بشفافية ضل الدليب حيدر المكاشفي لا مشاحة ولا بأس في أن تنهض همتنا لنجدة أي جارٍ منكوب كما فعلنا أخيراً مع الجارة تشاد حين أحاطتها حكومتنا بكل أسباب العطف والعناية والرعاية الصحية عبر تجهيزات وإمدادات طبية بمبلغ وقدره من العملة الصعبة، وحين هبت لنجدتها عندما دهمتها السيول والأمطار التي ضربت أجزاء واسعة من مناطقها الشمالية فسارعت الحكومة عبر جهات الاختصاص إلى عقد اجتماع عاجل تمخض عن إغاثة عاجلة تحملها على جناح السرعة ثلاث طائرات والبقية تأتي خيام ومواد غذائية وخلافه، ولله في دوله وحكوماته شؤون، فلو أن كارثة السيول هذه كانت قد حدثت لتشاد العام الماضي لكان لسان حال ومقال حكومتنا تجاه هذا الحدث غير اليوم فهي على الأقل إن لم تدعُ عليها بالدمار والتدمير فالمؤكد أنها لن تغيثها بكيلة بلح أو مد شعير، ولكنها تصاريف الأقدار وألاعيب وأعاجيب السياسة التي جمعت الشتيتين بعد ما ظنّا كل الظن أن لا تلاقيا، ولكن مهما يكن الأمر فإن إغاثة الملهوف ونجدة الضايق من القيم الدينية والانسانية الراقية التي لا تفرّق في المصائب والكوارث بين صديق يغاث وعدو لا يغاث فكلهم في نظرها سواء في المصيبة يجب أن يُعانوا - من العون وليس المعاناة - ويغاثوا حتى يتجاوزوا المحنة... ولكن كل المشاحة وكل البأس إذا تم ذلك مع الجار على حساب صاحب الدار الذي يحتاج هو الآخر لمن ينجده ويغيثه من ذات كارثة السيول والأمطار، فشندي وما جاورها ومقاشي وما حاددها والنيل الأبيض وشمال كردفان وأيما بقعة داخل هذا السودان تضررت من الأمطار الكثيفة والسيول الجارفة أحق من أي جار بالعون والنجدة والاغاثة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)، وأهلنا يقولون مصداقاً لقول الرسول (الزيت لو ما كفى ناس البيت يحرم على الجيران)، والحرمة هنا ليست فقط في إهمال القريب والاهتمام بالبعيد بل هي قبل ذلك في التقليل من شأن الكارثة المحلية الوطنية وتسفيهها وترك المتأثرين بها يكابدون بلا مغيث أو نصير إلا من رحم ربي.... والواقع أن تعظيم بعض القضايا الخارجية على حساب ما هو أجلَّ وأخطر منها داخلياً، خصيصة إنقاذية قديمة تم تدشينها إن لم أخطئ التقدير منذ إتاوة البوسنة والهرسك التي فرضت على كل العاملين بالدولة من أعلى رأسها وحتى خفرائها وكانت تخصم (زندية) حتف أنف العامل من كشف المرتبات، ثم دعك من حملات ونفرات التناصر والتآزر والدعم لحركة حماس وأمارة غزة وجمهورية الشيشان التي لم تتوقف ولم تزل تتكرر بين الفينة والأخرى فيما لم يجد المنكوبون والمهلوعون من نساء وأطفال دارفور كلمة حنان أو حتى فتوى من طرف اللسان تواسيهم على المحنة في أشد لحظاتهم حاجة للعون والتضامن ولو بتظاهرة.... الفتاوى تترى والنفرات «تتطاقش» والعون ينهمر والصكوك تتوالى إذا كان الأمر يتعلق بقضية من القضايا الخارجية إياها، وتنزوى الفتاوى والنفير يتحول إلى شخير والعون الوفير يصبح تقتيراً إذا كان الأمر يتعلق بكارثة داخلية محلية، فهل يستقيم الظل والعود أعوج... الصحافة