شمشون الجبار...الشريكين التناغم ونظرية هد المعبد تيسير حسن إدريس [email protected] هل كنا طوال الفترة الماضية كقوى معارضة ضحية خديعة كبرى ومسرحية عبثية أحسن تقاسم أدوارها وأداءها الشريكين (المؤتمر الوطني و الحركة الشعبية)؟!! سؤال يفرض نفسه بقوة من واقع الحال (المواقف / الخيارات / الاختلافات الصارخة التي يعقبها دائما وأبدا تناغم واتفاق!!!). لقد بتنا على مرمى حجر من مأساة انحسار وطن المليون ميل وتحوله لوطن لا ندري ما وصفه القادم ومشوار الألف ميل الذي بدأ قبل خمس سنوات بخطوة أسعدت الجميع وكنا نأمل أن نقطعه رملا في سلام نحو تحقيق وحدة وطنية حقيقية تزيل من الأنفس أدران ما علق بها من مظالم تحول ونحن في نهاية الشوط الأخير إلي سباق تتابع محموم قطع نفس خيل الرؤى الوحدوية وأسلمنا بعد التفاؤل والأمل لمشاعر القنوط واليأس والإحباط والحيرة في أمرنا. وإذا أردنا في عجالة أن نحلل مواقف الشريكين (المؤتمر الوطني والحركة الشعبية) وسيكولوجياتهما التي أوصلتنا لهذا المآل وأفضت بنا إلي هذا المستنقع الآسن من سوء الحال ونفور بعضنا عن بعض تاركين جانبا أمر توزيع اللوم واللعنات على الأطراف المختلفة والذي ما عاد يجدي فتيلا ، حيث هانت مواقف الجميع بما فيها قوي المعارضة أحزابا ومنظمات ولم ترتقي بأدائها ومسؤولياتها لمستوى الحدث التاريخي الجلل وفلتت خيوط اللعبة من أيدي الذين كانوا يتصورون واهمين بأنهم المحركون الأساسيون لدمى مسرح العرائس العبثي السوداني (الشريكين وطني وشعبية). لقد تحولوا دون أن يدروا في غفلة منهم ظنوها في حينها (فهلوة) عندما استبعدوا بقية القوى السياسية التاريخية والخبيرة بألاعيب ودهاليز السياسات الدولية وهمشوها وانفردوا بأمر يخص الوطن وشعبه وجعلوه أمر خاصا بهم يحلون ويربطون فيه تبعا لأهوائهم ومصالحهم الذاتية الضيقة أو الحزبية القاصرة ، لقد تحولوا إلي دمى خرقاء تحركها أصابع القوى الخارجية الخفية وتلعب بها كيف تشاء على مسرح المصالح الدولية. إن تهميش الأحزاب التاريخية واستبعادها عن المشاركة في اتفاقية السلام الشامل سحب عنها غطاء الإجماع الوطني واحدث فراغا هائلا في آليات التنفيذ وحرمها من خبرات تلك القوى وتركها عارية رغم موافقة تلك القوى الوطنية عليها مما أحوج الشريكين ودفعهم في المنعطفات التي يحتاجون فيها لتدخل القوى المحايدة لفض الاشتباك حول نقاط الاختلاف لفتح الباب على مصراعيه للقوى الخارجية لتحل محل القوى الوطنية التي غيبوها وتلعب دورها متناسين من فرط ختلهم (أن الجمرة بتحرق الواطيها) وان تلك القوى الخارجية مهما أحسنا الظن بها لن تكن أصدق وأرأف من بني جلدتنا على شعبنا بل سوف تجر جلده عمدا في الشوك ليدمى وهى في تدخلها هذا لا ترجو ثواب من الله بل تبحث عن مصالحها والمكاسب التي سوف تجنيها فقط لا غير. وإذا