[email protected] ..اتاحت لنا الظروف سانحة طيبة لدخول مستشفى (الشيخ زايد العسكري) بمدينة ابوظبي، لمراجعة جراحة القلب التقويمية التي اجريناها من قبل لابني الصغير في المانيا، واجراء فحوصات طبية لشخصي انهت نتائجها النظيفة بحمد الله، حالة التوتر وقضت على (الدهدهة) و(ضبانة) الشك التي لازمتنا حينا من الدهر على بعض مشاكلي الصحيّة، وكان دخولنا للمستشفى بمساعدة طبيب سوداني كريم الخلق من أهل مودتنا، لم يدخر وسعا في تسهيل الاجراءات وتجاوز العراقيل لاكمال المهمة بصورة سلسة وسهلة، جزاءه الله عنا خير الجزاء .. وان كنت احس بالالم والاشفاق على مرضانا ال (ليهم الله وعيشة السوق)، كلما رأيت كفاءة طبية سودانية بهذا المستوى الرفيع، مدفوعة ب (العشكبة) والحالة المتردية لحقلنا الطبي التي لا تسر عدو ولا صليح، قبل دافع البحث عن وضع مادي افضل وتأمين المستقبل، نحو الهروب إلى الخارج، حيث تجد تلك الكفاءات مكانتها والتقدير الذي تستحقه، والاهم تجد المعينات والبيئة المهيأة جيدا والتي تعينهم على القيام بواجبهم على اكمل وجه. في غفلة من عين رقيب الصحة ومسئولي وزارتها عبر عقود من الزمان، تحولت العلاقة بين المريض والطبيب السوداني لنوع من علاقة الشحمة بالنار .. ما ان يقتربا من بعضهم البعض حتى تسيح الأولى لتطفي الثانية، وتتطاير رائحة (العترابة) لتملأ الجو، فمع كثرة المعاناة والاهمال والشحططة بين دهاليز المستشفيات، والزحف ضمن صفوف الجالسين في انتظار الدور، يصل المريض لطاولة الطبيب (مستوى) ومشروع شكلة جاهزة (على الهبشة) .. وله العذر، فأهلنا قالوا (كترة البكا بتعلّم النواح)، وقد (كتر) على مرضانا سوء معاملة الطبيب، وسوء حال الطب والتطبيب، فتعلموا النواح والصياح و(المكافتة) كمان !! وليس بالبعيد عن ذاكرتنا، حادثة تعرض طبيبة للضرب ب (بت أم كف) من ابن احدى المريضات، عندما أحس منها شيء من التقاعس وربما الاهمال في التعامل مع (كيس) والدته .. طبعا، لا نعفي الاعلام المقروء والمرئي من جريرة اشعال النيران ومد (المديدة حرقتني) بين الطرفين، وذلك بدأبهم على كشف غطاء الستر عن (عواير) الوسط الطبي، مما كان له عظيم الاثر في تأليب نفوس المرضى ومرافقيهم، فصارت (قشة) التقاعس من الطبيب، قادرة على كسر ظهر بعير صبرهم الذي حمّل عبر السنين بما لا يطيق .. بالمقابل للطبيب أيضا العذر، وهنا يجيب أن نقسّم الاطباء إلى درجات حتى لا نتعامل معهم بسياسة (الرحمة خاصة والشر يعم)، فالطبيب يتخرج وقد امتلأت جوانحه بهواء المثاليات والآمال العراض حد الطيران، وقد انتشى بالكثير من (شكرة الدكترة) وصيت الاسم ووجاهة ال: (ماري بالعنبر وشايل السماعة .. دكترة .. دكترة .. ياخي شغلو كده وأنا ما بقدر). فيلج المجال والمعنويات (فل تانك) .. خاصة الجنس الناعم منهم - الشهادة لله - ففيهن الكثير من الرقة والحنو والاهتمام بالمرضى، فقد تابعت عن قرب في كثير من المناسبات (الهواويس) وهم (يجروا ويعكسوا) تحت وبين اقدام مرضاهم .. بحثا عن سرير في عنبر .. انبوبة اكسجين .. حقنة أو حتى شحدة فحص طبي بالمجان من المعامل الخاصة المجاورة، وذلك من اجل خاطر الغير القادرين على دفع اتعاب الفحوصات الباهظة من مرضاهم وما أكثرهم، ولكن تمر السنوات فتصطدم سفينة آمالهم العراض في خدمة الانسانية المعذبة، بصخرة ال (عين بصيرة واليد قصيرة)، فتتكسر مقاديف همّتهم، وتتخن جلود (محنّتهم) وأحاسيسهم الرقيقة، ويفقدوا الاهتمام والحنان وكل البينا كان، وهكذا عندما يكبروا في المقام، ويكتسبوا شهادات التخصص العليا، مع الخبرة في الحلاقة التي تعلموها على رؤوس أيتام المستشفيات .. يتحولوا لتجار (صنعة) ويتسللوا لواذا من مستشفياتهم الى المستوصفات الخاصة، ومراكز التحصيل في العيادات الخاصة، وحق لها ان تكون مراكز تحصيل، وإلا كيف يستحل (أحدهم) أن يستقبل يوميا ما يزيد عن الثلاثين مريضا مقابل الملايين، ثم (يستخسر) على عيادته زجاجة (ديتول) تعفي انوف زواره من رائحة (الصناحة) المنبعثة من دورة المياه، أو عبوة (بف باف) يعفي بها أقدامهم من دعابات الصراصير و(الجرنبع) الخشنة.. ولنا عودة الرأي العام