ظل سعر صرف الدولار لعقد من الزمان ثابتاً، ومن ثم بدأ يتأرجح بالهبوط مقابل الجنيه السوداني. إذ بلغ سعر صرفهما بين «1:2» وذلك حتى أواخر العام 2010م وأصبح يتداول بالبنوك ويتبرج بسوق الخرطوم كسلعة عادية جداً من غير أية مساءلة أو ضغوط من السلطات، ومتوفر بأية كمية يطلبها المواطن لأغراض العلاج بالخارج أو استيراد أية بضاعة، لدرجة يمكنك أن تتعامل به مع أي محل تجاري، سائق تاكسي، خضرجي، ويقوم باستبداله بالجنيه السوداني مقابل تكلفة المعاملة. كموضة السودانيين في محاكاة بعضهم للمحال التجارية، ظهرت موضة الصرافات المالية كنبت شيطاني وبأي معيار اقتصادي لا أدري وبدأت تسحب الدولار أو يضخ إليها بفعل فاعل. وعندها بدأ الدولار في التزايد النسبي من غير أي مبرر اللهم إلا هذه الصرافات التي جعلته سلعة تستطيع أن تضارب في سعره وتكسب من ورائه أرباحاً رخيصة ومضمونة «من غير فك أو تركيب»، ووصل سعره الى «7،2» مقابل الجنيه، وفي بدايات العام 2011م أحست السلطات بخطر ارتفاع الدولار واحتكاره، سواء بالصرافات أوالسوق الموازي وقامت السلطات المختصة بالتدخل وشن حملة على تجار السوق العربي، ظناً منها أن هذه الحملات ستعمل على تراجع سعره ولكن لم تفلح هذه الهجمة غير المدروسة وفي نفس الأسبوع طار إلى «4،3» مقابل الجنيه «وتوالى في طيرانه ولم يعد كالطائرة الماليزية». مع بوادر الاستفتاء لانفصال الجنوب ظهر سيناريو بأن هنالك عملية تهريب وشراء للدولار وتحويله لجنوب السودان، تمهيداً للانفصال وتم التضييق ثانياً على الدولار وقد انعكست حركة هذا التداول والشراء في ارتفاع سعره، وهي في الحقيقة سيناريوهات وهمية مجردة من الفكر الاقتصادي البحت، وإثر توارد هذه المعلومات المغلوطة تم تضييق الخناق على نفس الدولار ومقابل ذلك وفي عملية غبية جداً، ضخ البنك المركزي الدولار لتلك الصرافات التي ذكرناها ليكون تداوله بقنوات رسمية يضمن من خلالها السيطرة عليه «بصراحة الصرافات في الخرطوم بس أكثر من الصرافات بدولة الكويت» ولم يحتمل الدولار كتمة النفس والتنفس الطبعيي الذي اعتاده «وله الحق ما هو دولار عنده حق التعبير وحرية الحركة إقليمياً ودولياً» فقام طار وحصل «4» جنيهات وماشي على «5» جنيهات، وعقب إعلان نتيجة الاستفتاء وإعلان فصل جنوب السودان والذي لم تحسب له الحكومة ظهر سيناريو بأن إيرادات البترول ستنخفض والحل الجذري وغير المدروس اقتصادياً هو زيادة سعر صرف الدولار الجمركي وزيادة رسوم الجمارك لكل الواردات حيث وصلت نسبة «100%» أو تزيد للسيارات وزيادة رسوم المواصفات والمقاييس وضريبة القيمة المضافة حتى تضمن الخزينة العامة إيرادات بأقصر الطرق وأسهلها، وقد تسببت هذه السياسات في تعقيد الوضع الاقتصادي بالبلاد وزادت من حدة معاناة المواطن وأفرزت النتائج التالية: - تدني الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية نتيجة هذه الاجراءات العمياء ومن غير أي مسوغ اقتصادي بعد أن كاد الجنيه يتساوى مع الدولار «طبزتو عينو بيدكم». - غلاء فاحش للأسعار نتيجة ارتفاع سعر الدولار الجمركي، وبديهياً إذا أنا اشتريت الدولار ب«7 ،5» جنيه سأبيع السلعة بأكثر من «7» جنيهات وأضيف ليها رسوم الجمارك وبقية الرسوم المتلتلة كالمواصفات والمقاييس وبالمناسبة «المواصفات والمقاييس هي دفع رسوم فقط من غير أي مقاييس ومعايير جودة للسلع» والدليل واضح في البضائع والسلع الرديئة في الأسواق صنع في «....» والأدهى والأمر ربط غلاء الأسعار بالأزمة العالمية