم في الزواج ، عموماً عوامل كثيرة تقود الاسر لتزويج بناتهن في سن مبكرة دون وعي بمخاطر تلك العملية وما تجره من عواقب وتجارب مريرة وترمي بآثارها السالبة على الاسر ذاتها وعلى المجتمع، فالطفلة التي تحرم من حقها في ان تكون طفلة وان تتدرج في مراحل التعليم وتصل لقمم النجاح وجنوح المجتمع لتكبيل المرأة بالمثل القائل «وراء كل رجل عظيم امرأة» والذي يتناقض مع المثل القائل «فاقد الشئ لا يعطيه» ، وكل ذلك ليقصروا دورها في ان تكون «عبدة» لدى الرجل وتدور في دوائر مفرغة. ومسؤولية الدولة ان تسن من القوانين ما يحفظ للطفلة والمرأة حقوقها كاملة ويحميها من المجتمع والرجل اللذين يريدان تكبيلها واظهارها بموقف الأضعف ، وعلى المرأة ان تتمرد على ما فرضه المجتمع من قيود حولها وتقوم بتكسير تلك القيود وتعي جيداً انها والرجل متساويان بل هي تفوق الرجل في التحمل والمسؤولية وتستطيع ان تحكم أمة وتوجهها نحو الأفضل.