حديث المدينة هيكل.. خارج الشبكة..!! عثمان ميرغني أثارت المعلومات التي أدلى بها الأستاذ محمد حسنين هيكل.. في قناة الجزيرة ردود أفعال كثيرة عند السودانيين.. وردّ عليه الكثيرون آخرهم كان بالأمس زميلنا الأستاذ ضياء الدين بلال مدير تحرير الغرّاء صحيفة الرأي العام.. وكان الأستاذ هيكل - الصحفي الأشهر في العالم العربي- أدلى بإفادات تاريخية عن أحداث الجزيرة أبا في السودان والتي حدثت في مارس 1970.. وقال إنَّ الإمام الشهيد الهادي المهدي قُتل مسموماً ب (المانجو) التي قُدّمت إليه.. وقال إنَّ الإمام كان في طريقه إلى كسلا.. بعد هزيمته في المواجهة العسكرية مع نظام الرئيس الأسبق النميري.. ولم يكن خطأ هيكل فقط في سرده لوقائع تاريخية لم تحدث وهي من محض الخيال فحسب.. بل اتضح أنَّ هيكل لا يعرف جغرافية السودان.. فما هي العلاقة بين كسلا والجزيرة أبا؟.. يبدو أنَّ العلاقة بين (المانجو) و(كسلا).. هي وحدها التي أوحت إليه بالرواية التي ذكرها. وخطورة المعلومات التي أدلى بها هيكل في قناة الجزيرة ليست في خطأ المعلومات التي أدلى بها فحسب.. بل في أنه وصم السودان بالصفة الوحيدة التي نحمد الله أنها لا تزال بعيدة عن الممارسة السياسية في السودان.. فرغم أنَّ الصراع السياسي في السودان أحرق معه كثيراً من المصالح المرسلة.. وأنَّ الساسة اختلفوا وتحاربوا وخاضوا الحروب بالسلاح لتسوية خلافاتهم.. لكنَّ الثابت أنَّ السودانيين لم يشهدوا قط عمليات الاغتيال السياسي المُدبرة التي تستهدف شخصاً بعينه.. كانت بوسائل من قبيل دس السُم في الطعام.. على نقيض التاريخ العربي والإسلامي.. الذي شهد في دول كثيرة تبادل التصفيات الجسدية المُدبرة.. والإجهاز على الخصوم السياسيين بمختلف الوسائل.. بل لا تزال واقعة موت المشير عبد الحكيم عامر تُصنّف على أنها تصفية جسدية استُخدم فيها السُم.. بعد خلافه الكبير مع الرئيس جمال عبد الناصر. وفي تقديري أنَّ هيكل بهذه الإفادة نسف بصورة كلِّية ما ظلّ يدلي به من معلومات طوال حلقات برنامج المستمرة.. وكان كثير من المشاهدين– مثلي– ينظرون بإعجاب للأستاذ هيكل وهو يرفد التاريخ بوثائق وتحليل لأحداث وقعت في النصف الثاني من القرن العشرين.. لكن بعد إفادته عن معارك الجزيرة أبا اتضح ضعف الخلفية التاريخية والمعلوماتية التي يعتمد عليها هيكل في برنامجه. ويسري الإحساس بأنَّ هذا الضعف قد ينطبق على بقية المعلومات التي ظلّ يقدمها عن وقائع أخرى في بلاد أخرى.. يبدو أنَّ الصحفي الكبير هيكل بات يعتمد بشكل كلِّي على قوة دفع الإسم الرنّان الذي من فرط قوته في عالم الصحافة كان يقف في مصر كتفاً بكتف مع أرفع القيادات السياسية.. وكان المستشار الخاص المُقرب من الرئيس جمال عبد الناصر.. وافترض أنَّ المُتلقي الذي يستمع إليه يُسلمه بطواعية كامل عقله بلا مراجعة.. لكن، من الصعوبة بمكان بعد هذه الإفادة عن تاريخ الجزيرة أبا أن يأخذ السودانيون ما يقوله هيكل – على الأقل في الشأن السوداني - على محمل الجد.. التيار