رأي إلى جهات الاختصاص : من يصرع البراءة خذوه واقتلوه! أم سلمة الصادق المهدي في صحيفة «الرأي العام» بتاريخ 19/6/2010 طالعت خبرا كاد أن يخرج عيناي من محجريهما دهشة ثم حسرة ثم تملكني غضب. ولا أقول إن ما حدث لي قد أصاب كل من اضطلع على الخبر ولكني أظن أنه قد فعل بالغالبية العظمى. الخبر الذي اضطلعت عليه فوليت منه رعبا كان الآتي»أصدرت محكمة جنايات حي النصر بمايو برئاسة القاضي أسامة أحمد عبد اللّه حكماً بالسجن لمدة عامين، و(100) جلدة لشاب أُدين بإغتصاب طفل في العاشرة من عمره داخل مسجد بمايو، وتمّت إدانته تحت طائلة المادة (149) من القانون الجنائي (الإغتصاب). وقد كانت حيثيات المحكمة تدور حول ما استمعت اليه محكمة جنايات حي النصر بمايو في يوم 17/6/2010 ، حيث استمعت المحكمة الى اثنين من شهود الاتهام في قضية اغتصاب طفل في السادسة من عمره داخل مسجد بمنطقة (مايو). وافاد الشاهد الأول أنه دخل المسجد في غير وقت الصلاة (لقضاء حاجته) واضاف انه سمع صوت صراخ لطفل صغير صادر من المكان المخصص للصلاة.(جاء عمر الطفل مختلفا في الخبرين لكنها ذات القضية )،وأشار الى ان الباب كان مغلقاً، وعندما زادت الصرخات اقتربت من الباب ومن خلال ثقب صغير موجود بالباب شاهدت المتهم وهو يعتدي على الطفل، فيما اضاف الشاهد الثاني والشاكي في البلاغ ان الشاهد الأول استدعاه ثم ذهبا لتبليغ الشرطة. واثبتت الادلة الأولية وفحص الحمض النووي عملية الاغتصاب، وأقر المتهم في اعترافه للشرطة باستدراجه للصغير واغتصابه مستغلاً علاقته بالمسجد. أي أن الشاب المدان قد فعل تلك الجريمة المركبة (زنا،لواط،الاساءة الى طفل،تدنيس بيت من بيوت الله مستغلا علاقته بالمسجد) وهو في وعيه دون أن يكلفه ذلك سوى مائة جلدة وسنتي سجن! وتلك عقوبة بكل مقياس لا تتناسب مع فعلته النكراء: فقد حطم الطفل المعتدى عليه جسديا ومعنويا بما لا يقاس وتسبب في اهدار كرامته اذ وطئه رغما عنه وآلم أسرته وأذاها بما هو فوق الاحتمال وأساء الى بيت من بيوت الله ومع ذلك كأن شيئا لم يكن. لا أدري شيئا عن القانون ولكني أعتقد أن الفطرة السليمة تجعل من هذا الجرم افسادا في الأرض؟ (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ).المائدة،آية33 . وبسبب جهلي في هذا المجال مع انفعالي الشديد بالخبر فقد ركنت الى ماوس الكمبيوتر تنقلا بين المواقع القانونية والأخرى المتعلقة ولمعرفة الحوادث المشابهة. وقد وجدت معلومات قانونية شكلت الخلفية التي أكتب بها عن هذا الموضوع ولكن من ناحية أخرى فقد أصبت بدرجة من الاحباط وكثير من المعاناة والمرارة مما وجدته من كم هائل من الانتهاكات المماثلة التي لم تجد انصافا، في رأي بل أورثت الضحايا وذويهم حسرة وغضبا. لا شك أن الانسان لا يحتاج أن يكون في قمة الانسانية لكي يتهول من مقدار الوحشية التي يتميز بها بعض بني جلدته من الآدميين . فهذا الطفل ليس وحده .