وهذا غير صحيح وللأسف كل أزمات البلاد واشكالياته مصنوعة سواء داخلياً أو خارجياً. - رسوم زيادة الجمارك زادت من حدة ارتفاع الأسعار لثلاثة أو أربعة أضعاف على كل السلع والبضائع وأصبحت الأشياء مسيخة وأضرب مثل برسوم جمارك العربات المبالغ فيها لا يعقل أن تكون أكثر من سعر بلد المنشأ ب« 5» أضعاف مقارنة بالدول المجاورة أفريقية كانت أو عربية والتي تستورد من نفس بلد المنشأ، لا توجد رسوم جمارك تذكر في السعودية وفي الكويت جمارك السيارات «3%» وفي لبنان التي يعتمد اقتصادها على السياحة فقط رسوم جمارك السيارات «10 %» والأمثلة كثيرة. - أما الدولار الذي صنعته تلك السيناريوهات الخيالية والوهمية عادت إليه المضاربات والاتجار فيه بأكثر مما كان وتصاعد سعره ووصل سعره بتاريخ اليوم «3،9» مقابل الجنيه السوداني في السوق الموازي وكلما ضُيق عليه وكتم نفسه زادت الأسعار وغلاء المعيشة وضاقت بالمواطنين الحيرة والتدابير. - صاحبت إغراءات تزايد الدولار في ظهور الغش والخداع المقنن والمنظم بواسطة شركات وأفراد باستحواذ الدولار لاستيراد أدوية وآليات ومعدات وغيرها، وبيعه في السوق بعد إجراء التحويلات وكسب أرباح سريعة خلال «24» ساعة من غير أن تتم أية عملية للغرض الذي بواسطته منحوا الدولار بمنطق «بلاش قراية أم دق». - تسببت هذه الإجراءات في تكاليف مدخلات الانتاج وعمليات التصنيع المحلية وفشل الاستثمارات لعدم استقرار السوق، ولا يستطيع أي منظر اقتصادي التنبؤ بالوضع الاقتصادي وبصراحة الاقتصاد في السودان ماشي بالبركة لا تخطيط ولا يحزنون. - شجعت الزيادة في سعر صرف الدولار في السوق الموازي على انتعاش عمليات تزوير العملات والتهريب. إلى من كل من يمت الى الاقتصاد السوداني بصلة من وزارة المالية والبنك المركزي وغيرها من المؤسسات، أقول ان التهديد بعقوبات رادعة في مواجهة تجار العملة والمضاربين بها ليس هو المعالجة ولن يعمل الى خفض سعر الدولار حتى ولو دخلت البلاد كل ودائع دول الخليج المليارية ما لم تتم المعالجات التالية: أولاً: الرجوع للحق فضيلة وما دامت تلك القرارات المصنوعة لم تحقق نتائجها في رفاهية المواطن ولمدة أربع سنوات قضاها المواطنون عجافاً أرجو ومن غير أي مكابرة الرجوع الى الصواب الاقتصادي رأفة ورحمة بهذا المواطن الذي ذاق مر المعاناة والشكوى من المعالجات الاقتصادية غير المدروسة. ثانياً: الاكتفاء بالايرادات القليلة والتي تعمل على استقرار المعيشة وتحقيق رفاهية المواطن وليس بفرض رسوم وجبايات تملأ الخزينة وتفقر المواطن، أظن وبظهور تنقيب الذهب بطول وعرض البلاد ورفع الدعم عن الوقود وزيادة في الرسامين الأخرى أن عائدها يغطي نسبة «75%» التي فقدتها البلاد من عائدات البترول كما يزعم «إلا إذا كان في الأمر شيء من غتغتة». ثالثاً: الحل الصائب لانخفاض سعر الدولار التلقائي هو عدم التضييق عليه واطلاق سراحه يسرح ويمرح كما كان وأتركوه كباقي السلع الأخرى يباع ويشترى كما وجدناه في كثير من دول العالم التي تشرفنا بزيارتها. رابعاً: مراجعة سعر الدولار الجمركي ورسوم الجمارك الجديدة وتخفيضها لأدنى مستوى لأنها السبب الأساسي في ارتفاع الدولار وغلاء المعيشة المتصاعد، أو بالأحرى إعادة النظر في كل الحزم الاقتصادية التي تمت في العام 2010 2011م «أو التحلل منها». خامساً: النظر في الصرافات بالإلغاء أوالتقليص وهي من أكبر المضاربين في العملات الأجنبية. وأخيراً ستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله.