تراسيم.. ثورة سكينة !! عبد الباقي الظافر هذه الطفلة لم تكن أبدًا شقية.. لم تعبث بالطين كأترابها.. لم تدخل في مشاجرة مع أقرانها.. كل الذي تفعله تختزن كل الأحداث ثم تفرغها في حضرة أُم رءوم .. ولغة الحوار تتقدم خطوة بين الأم الحنون والطفلة النبيهة .. إيماءة بطرف اليد كانت تكفي لتحقيق التفاهم .. خفض الصوت في موضع معين يعني أن هذا الموضوع غيرقابل للتداول في مثل هذه الأجواء. سكينة كبرت واستوت .. أمها تستوعب خصوصية المطب الهوائي .. وتضيف من جرعات الرعاية للبنت الهدية ورضية .. تختار لها فساتينها التي تخبىء المناطق الوعرة .. تتخير لها صديقاتها بعناية فائقة .. حتى المدرسة الثانوية انتقتها الأم بعد تقدير موقف. الأب في حياة الأسرة مجرد مصدر دخل .. يأتي بالماهية ويسلمها يدًا بيد لأم سكينة .. يقف عند الصباح في الطابور مع أبنائه ليستلم المصروف ويمضي لحال سبيله .. لا أحد يدري سر استسلام هذا الأفندي القوي لهذه السيدة الناعمة. سكينة أحبت مادة التاريخ .. وكانت تستشهد بمقولة أستاذ أنور \" التاريخ هو رواية لا تقبل النسخ ولا التغيير\" .. ولكن أم سكينة تستصدر مرسومًا يجعل من ابنتها مهندسة .. ويصعب الطريق على الطالبة ..ويستعصم المطلوب .. وجاء الحل.. دبلوم وسيط في الهندسة التطبيقية .. المهم لقب مهندسة وإن تغير المسار. في سنتها الأخيرة حدثتها أمها عن ابن خالتها الصيدلي طارق .. زادت من معدلات الإطراء على العريس المرتقب .. حتى انعقد حاجبا العروس ولسان حالها يقول \"معقول دا طارق ود خالتي\". الأم والخالة جلستا في اجتماع قمة مشهود .. الشقيقتان رسمتا التفاصيل بدقة متناهية .. لم تتركا شيئًا للصدف .. من قوائم المدعوين إلى أصناف الموائد .. وقوفًا عند الحفل الساهر. طارق من قبل كان يدخل إلى بيت خالته دون أن يضطر إلى النظر إلى المرآة .. أو الطرق على الباب الداخلي .. سكينة لم تتمعن أبدًا في رأس ابن خالتها الأصلع .. ولم يلفت نظرها أن فارس أحلامها بدين .. وأن أمه تحركه ذات اليمين وذات الشمال. أصعب اللحظات للشابة سكينة عندما يمارس إخوتها عادة الانسحاب الجماعي من الصالة .. وذلك لإفساح المجال للخلوة الشرعية بين الخطيبين .. في هذه الدقائق تتلعثم الشابة الجميلة .. ويتصبب العريس عرقًا .. تختفي لغة الكلام ويسود المكان هدوء غريب .. تهزمه العروس باللجوء الاضطراري للمطبخ بذريعة إعداد كوب من الشاي الساخن. كلما اقترب موعد الزواج زاد اغترابها عن العريس .. مشكلتها أنها لم تقل لا أبدًا .. أمها التي تفهمها جيدًا .. طمأنتها بأن هذه المخاوف ستنتهي بنهاية شهر العسل. قبل أسبوع من الزواج حبسوا سكينة في بيت الجيران .. الكل في حالة فرح، وسكينة في ذهول وحيرة .. في اللحظة الحاسمة اتخذت العروس القرار الصعب .. اتجهت صوب النهر واختفت. التيار