هناك حمادة الذي تحدثت والدته بحرقة واضحة وبعد جهد جهيد ومشقة في التعبير وصفت المأساة التي لحقت بها وبابنها، مشيرة الى عدم قدرة القانون في أخذ حق ابنها وقالت إنها تحركت دون وجود محامٍ لجهلها بأهميته وأخذت تجوب الشوارع حتى ساعات متأخرة من الليل لإثبات حقيقة التحرش الذي تعرض لها ابنها.. ولكن كانت صدمتها في العقوبة أكبر مما تتوقع حيث إنها تمثلت في عقوبة الجلد (40) جلدة والسجن (4) أشهر للمتهم الذي استأنف وخرج بعد شهر وأخذ يطالب بتعويض مادي قدره (50) ألف جنيه بدعوى رد شرف!! وهناك تلك الطفلة ذات الخمسة أعوام والتي فجعت الاوساط السودانية مؤخراٌ بحادثة إغتصابها بواسطة مهندس يعمل بإحدى شركات البناء كان يقوم بأعمال إنشائية في مدرستها ، المحزن ان ذلك المهندس و بعد اعترافه الكامل تم إخلاء سبيله بالضمان لحين البت في القضية. وهناك طفل توتي وعمره ست سنوات وقد أصدرت محكمة الخرطوم شمال برئاسة القاضي محمد المعتز كمال حكماً بالسجن (5) سنوات و(100) جلدة للشاب الذي اغتصبه بمنطقة توتي. وقابل والد الطفل وذووه القرار بالغضب ووصفوه بأنّه لا يتناسب مع الجريمة. وهناك الطفل الذي اغتصبه موظف بعد استدراجه حيث أصدرت محكمة جنايات الخرطوم شمال برئاسة القاضي محمد المعتز كمال حكماً بالسجن لمدة خمس سنوات والجلد 100 جلدة لموظف قام باغتصاب طفل بعد استدراجه . يذكر ان المدان قام باستدراج الطفل لداخل حمام منزلهم ومن ثم قام بإغتصابه حيث شاهده احد الجيران وقام بإبلاغ والدته وبعد القبض على المدان تم فتح بلاغ في مواجهته تحت المادة 149 من القانون الجنائي المتعلقة بالاغتصاب وبالكشف على الطفل اثبت الطبيب واقعة الاغتصاب وبعد اكتمال التحريات تم رفع اوراق البلاغ للمحكمة للفصل فيه وبعد الاستماع لأقوال المتحري والشاكي والشهود وإستجواب المدان ادانت المحكمة بحسب صحيفة الوطن المذكور لمخالفته المادة 149 من القانون الجنائي وأوقعت عليه العقوبة أعلاه . تكفيني تلك النماذج ( برغم عثوري على عشرات غيرها في فترة زمانية قصيرة) عزيزي القاريء للتدليل على ان الاغتصاب يتم بحماية قانونية وأن ما يقابله من عقوبة لا يرقى بحال لما يسببه من ألم وخزي وعار. ولم أجد سوى رائعة د. عبد الرحمن ابراهيم محمد (مصرع البراءة وسقوط الدولة) تعبيرا عما أشعر به من ضيم وللقصيدة بقية أخرى لا تقل ابداعا ولكنا نحجم عن ايرادها كاملة( لنسمح بالتواصل مع القراء) لكنها مبذولة لمن يريد على موقع سودانيز أون لاين الإلكتروني. إمتُزِ قت روحى ألماً ....... إحترق القلبُ ومات ذبُلت كلُ زُهور ِالدنيا ... وبراعِمُها صَدئت سقطت فى رَوث اللعنات ... وفراشُ الروض تقيأ نهرَ صديدٍ ... والطفحُ الآسنُ غمرَ الرَبوات أحسست، وأنا رجل فاق الستين ... بألم الخِنجر ِ مغروساً فى كبدى ... غامت عيناى بماءِ النار فكيف بعُصفورة ِ خمس ٍ ... نهش الذئبُ وديعتها بقر وداعَتها ... أعمَل ساطوراً بدخِيلتها أوجعها ... أدماها ... مز ّقها أتحِسون بألم ِ التمزيق؟ ووجع ِ الروح ِ ونزف ِ «ألآخات»؟ خسف الله به الأرض وسنحاول تهدئة الغضب لنبسط الأمر برمته على طاولة تهتدي بما تحصلت عليه من معلومات قانونية متواضعة ونحاول تقليب الأمر معا حتى يكون النقاش موضوعيا يحاول الاضافة. علينا أن نتسائل أولا لماذا تواضعت المجتمعات الانسانية على أن تجعل لمن يفارق مطلوبات مجتمع ما، عقوبة؟ تواضعت المجتمعات البشرية منذ وجودها الأول على قواعد يحترمها أفرادها وتنقل عبر الأجيال لضمان استمراريتها وبدون ذلك لا يمكن لمجتمع أن تقوم له قائمة . ويعتمد ذلك على عملية التنشئة الاجتماعية لنقل مطلوبات المجتمع لأفراده فتبني الفرد لمطلوبات مجتمعه هي الضامن الأول لاستمرارية أي مجتمع ويساعد في ذلك الدين والمؤسسات التعليمية مثل المدرسة ورقابة المجتمع نفسه والاعلام ثم يحمى كل ذلك بسياج القوانين والتشريعات التي تحمي المجتمع من السلوك المنحرف وقد تسبق العقوبة التي يقررها القانون مراجعات المجتمع مثل الجودية عندنا في السودان.لكن لابد للجريمة من عقاب، والا انهار المجتمع . كما لا بد أن يكون ذلك العقاب متناسبا مع حجم الجرم الذي ارتكب لكي يكون رادعا للمجرم ومنصفا للمعتدى عليه. هذا مبدأ عام في التشريعات سماوية كانت أم وضعية. ولذلك فإن السلوك المنحرف المفارق لمطلوبات المجتمع أو الأديان أو الأعراف يستوجب العقوبة. فالعقوبات ليست عبسا بل هي كوابح تتخذها المجتمعات البشرية ضمن ضوابط أخرى لكي تحافظ بها على بقاء المجتمعات. وفي القوانين الوضعية والمنزلة جميعا يكون ذاك الفهم حاضرا حيث توضع القوانين والتشريعات والعقوبات لمن يخالف ما تواضع عليه الآخرون ابقاء على الحياة واستمراريتها. و جريمة الاغتصاب من الجرائم التي اتفقت كل المجتمعات على تجريمها وتعريفها القانوني بأبسط صوره هو: الاعتداء على شخص بوطئه دون رضاه. و القانون الدولي الإنساني يرى أن الاغتصاب يمثل جريمة عنف من طبيعة جنسية ترتكب ضد الشخص. في الاسلام مثلا وهو دين الفطرة تؤدي العقوبة دورها الهام ضمن خمسة عوامل أخرى تساهم معها في حماية الفضيلة وابادة الرزيلة وهي :الايمان،العبادات،الأخلاق،الرعاية الاجتماعية،الرأي العام(من كتاب العقوبات الشرعية،للصادق المهدي).والغرض من تشريع الأحكام هو الحفاظ على الضروريات الخمس (حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال). ويرى كثير من الفقهاء أن للحاكم المسلم فرض عقوبات تعزيرية لتحقيق مقاصد الشريعة. فان اعتاد شخص هتك الأعراض وترويع الأمن فان له أن يعاقبه متشددا بالعقوبة الى الدرجة التي تقضي على شره. القانون السوداني والاغتصاب: بالرغم من أن السودان قد وقع على اتفاقية حماية الطفل والتي تفرد بابا كاملا عن الاغتصاب الا انه لا يوجد في القانون السوداني تشريع يختص بالاغتصاب. والعقوبة التي تفرض على المغتصبين ضعيفة جدا لا تتعدى المائة جلدة والسجن مدة 4 أشهر ولا تجاوز السنتين حسب المادة 149(قوانين السودان على الانترنت - القانون الجنائي لسنة 1991) وبالمقارنة تصل عقوبة الاغتصاب في فرنسا وانجلترا مثلا الى 61 عاما والسجن المؤبد في الامارات والى 61 عاما مع الأشغال في مصر. عيوب القانون السوداني: عدم تخصيص نصوص خاصة بالاغتصاب(تعامل كأفعال فاحشة)،العقوبة غير رادعة،لا توجد آلية لمتابعة المدانين بالتحرش الجنسي لمحاصرتهم،عدم فصل جريمة الاغتصاب عن الزنا،عدم انشاء نيابات متخصصة لمكافحة الجرائم الجنسية،وعدم توفير حماية للضحايا والشهود وبرنامج المعافاة النفسية للضحية،كلها عيوب لحقت بالقانون السوداني لذلك طالبت تسع من منظمات المجتمع المدني هي(سالمة-حركة