كيف لا بنو عُدوان في السعودية والسودان (1) منى عبد الفتاح يدور في الأوساط الإعلامية والرسمية السعودية هذه الأيام جدل واسع حول تصريح لرئيس جمعية حماية المستهلك السعودية جاء فيه: «إن الجمعية تواجه تحدياً في وضع قائمة سوداء لمن يخالفون النظام بغش المستهلكين، وأن الحكومة ترفض ذلك بدعوى أنه يمكن أن يؤثر سلباً في نفسية «قبيلة» المدان بالغش التجاري». والجمعية هي أحد فروع وزارة التجارة والصناعة التي شنّ عدد من الكتّاب المستنيرين عليها حملة ضارية واتهمها كثير منهم بأنها احتوت الجمعية ودجنتها لتصبح بلا رأي أو صفة مستقلة تخول لها الحق في انتقاد ما يجب انتقاده. كان رد وزارة التجارة والصناعة على تصريحات رئيس جمعية حماية المستهلك وما تبعه من جدل: «إن البت في قضايا الغش التجاري والمخالفات التجارية يتم وفق الأنظمة واللوائح دون تمييز بين أفراد المجتمع، وأن العدل والمساواة هي الأساس الذي تعتمد عليه الوزارة في تطبيقها للأنظمة واللوائح التجارية ومنها نظام مكافحة الغش التجاري ونظام العلامات التجارية، وأن الوزارة تعمل بهذا النهج في كافة تعاملاتها وفقاً لتوجيهات حكومة خادم الحرمين الشريفين». قد يكون في تصريح رئيس جمعية حماية المستهلك السعودية بعض الشذوذ عن الخط العام الذي تنتهجه المملكة في الفترة الأخيرة، بالترفع عن القبلية وإعلاء كلمة الوطن عبر برامج تربوية واجتماعية وثقافية عديدة. فإلى عهد قريب كانت العلاقة بين المكون السياسي والقبلي في شبه الجزيرة العربية هي علاقة اندماج بين القبيلة والسلطة على حساب الدولة، وربما رأى نظام الحكم أن هذا الاندماج يشكل عائقاً للانتقال إلى الدولة الحديثة. ورغم تحفظ البعض على هذه التسمية في حالة المملكة فهي تظل شكلاً من أشكال الدولة كنتاج لتوحد عناصر مكوناتها المعروفة. ورغم اتجاه المملكة إلى الانتقال بأفرادها إلى معنى المواطنة فإن التعامل الفردي كما في تصريح رئيس جمعية حماية المستهلك يظهر فيه مزاوجة ما بين القبيلة والسلطة، وذلك لأن الانتماء إلى القبيلة والمنطقة والقرابة يطغى في بعض الحالات على الانتماء إلى المكون السياسي الأكبر (الدولة). وفي السعودية كما في السودان نجد أنه بالرغم من ذوبان القبائل في كيان الدولة، وتلاشي السلطات الاجتماعية للقبيلة نوعاً ما، وخضوع القبيلة ومكوناتها الاجتماعية للدستور والقانون بدلاً من الأعراف القبلية إلا أن تعاطي الدولة مع القبيلة يختلف وفقاً لأمور دقيقة تعتمد على حداثة الدولة وتكوين مجتمعها في مراحل تكونها. ففي السعودية ودول الخليج تستعلي القبيلة بأفرادها في تجاوزات كتمرير الخطأ وتبريره وكسب بعض القوة بالتودد إلى أهل السلطان، وفي السودان كبلد نظن أنه بدأ السير في طريق التعافي من أمراض القبلية منذ زمن بعيد يعمل البعض على موالاة السلطان والتزلف إليه لتقوية سلطة القبيلة التي فقدت شوكتها بسبب الاندماج. وما ورود أسماء القبائل على صدر صفحات الصحف بتولي أحد رجالها وزارة معينة أو مكتب إداري في وزارة ما، وما ظهور إعلانات التهنئة والتعازي ومشاريع التنمية بصيغة قبلية ومناطقية إلا إيقاظ لأخطبوط ذابت أطرافه في كيان الدولة السودانية منذ زمن. وفي حالة السعودية أيضاً نجد أن القبيلة لم تغادر حمى المجتمع السعودي بالرغم من تجاوزها في حالات خاصة كما في تجارب الإرهابيين. وبما أن الأسماء السعودية تنتهي باسم القبيلة دائماً كما هو معروف فإنه يتم نشر أسماء المقبوضين والمطلوبين بالكامل دون اعتبار لعلو اسم قبيلة على الأخرى. أما في حالة السودان فعلى مر التاريخ نجد أن القبيلة لم ترتح إلى السلطة يوماً ولكنها تستفيد أكثر من السلطة الفاسدة لتساندها في تحقيق مآرب ذاتية وتدعمها ضد من يعاديها. ولم يوجد اطمئنان دائم من القبيلة تجاه السلطة، فمرّ الشكوى من عدم تحقيق السلطة لتنمية حقيقية تساعد القبائل المهمشة على التحول إلى مجتمع مدني غير مضطر إلى التمرد ورفع السلاح لنزع حقوقه. الأحداث