السيد الامام والغافلون ومياه النيل الحلقة الرابعة ( 4 – 5 ) ثروت قاسم [email protected] مقدمة : في يوم الاحد 27 يونيو 2010م , قرر السودان تجميد مشاركته في مبادرة حوض نهر النيل , قبل انتهائها فى ديسمبر 2012 ؟ لأن دول المنابع لم توافق علي تضمين نص في الأتفاقية الأطارية يلزمها بعدم المساس بالاستخدامات الحالية وبالحقوق الحالية في مياه نهر النيل , لدولة المصب مصر ودولة المجري السودان ؟ في الحلقة السابقة , عبنا علي نظام الخرطوم أتخاذه هذا القرار النزواتي ! وسقنا بعض الشواهد لتوكيد خطل قرار نظام الخرطوم تجميد مشاركته في مبادرة حوض نهر النيل ! ونواصل في هذه الحلقة أستعراض شواهد أخري في هذا الموضوع : رابعأ : بعكس نظام الخرطوم الذي قرر تجميد مشاركته في مبادرة حوض نهر النيل , فأن النظام المصري كثف من مشاركته في مبادرة حوض نهر النيل ! سافر معالي الدكتور يوسف بطرس غالي , وزير المالية المصري الي كنشاسا , وهو يحمل شرهة مدنكلة لرئيس الكنغو الديقراطية ؟ وسافر اللواء عمر سليمان الي كمبالا لكي يبلبص لرئيس يوغندة لكي لا يضغط علي رئيس بوروندي لكي توقع بوروندي علي الاتفاقية الأطارية . بعد ان تعهد رئيس بوروندي بعدم التوقيع , بعد أن استلم شرهته في القاهرة ؟ ذلك أنه أذا وقعت الكنغو الديمقراطية أو بوروندي , فأن الاتفاقية الأطارية سوف تكون نافذة المفعول , وملزمة لكل دول حوض نهر النيل ؟ كون 6 دول من دول المبادرة تكون قد وقعت عليها ( طبعأ بعد توقيع بوروندي أو الكنغو الديقراطية عليها ؟ ) , وطبعأ بعد أجازة برلمانات ال 6 دول المعنية للاتفاقية ؟ كما يتوجه وزيرا الخارجية المصري أحمد أبو الغيط , والتعاون الدولي فايزة أبو النجا إلى أديس أبابا يوم الثلثاء 6 يوليو 2010 , ينقلان رسالة من الرئيس حسني مبارك إلى رئيس الوزراء الإثيوبي مليس زيناوي , بخصوص تفعيل اتفاقات التعاون المشترك وافتتاح مكتب للبنك الأهلي المصري في اديس ابابا ! لعبة الثلاثة ورقات ملوص المصرية ؟ هنا يكمن الفرق بين العوقة السوداني والفهلوي المصري ؟ وفي هذا السياق , طلبت مصر ( لحسن الحظ بموافقة السودان ) من الاجتماع الوزاري لوزراء الري العرب في الجامعة العربية ( القاهرة , الخميس 1 يوليو 2010 ) , عدم التطرق إلى مشكلة مياه النيل , لان مصر والسودان بصدد العمل على حل هذه المشكلة بين دول حوض النيل ، ثنائيا ! ولكن كيف يتأتي ذلك للسودان , وقد جمد مشاركته في مبادرة حوض نهر النيل ؟ ثم كيف يتأتي للسودان التنسيق مع مصر في ملف حوض نهر النيل , وقد نكش الرئيس البشير مصر ( بورت سودان - الأربعاء 30 يونيو 2010 ) , بأعلانه الهوائي ان حلايب سودانية وستظل سودانية . ..رغم السيادة المصرية الكاملة عليها منذ عام 1992حيث يوجد بها مركز للشرطة المصرية , وسجل مدنى مصري , وسكانها يحملون بطاقات هوية مصرية ؟ نخلص من كل ذلك الي ان قرار نظام الخرطوم تجميد مشاركته في مبادرة حوض نهر النيل , كان نتيجة نزوة غير مدروسة , وعليه يجب الرجوع عنه , وفورأ ؟ خامسأ ً : نقطة الخلاف الحصرية في الاتفاقية الاطارية بين دولة المصب ( مصر) ودولة المجري ( السودان) من جهة , ودول المنابع من الجهة الاخري , هي ان دول المنابع تصر علي تضمين الاتفاقية الاطارية لهذا النص المفتاحي , في أحد بنود الأتفاقية : الالتزام بعدم المساس المؤثر بامن اي دولة من دول الحوض المائي . لاحظ الكلمتين ( اي دولة ) اعلاه ! مما يعني عدم المساس المؤثر بالامن المائي لمصر والسودان . ولكن دولة المصب ( مصر ) ودولة المجري ( السودان ) اصرتا علي عدم تضمين النص اعلاه , وتضمين النص الاتي بدلاً عنه : عدم السماح باي تاثير سالب علي الامن المائي لاية دولة وعدم المساس بالاستخدامات الحالية وبالحقوق الحالية . لاحظ الكلمتين ( وبالحقوق الحالية ) اعلاه ! مما يعني ان حصة مصر الحالية 55،5 مليار متر مكعب في السنة محسوبة عند اسوان , وحصة السودان الحالية 18،5 مليار متر مكعب في السنة محسوبة عند اسوان , لا يمكن المساس بهما , او السحب منهما لمصلحة دول المنابع . الاتفاقية الأطارية لا تحتوي علي أي نص بخصوص أعادة تقسيم مياه نهر النيل . تحتوي فقط , وحصريأ , علي النص المختلف عليه , والمذكور أعلاه , والذي ترفضه مصر وكذلك السودان , رفضأ بأتأ , لدرجة حردان السودان , وتجميده لمشاركته في المبادرة باكملها . مصر ( والسودان ) تريدان ان تحتفظا بالكعكة وتاكلانها ولا تتركان شيئاً لدول المنابع ؟ حسب المفهوم المصري – السوداني , وأصرار دولتي مصر والسودان علي الاحتفاظ ( بالحقوق الحالية) , فأن : واجب دول المنابع هو مد نهر النيل بايراده المائي الطبيعي كل سنة من الامطار الهاطلة في دول المنابع , دون اي تدخل أنساني أو أنشائي ( بناء سدود أو خلافه ؟ ) في التصرفات الطبيعية لروافد نهر النيل , في دول المنابع . واجب دول المنابع هو ان تكون كضل الدليب ... يرمي بعيد حيث لا يجب ان يكون ! اما حقوق دول المنابع في مياه نهر النيل وروافده فهي صفرية ! حسب المفهوم المصري – السوداني ؟ تقول مصر والسودان لدول المنابع : لكم واجبات محددة يجب ان تؤدوها , وهي ضمان السريان الطبيعي لروافد نهر النيل , دون اقامة اي سدود علي هذه الروافد , بغرض اقامة زراعة مروية في بلادكم يمكن أن تؤثر علي الايراد الطبيعي لنهر النيل ! وليس لكم اي حقوق في الايراد الطبيعي السنوي الحالي لنهر النيل (74 مليار وليس 84 مليار كمتوسط عند اسوان تحت السد العالي في القرن العشرين ) . كما قال بذلك الفرعون الاله رمسيس الثاني ؟ الذي لا يعصي أحد له أمرأ ؟ أليس له ملك مصر , وهذه الانهار النيلية تجري من تحته , أفلا تبصرون ؟ سادسأ : الايراد الطبيعي الحالي لنهر النيل للقرن العشرين محسوباً عند اسوان ( تحت السد العالي وبحيرة ناصر ) هو 74 مليار متر مكعب في السنة ! قسمت اتفاقية نوفمبر 1959م بين مصر والسودان هذه الكمية (74 مليار في السنة ) الي قسمين 55،5 مليار لمصر و18،5 مليار للسودان ، ونصت اتفاقية 1959م علي انه في حالة زيادة ايراد نهر النيل الطبيعي الي اكثر من 74 مليار محسوبة عند اسوان مثلاً , حصاد الخيران في اثيوبيا التي لا تصب في روافد النيل , او تجفيف المستنقعات في منطقة السد في جنوب السودان ويوغندا ( حوالي 25 مليار متر مكعب في السنة ) , فان الكمية المحصودة الاضافية والزائدة علي ال 74 مليار اعلاه يتم تقسيمها مناصفة بين مصر والسودان , بعد ان يتم خصم اي كمية , بموافقة مصر والسودان , لصالح دول المنابع . اتفاقية 1959م تفترض ان حتي الكميات الجديدة المحصودة هي ملك خاص لمصر والسودان ؟ ولكن يمكن للدولتين التكرم بمنح دول المنابع جزء من هذه الكمية الاضافية , كهبة مجانية , ويتم تقسيم باقي الكمية الاضافية بالتساوي بين مصر والسودان. هل تقبل دولة جنوب السودان الجديدة بان تجفف مستنقعات السد في جنوب السودان , وتذهب الكمية الاضافية ( حوالي 20 مليار متر في السنة ) لمصر وشمال السودان , بعد خصم جزء منها لدول المنابع كلها ( ثمان دول ) بما فيها دولة جنوب السودان ؟ سوف تقول دول المنابع وخصوصاً دولة جنوب السودان : قسمة ضيزي وتخرج لسانها لدولتي المصب والمجري ؟ هذا قميص عثمان جاهز يرفعه الرئيس سلفاكير ضد مندكورو الشمال ونسمع بعدها دقات طبول الحرب ؟ اين الرئيس سلفاكير من تلك الايام الجميلة , عندما كان يبيع الترماجات للسيد الامام , وتذهب الكنداكة للسجن دفاعاً عن حق تقرير المصير المشؤوم ؟ سابعاً : يجب علي حكومة السودان فك تجميد المشاركة في المبادرة فوراً , والعودة لطاولة المفاوضات , والموافقة علي تغيير الواقع المائي الحالي ( خصوصاً والسودان لا يستهلك كل حصته السنوية من مياه النيل حالياً ) , مع ضمانات فولاذية لمصلحة دولة المصب (مصر) ودولة المجري ( شمال السودان) . اما التمترس وراء ان مياه النيل خط احمر لايجب المساس به , والاصرار علي ابقاء الوضع الحالي كما هو (55،5 مليار لمصر و18،5 مليار لشمال السودان) وصفر لكل دول المنابع الثمانية بما في ذلك دولة جنوب السودان الجديدة ، فان هذا امر غير مقبول , وغير منطقي , وغير واقعي , بل مستحيل , كما يقول السيد الأمام . ثامناً : نعم ...... ذلك امر مستحيل لان أولأ : دول المنابع قد شهدت زيادات كبيرة في السكان , مثلأ : من المتوقع ان يرتفع سكان اثيوبيا من 83 مليون نسمة حالياً الي 150 مليون في ظرف 40 سنة ! وثانيأ : قلة الامطار في العقود الاخيرة , ومنذ أبرام أتفاقية عام 1959م , بسبب التغيرات المناخية ! لهذين السببين , لم تعد الزراعة المطرية كافية لاطعام الاعداد المتزايدة من السكان في دول المنابع ! ولا ترضي هذه الدول لنفسها ان تعيش عالة علي اغاثات الدول المانحة الي ابد الابدين ! ومن ثم الحاجة لبدء الزراعة المروية في دول المنابع , التي تسحب من مياه روافد النيل , السحب الذي يقلل من الايراد السنوي لنهر النيل , محسوباً عند اسوان , لاقل من 74 مليار في السنة ! وبالتالي يقلل من حصتي مصر والسودان في المستقبل ً . تاسعأً : ادلي معالي وزير الري والموارد المائية في مصر محمد نصر الدين علام بهذا التصريح الناري : ( اطلب من المصريين ان يتخلوا عن حضارتهم , وان يذهبوا للعيش في الصحراء ، لانك تحتاج ان تأخذ هذه المياه وتضيفها الي دول اخري ...... لا .... لن يحدث ذلك ! ) ! ومن قال بذلك ايها الوزير المصري , الذي يضع الكلمات في افواه دول منابع النيل ؟ اكرر ان دول منابع النيل قد طلبت تضمين النص ادناه , في الأتفاقية ( النص الذي رفضته مصر رفضاً باتاً ) ! النص الذي يقول : اقرأ معي بعناية من فضلك : (الالتزام بعدم المساس المؤثر بامن اي دولة من دول الحوض المائي ) . واي دولة تعني مصر ايضاً . معالي الوزير المصري يقول المديدة حرقتني ! ويذكرنا بحكاية القط والفار ... القط الذي اكل الفار لانه كتح القط بالتراب في المركب وسط البحر. معالي الوزير المصري يبحث عن قميص عثمان , ليرفعه في وجه دول المنابع ! ولكن رغم كل ذلك , فان مصر لم تجمد مشاركتها في مبادرة حوض النيل , مثل دولة السودان السنية , التي لا تعرف مصالحها , بل تقطم انفها لكي تنتقم من وجهها . قرار حكومة الخرطوم تجميد المشاركة في مبادرة حوض النيل سوف يقلب نعمة النيل الي نقمة , او كما قال السيد الامام ؟ عاشراً : تهدد مصر والسودان بمنع البنك الدولي والصناديق العربية والافريقية بعدم تمويل مشاريع انشائية علي روافد نهر النيل في اي دولة من دول المنابع , دون موافقة مصر والسودان ! ولكن الصين طرشقت هذا التهديد في وجه مصر والسودان ! ومولت بناء سد ضخم علي نهر الامو في اثيوبيا , لتوليد الكهرباء . اذن تهديد مصر والسودان بحجب التمويل عن دول منابع النيل تهديد اجوف , كما برهنت علي ذلك الصين بتمويلها لسد الامو في اثيوبيا , الذي تم افتتاحه الشهر الماضي . أحد عشر : اقترحت اثيوبيا تخزين مياه النيل في احباسه العليا في اثيوبيا , بدلاً عن بحيرة ناصر , لتقليل الفاقد من البخر من بحيرة ناصر , الذي يفوق ال 10 مليار متر مكعب سنوياً ، لارتفاع الحرارة , وكبر مساحة وامتداد البحيرة ( من أكبر البحيرات الغير طبيعية في العالم , بمساحة تفوق ال 5000 كيلومتر مربع ) . زعمت اثيوبيا ان ذلك سوف يوفر اكثر من عشرة مليارات متر مكعب في السنة , يمكن تقسيمها علي كل دول حوض نهر النيل , بما في ذلك مصر ! ولكن مصر رفضت رفضاً باتاً الاقتراح الاثيوبي . أثنا عشر : مصر والسودان حلفاء اليوم في مواجهة دول المنابع ! ولكن , وفقط بعد حين , سوف يبدأ العداء المائي بينهما ً ؟ ذلك ان دولة شمال السودان , هي الدولة الوحيدة في حوض النيل , التي تحتاج مستقبلاً لمياه كثيرة اضافية , لري مشاريعها الزراعية الجديدة , لتامين الامن الغذائي لمواطنيها , وان كانت لا تستهلك حالياً كامل حصتها كما هو مذكور اعلاه . ولكن مصر لا تنوي اثارة هذا الموضوع حالياً , لانها في حلف مائي مع دولة شمال السودان , ضد دول منابع النيل ! ولكن وخصوصاً بعد انفصال جنوب السودان عن شماله , سوف تبدأ المشاكل بين مصر والسودان , بخصوص الانتفاع من مياه النيل ! قنابل موقوتة سوف تنفجر في المستقبل . خصوصأ اذا تذكرنا أن مصر كانت تعارض بأستمرار , تعلية خزان الروصيرص , حتي لا يعمر السودان اراضي زراعية أضافية , ويزيد شبقه للماء , ويقول حرم بعد أن يشم الدم . ثلاثة عشر : بدأت نذر عدم التعاون الفني بين دول المنابع , ودولتي المجري والمصب في عام 2008م , عندما رفضت يوغندا امداد المهندس المصري المقيم في مدينة جنجا ( عند مخرج النيل الابيض من بحيرة فكتوريا ) بالتصرفات اليومية الخارجة من خزان اوين عند مخرج النيل الابيض من بحيرة فكتوريا . هل هذا اول غيث عدم التعاون بين دول المنابع ودولتي المصب والمجري ؟ خاتمة : نتمني علي حكومة الخرطوم الرجوع الفوري عن قرار التجميد , واحتواء الخلاف الحالي , بالاستمرار في اجراء المفاوضات المبصرة مع دول حوض نهر النيل , علي أساس مبدأ لا ضر ولا ضرار ! وضمان معادلة كسبية لكل دولة من دول حوض نهر النيل , بما في ذلك دولة جنوب السودان , التي سوف يقع علي كاهلها تنفيذ معظم , ان لم نقل كل المشاريع المستقبلية لزيادة ايراد نهر النيل , بتجفيف مستنقعات السد في جنوب السودان . بدون ذلك سوف تجد تصريحات معالي وزير الري المصري المذكورة اعلاه , وتجميد السودان مشاركته في مبادرة نهر حوض النيل , صدي سالباً لهما في دول المنابع , خصوصاً دولة جنوب السودان , وتكون نتيجة ذلك : اولاً : انفصال عدائي بين شمال السودان وجنوبه ! وثانياً : يتزايد الاستقطاب , والمواجهات الحالية العدوانية بين دول حوض نهر النيل العظيم , الذي يصير الي نقمة بدلاً من نعمة , والي وعيد بدلا عن وعد ؟ يتبع الحلقة الخامسة