تمكين-الألق-المرصد السوداني-مركز الخرطوم- مركز الأمل -جمعية حماية البيئة-متعاونات-سورد) حيث قامت بتدشين عملها تحت مسمى تحالف(149) وهي المادة التي يعاقب به المغتصبون و طالبوا بفصل تعريف جريمة الزنا عن الاغتصاب والمطالبة بأقصى العقوبات على جريمة الاغتصاب وقد أكدت أستاذة سامية الهاشمي ما في القانون الجنائي لسنة 1991 من عيوب لخلطه بين جريمتي الزنا والاغتصاب وتحدثت عن حتمية تغيير قانون اغتصاب الأطفال لكي ما يكون رادعا حتى يستطيع حماية الأطفال.(منتدى السودان الحر في الانترنت) هناك جوانب أخرى بذات الأهمية أوردها أستاذي د.ادريس سالم الحسن مختص علم الاجتماع والانثربولوجيا بجامعة الخرطوم الذي استطلعته صحيفة الحقيقة اليومية في 8/5/2010 وهي أنه يرى أن تفشي الظاهرة لا يرجع الى الحالات الاجتماعية السيئة أوالحرمان الجنسي بدليل أن الاغتصاب يرتكبه ميسورو الحال أيضا وفي الغرب حيث الانفتاح والحريات الجنسية أيضا نجد الاغتصاب يرتكب وفي السودان هو يعتقد أن تفشي الظاهرة يرجع الى التغيرات التي حدثت للمجتمع السوداني وتحوله للفردانية بصورة متزايدة. في السابق كان الشخص يحذر الوقوع في براثن الأفعال الفاضحة خشية من أن يأخذ معه مكانة اسرته قبل نفسه لأن الأسر في السابق كانت تضطرب وتهتزعندما يرتكب واحد من افرادها أي من الجرائم التي تخدش الحياء العام والشرف لكن هذا الشعورأخذ يتناقص ويختفي وإن كان هناك بعض منه الا انه لم يعد فعالاً كما هو الحال في السابق وأضاف ان الشعور بالفردية الذي ظل يتحرك في اوساط المجتمع احدث ثقوباً كثيرة وعميقة.(من تحقيق أجرته جريدة الحقيقة) مما سبق استعراضه فقد تبين أن القانون السوداني يتعامل بتهاون غير مبرر مع المغتصبين لا يتناسب مع الأذى الذي يلحق بضحاياهم و بالمجتمع ولا بد من تغيير ذلك، وهذه الخلاصة توصل اليها التحقيق الذي أجراه الصحفي عبد الله اسماعيل بجريدة الحقيقة أيضا وهوما يؤكده الأستاذ عفيفي ابراهيم نواي المحامي الذي جاء حديثه حازماً متحدثاً عن ضرورة الإسراع الى تغليظ عقوبة الاغتصاب يقصد اغتصاب الأطفال، وأرجع انتشار الظاهرة الى ضعف القانون الذي وصفه وقال (الناس ديل بيعملوا كده لأن القانون ما رادع). واذ نجد أنفسنا من خارج التخصص نشيد أولا بمثل التنادي الذي قامت به منظمات المجتمع المدني المذكورة أعلاه و نستصرخ أهل الكار بهبة لا تراخي فيها لكي يجمعوا المختصين في القانون وعلم النفس السيكولوجي وعلم الاجتماع وأطباء الأطفال وعلماء الدين وكل التخصصات ذات الصلة لتدارس هذا الأمر بحسب درجته من الخطورة للعمل باتجاهين:رفع وعي الأطفال وأسرهم بطرق الحماية والعلاج والخروج بتوصيات محددة ترفع للجهات المختصة اليوم وليس غدا لتضمين القانون السوداني تشريعات رادعة للمعتدين مع تسليط الضوء على من يثبت تورطه وفضحه في كل وسائل الاعلام والا فالكل مهدد بأن براءة أطفاله قد تنهش يوما ما من ذئب يتسكع في الأنحاء بلا وازع ولا رادع والضيم الذي يصيب الضحايا وذويهم قد يدفعهم لأخذ حقهم بأياديهم، ان قصرت مظان العدل من مؤسسات مختصة في الانصاف ،مما يحكم شريعة الغاب ويورثنا الندامة! وسلمتم الصحافة