تأملنا ونظرنا إلي السيكولوجية التي تعامل بها نظام الإنقاذ الشريك الرئيس والمتهم الأول بمحاولة اغتيال الوطن وتفتيته مع سبق الإصرار والترصد نجد أنهم قد سعوا سعى المكب بلا هدي بمجرد أن دانت لهم السلطة المطلقة على البلاد بعملية السطوة الليلية المشؤومة التي سموها (إنقاذ) إلي ترسيخ مفاهيم أجهزت على ما تبقى من نذر الروابط وأواصر الثقة بين مكونات الشعب السوداني خصوصا الإخوة في الجنوب وذلك بطرحهم لمشروعهم الخرافي المسمى (حضاري) وقد أخذتهم العزة بالإثم في أوج انتصارهم فاغمدوا في خاصرة الوطن سيوف بني أمية التي استنهضوها من مراقدها وقبورها وأزالوا عنها الصدأ وشحذوها في وجه شعبنا المأخوذ على حين غرة والمندهش من وحشية هذا العرض الارتدادي لمسرح ظن أن الزمان قد تجاوزه وطوته غابر الحقب ، ليجد نفسه من جديد ورغم عنه كومبارس يتلقى الطعن بالرماح والرشق بالنبال والجز بالسيوف اليمانية في وطن (سخط) بين ليلة وضحى ليضحى مضارب (لبكر وتغلب) تدور في رحاها حرب (البسوس) الضروس. لقد ظن أهل الإنقاذ في أول عهدهم أنهم بتعبئة أبناء الشمال وحشدهم وغسل أفئدتهم وعقولهم بالأحلام المريضة بقيام دولة العروبة الإسلامية و عقد القران بحور الجنان سوف يستطيعون تكرار ما فعله قطاع الطرق وعتاولة المجرمين الانجلوسكسوان بشعب الأرض الجديدة فيبيدون شعب الجنوب عن بكرة أبيه أو يخضعوه ذليلا يدفع الجزية صاغرا لدولة الخلافة السودانية ويعيش منبوذا في مضاربها نصف مواطن من الدرجة الثانية أو (الطيش) لا يهم المهم نفاذ المشروع (ألاحتقاري) مهما كان الثمن ولو أورثنا كل هذا الهم والغم الذي نحن فيه. ولكن أتت رياح حرب (بسوسهم) بما لا تشتهي الأنفس وارتدت سهام غدرهم إلي نحورهم واستجاب المولى عز وجل لدعاء الأرامل الثكلى والأيتام القصر والأمهات والآباء المكلومين في فلذات أكبادهم الذين غرر بهم ودفعوا زرافات إلي محرقة حرب الجنوب وقدموا قرابين في مذابح آلهة الجشع من أجل نيل البركات لنجاح (المشروع الحضاري) ذلك الحمل الكاذب . كان دعاء غالب أهل السودان المعذبون في ديارهم (اللهم دمر الظالمين بالظالمين وأخرجنا من بينهم سالمين) فوقعت يا سبحان الله المفاصلة بين شيخ قضى وأفنى عمره يعلم تلاميذه وحوارييه (بأن شهوة السلطان أقوى وأبقى من شهوة الفرج والمصران) وبين صبيته والغلمان من تلاميذه وحوارييه الذين استوعبوا الدرس واشتدت سواعدهم فرموه وتركوه (يضرب أخماسا في أسداسا) حيران. كانت تلك المفاصلة رحمة الله التي حلت وأنقذت بقية شباب امتنا من المحرقة حيث زعزعت استقرار النظام وحدت من صلفه ودفعته مجبرا للبحث عن السلام ووقف الحرب (الجهادية) المزعومة على شعب الجنوب!!! لقد وعوا أخيرا أن زمن الفتوحات قد ولى إلي غير رجعة وأن مستنقعات الجنوب وأدغاله قادرة على أن تبتلعهم بأحلامهم المريضة ومشاريعهم المدمرة فجنحوا للسلم مجبرين بغير صادق نية ، وهم مشروعهم الحضاري المحتضر يقض مضاجعهم ويثقل ضمائرهم لذلك نجدهم في غمرة بحثهم عن المعادل النفسي المفقود ما بين الحلم والواقع اضمروا كثيرا من الشرور لشعبنا وأضلهم وسواسهم فباتوا يعلنوا غير ما يبطنوا في انتظار ما سوف تسفر عنه الأيام يخاطبون الناس جهرا بلسان ويضمرون غير ما يعلنون فلم يطابق قولهم الحسن أبدا فعلهم القبيح . نجدهم يتباكون عبر المنابر على الوحدة ويتبارون في طرح كيفية العمل على جعلها جاذبة ويبدعون في خداع الأمة لدرجة ذرف الدمع مدرارا أمام الجموع حال التماسيح وهي تستمتع بالتهام الفرائس في حين يضربون أسس الوحدة تحت الحزام في مقتل برفضهم لقضايا التحول الديمقراطي وإزالة القوانين المقيدة للحريات المتفق عليها بل يصرون على بعث مشروعهم (ألاحتقاري) المدمر ونفخ الروح فيه من جديد ليتمدد ويتطاول سدا وجدار فصلا عنصري وعقائدي عتيد شادوه من زبر الحديد وافرغوا عليه قطرا حتى لا تستطيع القوى السياسية المعارضة ومهما أوتيت من قوة له نقبا تمهيدا لفصل هذا الجزء المتمرد الرافض للخضوع والمعطل لمسيرة تنفيذ مشروعهم الحضاري وقيام دولة الخلافة السودانية. أن دهاقنة نظام الإنقاذ ومنذ توقيعهم مجبرين على اتفاقية (نيفاشا) للسلام الشامل كانوا قد وطنوا النفس واستقر رأيهم على أن (أخر العلاج ليس الكي بل البتر!!) لذلك نجدهم قد عملوا من أجل تنفيذ هذا الهدف جل جهدهم سرا وجهرا وهيئوا الوطن والمواطن المغيب لقبول ذلك رغم دموع التماسيح المذروفة إلا أن تصريحاتهم المنفلتة لوسائل الإعلام من حينا لآخر تفضح حقيقة أمرهم. ولقد فتحت شهيتهم أكثر لهذا المسعى الآثم عندما تطابقت مصالح قوى الاستعمار الحديث مع مصالحهم الرامية لفصل الجنوب ونجحت تلك القوى في الإيحاء إليهم بحسن سعيهم وتدبيرهم عبر المبعوث الأمريكي أسكوت غريشن الذي وبلا ادني حياء قد حرر شهادة مصداقية لانتخابات (الخج) المضروبة مصحوبة بتعهدات وتطمينات قاطعة للرئيس البشير أن لا خوفا عليه ولا هو يحزن من أمر القبض الصادر ضده من المحكمة الدولية وعلى السيد لويس اوكامبو المدعي العام لتلك المحكمة أن (يبله ويشرب مويته) حتى إشعار أخر !! يعني حتى 9 يناير 2011 م ومن بعد ذلك لكل مقاما مقال!!!. طرب رجال الإنقاذ الأشاوس ورقصت قلوبهم فرحا لهذا الغزل الفاضح من قبل البيت الأبيض والقوى الغربية وعميت البصائر وغمت الأبصار عن أن ترى حقيقة الأمر (فالغرقان بتعلق بقشة) ولو كانت تلك القشة التي سوف تقسم ظهر الوطن!!! لقد ظنوا بأن تطابق أجندتهم مع القوى الخارجية (أمريكا والدول الأوربية) سوف يوفر لهم ملاذا آمنا من تحرشات محكمة الجنايات الدولية ومخرجا من (زنقتهم) الداخلية ولو عبر صفقة بائسة تعطي قوى الاستعمار الحديث ما يريد ويطلب من فصلا للجنوب وتأسيسا لدويلة