قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «النظافة من الإيمان» حديث شريف أيده العلم والعلماء والناس أجمعين عدا قلة شاذة تمسك بزمام الأمور في ولاية نهر النيل وخاصة مدينة عطبرة. قبل مائة وخمسة عشر عاماً أي بالتحديد في عام 1899 دخل القطار ولأول مرة في تاريخ السودان لمدينة عطبرة وكان أول آلة ميكانيكية تدخل السودان، كان وقود القطار من الفحم الحجري الذي يحدث التلوث البيئي بسبب ما يفرزه من دخان، ولكن تلوثاً مثل هذا لم يكن يحدث، فالاحتياطات اللازمة رغم ضعف الإمكانات قبل أكثر من قرن من الزمان. فالقطار الذي يدخل مدينة عطبرة كان يتلألأ في بهاء نظافته، ويقال «ربما كان ذلك مبالغة» أن المفتش الإنجليزي كان يمسح بمنديله الأبيض على القطار وويل للسائق إن اتسخ منديل المفتش الإنجليزي. ذلك المستوى من النظافة لم ينفرد به القطار وحده، بل كان سنة طبقت على كل منزل وشارع في المدينة، فكانت عطبرة نموذجاً للنظافة في كل شيء، حتى إن الحاكم العام كان يطلب الماء العذب النظيف ماء عطبرة ولا يشرب من ماء غيره. فإذا كان الذين لا يؤمنون بوحدانية الله ولا برسالة نبيه الكريم أخذوا بحديثه الكريم «النظافة من الإيمان» وطبقوه واقعاً معاشاً بين الناس فما بال أولئك الذين يرفعون ذات الشعارات نفاقاً ومن ينافق هؤلاء. حث رسول الإنسانية على إماطة الأذى عن الطريق وعدد كم في ذلك من أجر ولكن من يمسك بزمام الأمور في الولاية يسمحون بوضع الأذى على الطريق دون أن يطرف جفن لوالي أو لوزير أو لمعتمد رغم ما في ذلك من خطر مباشر على صحة وسلامة المواطن..؟! وفي كل مرة أزور فيها عطبرة الحبيبة أجدها أكثر سوءاً، كما أجد ذات الذين يمسكون بزمام الأمور في المدينة والولاية صامتون على الحال وقانعون بأن الحال ما كانت لتكون بأحسن مما هي عليه الآن، ولعل ذات الأوساخ على الطرقات تسألهم هل اكتفيتم فيردون عليها وهل من مزيد..؟! عطبرة التي تميزت بالإنتاج وحراك إنتاجها كل السودان فصارت قلبه النابض بالحياة حيث حركت القطارات تحمل الزاد والمؤن في داخل السودان في شكل واردات وإلى ميناء السودان في شكل صادرات، غاب عنها رمزها وبدله هؤلاء بأكوام القمامة والأوساخ التي تجلب الأوبئة والأمراض القاتلة، عطبرة التي نظر إليها كل السودان كرمز أصيل للتواصل الاقتصادي والاجتماعي والثقافي بذلك القطار النظيف والجميل الذي ما رأته عين إلاّ وعبّرت عنه بالسرور الظاهر، والثناء العاطر، كيف لا وقد كان القطار النظيف رمزاً معبراً لعطبرة النظيفة. قبل أكثر من نصف قرن لم تكن في عطبرة ما يعرف بالسايفونات أو الصرف الصحي ورغم ذلك ما كنت تشم رائحة كريهة في الشارع، كان الناس يستحمون وماء الحمام يذهب إلى بالوعة في الشارع ورغم ذلك كان يتم معالجة البالوعة بالمبيدات حتى لا يتوالد الذباب والناموس فيها وكان الجميع حريصين كل الحرص على نظافة البالوعة وما كانت تعرف أمراض كثيرة في ذلك الوقت رغم قلة الإمكانات آنذاك. أما اليوم فلا تستغرب أن تجد السايفونات تفرز الأوساخ على قارعة الطريق مسببة الأذى بالرائحة الكريهة هذا إضافة إلى ما تسببه من أمراض مستعصية. وإذا كانت سياسة الدولة ترمي إلى الخصخصة فتبيع المؤسسات الخاسرة، والتي لم تكن خاسرة إلا بعد أن تولى الجهل أمورها فأدارها، فكيف ستتعامل الدولة مع إدارة ولاية بأكملها..؟! المصنع إن كان فاشلاً فبسبب إدارته فالمصنع ليس له الخيار في أن يخسر أو يكسب فهو مجرد آليات تدار إن أدارها أحد وتبقى هامدة إن لم يقف أمامها أحد. ما الذي يمكن فعله تجاه ولاية نهر النيل ومدينة عطبرة على وجه الخصوص؟! هل يا ترى يسري عليها ما سرى على المصانع والمؤسسات من خصخصة؟! كلا فالولاية ليست مصنعاً ولا مؤسسة يمكن التخلص منها. الحل في تغيير البشر الذين يديرون الولاية هؤلاء هم من يجب التخلص منهم وأستطيع أن أتجرأ وأقول إن التخلص من هؤلاء هو فرض عين، بدءاً بالوالي وحكومته ومعتمديه ومجالسه التشريعية فهؤلاء لا يستطيعون تطبيق أبسط قواعد الإيمان وأسسه.. النظافة، تلك التي أوصانا بها رسولنا الكريم وأهال عليها هؤلاء من الأوساخ ما يُخجل دون أن يطرف لهم جفن. صحيفة الإنتباهة