تراسيم.. منطقة خالية من الأنصار !! عبد الباقي الظافر قررت أن أفطر معه في اليوم الأول من رمضان ..وأنا في الطريق الى داره ..احتلت صورته ذاكرتي ..رجل شديد السمرة ..لحيته بياض يخالطه سواد ..جلبابه الأبيض النظيف لا يفترق عن عمامته التي تتدلى الى الوراء ..وصوته الذي يرتل القرآن ترتيلاً جميلا يترامى الى مسامعي . وصلت الى ديار الحاج فتح الرحمن ..توقعت أن أجده يزين الصف الأمامي في (برش) رمضان ..وحسبت أنه سيجلسني بجانبه .ثم يناوشني في السياسة .. مكانه فراغ عريض ..ولجت إليه بالداخل ..لم يقوى على النهوض من فراشه ..ولكنّه حياني باسمي في صوت خفيض . الحاج فتح الرحمن محمود ..مواطن سوداني عادي ..يحمل قصة تستحق النشر ..هو الأنصاري الوحيد في قريتنا التي دانت بالولاء التاريخي لطائفة الختمية ..قبل أن تتبدل الأيام ..وينشغل السادة بالهجرة البعيدة عن دنيا المريدين ..الحاج فتح الرحمن الذي يحفظ كتاب الله خرج عن المألوف وأصبح حزب أمة ..وتعلق قلبه بالإمام الصادق المهدي واسمى أحد انجاله بالصادق . الفاصل الثاني من حياة الشيخ فتح الرحمن ..أن قلبه تعلق بجوبا ..وفتح فيها متجرًا لسنوات طويلة ..اضطرته الحرب الأهلية للانسحاب شمالا ..وعاد الى قريته (حسينارتي ) ليعمل بالزراعة ..ولكنه لم ينس ابدا أيام جوبا . بالأمس أسلم الحاج فتح الرحمن الروح إلى بارئها ..الإرادة اختارت له شهر رمضان المعظم موعدًا للرحيل .. مات الانصاري الوحيد في حلتنا ..ووحدة حزب الأمة مازالت تراوح مكانها ..بل إن مصادر مطلعة جعلتها من المستحيلات . رحل الحاج فتح الرحمن .وقلبه يحدثه بالعودة الى جوبا .. اختار هذا الموعد كأنه يخشى أن تطالبه السلطات الحكومية بتأشيرة دخول ..إن حن قلبه الى جوبا أو اشتاق الى سوق ملكال . ربما كره الحاج فتح الرحمن أن يستيقظ يوماً ..ويرى ثلث الوطن قد ذهب مع الريح ..بعد أن زور الساسة إرادة الجماهير ..وشقوا الوطن الى بلدين ..ثم جعلوا قيودا تحد من التجوال ما بين الحدود التي صنعوها بأيديهم . أتمنى أن أقف في رمضان المقبل على قبر المواطن فتح الرحمن ..وأهمس في أذنه إن ساستنا خير مما ظننا .. وأخبره بأن كيان الأنصار العظيم أمسى حزبًا كبيرًا ..عاد مادبو بتياره ..ورجع مبارك بإصلاحه ..وتنازل الإمام من الحزب ليصبح ملكًا عامًا ..ثم أرفع صوتي وأبين له أن الانفصاليين ولوا الدبر ..وإن الشمال والجنوب والغرب والشرق هم الآن على قلب رجل واحد . هل سيتركني الساسة أن أحمل هذه البشريات الى عمي الحاج فتح الرحمن وهو يرقد هادئاً في قبره ؟ . التيار