مفردة اللقاء الجامع ظلت تثير حساسية عند أهل الإنقاذ، وكلما سمعوها تحسسوا مواقفهم ومواقع أقدامهم، خشية أن تكون الدعوة لها ما بعدها، أو الهدف منها نقض غزل الإنقاذ أنكاثاً من بعد قوة، أو استهداف مكامن منعتها وسر صمودها، ولأجل ذلك اتفق أهلها جميعاً في ما مضى على التأبي على الفكرة، ونفض اليد منها، وصم الآذان عنها، وبقدر صدود الإنقاذ وإعراضها عن الدعوة، كان الإمام الصادق المهدي عاضاً على الفكرة، مصمماً على ذيوعها وانتشارها، حتى ظن كثيرون أن الإمام بات عاكفاً عليها، متبتلاً عند محرابها، لا يجد مندوحة عنها، ولا ملجأ إلا إليها. ولأنه مثلما قال الشاعر: أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ومدمن القرع على الأبواب لا بد أن يلجا فقد وجدت دعوة المهدي عند أهل المعارضة هوى، وهوت إليها نفوس كثيرة، ورنت إليها جموع غفيرة، رأت فيها خلاصاً لأهل السودان، ومحاولة لتدارك الثغرات في الاتفاقيات الموقعة والمبرمة، وأمل كثيرون أن ينتهي اللقاء الجامع إلى خيط ناظم ينظم عقد كل هذه الاتفاقيات، ويحيلها إلى فهم مشترك، وإلى تواثق على القضايا الوطنية، وإلى نظرة تجنب الوطن الإحن والشرور وعظائم الأمور، ولكن الإنقاذ كانت ترد دائماً أن اتفاق السلام المبرم نهائي وليس بوسع أحد تعديله إلا باتفاق الشريكين وبإرادتهما الكاملة، والحركة الشعبية نفسها كانت ترى في اللقاء الجامع محاولة للالتفاف على اتفاق السلام ومن ثم الإتيان على بنائه ونقضه من أطرافه. وفي ظل هذه المواقف المستعصية والناشبة، ماتت فكرة اللقاء الجامع وشبعت موتاً، ونسيها الناس، ودخلت أضابير التاريخ، كأكثر الدعوات بريقاً، وأكثرها تجاذباً واختلافاً عليها، واعتبرت في ذمة التاريخ، تذكر حين يرجع لها الباحثون لينظروا كيف أديرت أقدار أهل السودان في مرحلة تاريخية تعتبر هي الأدق والأشق. وظن الناس من بعد انقضاء الانتخابات، والتي تعالت فيها صيحات الاختلافات، وتبودلت فيها الاتهامات، والتي قاطعت غالب الأحزاب فعالياتها، ورفض جميعهم الاعتراف بشرعيتها، ظن الناس أن المفاصلة بين الحاكمين والمعارضين سيمتد أمدها، وستطول فصولها. ولكن لأن الله قد ينعم بالبلوى وإن عظمت، فقد كانت سانحة الاستفتاء التي اقترب أوانها، وحان ميقاتها فرصة لأن يدعو الرئيس البشير مختلف القوى السياسية لملتقى جامع، حدد له السبت القادم، للتفاكر حول نزاهة الاستفتاء وأولوية الوحدة الطوعية. إذن أخيراً وجد أهل السودان قضية يجتمعون عليها، لتوحيد الرؤى حولها، ومثلما قال المهدي فإن الملتقى يوجب المشاركة، من حيث أنه يبتغي نهجاً صحيحاً يحقق نزاهة الاستفتاء، ولترجيح وحد تجنب البلاد تجدد الحرب. ونجد أنفسنا مؤازرين للمهدي في قوله: (هذا موضوع قومي ويجب ألا يخلط بقضايا الخلافات). وليتنا نطور من الفكرة لنبني عليها رؤية وطنية تعبر بنا من ضيق الرؤية الحزبية إلى رحابة التوجه الوطني، لفض مغاليق الاستعصاء الناشب، ولاختراق حالة التباعد الوطني، لنجنب الوطن الانفصال سلساً كان أم دامياً. صحيفة الحقيقة