مسيحية موالية له تمثل حائط صد يحد ويمنع تمدد الثقافة العربية والإسلامية جنوبا داخل العمق الإفريقي ، وتصبح موطئ قدم وقاعدة متقدمة يستطيع من خلالها أن يخنق دول مجرى ومصب نهر النيل أذا ما فكرت في يوم من الأيام أن تشق عصا الطاعة وأيضا يضمن تواجده المسبق على مجرى النهر العظيم أذا ما اندلعت (حرب المياه) المتوقعة. لقد ارتكب رجالات الإنقاذ إثم الظن حينما زين لهم شيطان جشعهم وضيق أفقهم بأن السير في ركاب الأجندة الخارجية سوف يقيل عثراتهم ويعصمهم من الطوفان القادم بعد إكمال مهمة فصل الجنوب الانتحارية ولكن المتأمل للتصريحات المنطلقة من تحت قبة البيت الأبيض الأمريكي الذي أدمنوا الطواف حوله مباشرة أو عبر وكيل طوال عقدي حكمهم يلحظ ويقرأ فيها غير ما تعشم وأراد الإنقاذيون لقد خاب فالهم وبارت تجارتهم ولم ولن يجنوا سوى مزيدا من إراقة ماء الوجه والانبطاح المذل المخجل برغم زبد الشعارات المجلجلة (بدنو عذاب تلك القوى) الذي ارق منامنا وذهب جفاء، سوف تظل تلك القوى اللعينة تلاعبهم لعبة (القط والفأر) وتدغدغ أحلام (زلوط) في دواخلهم إلي أن يحين الميقات المقدس لعملية بتر اليد اليسرى للوطن ليصير أكتع ويزداد ضعفا وهوانا على ما هو عليه تلبية لرغباتهم المريضة وجشعهم في الاحتفاظ بالثروة والسلطة وإقصاء الآخرين. أن جهابذة الإنقاذ يعلمون علم اليقين أن شهر عسلهم مع قوى الاستكبار العالمي محدود الأجل ومرتبط بتاريخ الاستفتاء وبإنجاز مهمتهم الانتحارية ورغم عن ذلك يغالطون النفس ومنطق المصالح في السياسة الدولية ولا يريدون أن يقروا ويعترفوا بهذا الواقع المر هربا ودفنا للرأس في رمال (عسى ولعله)، أن كل القراءات السياسية المنطقية تدل على أن قوى الاستكبار العالمي سوف تقلب لهم ظهر المجن بمجرد انفضاض سامر حفل أعلن دويلة (النيل) القادمة ومن بعد سوف يرون من أمرها عجبا !! ولا ادري حينها أي منقلبا ينقلبون وقد حرقوا مراكبهم مع كافة القوى السياسية الوطنية وأذاقوها الأمرين طوال عقدين من الزمان. إذا ماذا تبقى لجماعة الإنقاذ وقد بلغوا نهاية الشوط وضلوا السبيل إلي (الميس)؟؟ والمراكب أحرقت وطرق العودة سدة ودونها ركام المواجع والمآسي التي تسببوا فيها وكبائر الآثام التي اقترفوها جبالا متطاولة شوامخ ؟؟ لعمري لم يتبقى أمامهم سوى المراهنة الخاسرة على القاعدة المقدسة لجميع الطغاة والجبابرة تاريخيا من عهد (نيرون) حارق روما إلي (هتلر) مدمر ألمانيا الحديثة وهي (هد المعبد) وفقا لنظرية (شمشون) الجبار (على وعلى أعدائي) لعل من رحم دمار المعبد (السودان) تتولد المخارج أما هربا إلي الخارج أو إعادة لإنتاج الذات في فوضى الدمار الشامل الذي لن يترك لذوي العقول فرصة لتدبر الأمر والبت فيه بما يصلح أمر الأمة... نعم يومئذ يموج البعض في البعض ويختلط الحابل بالنبال ويصعب فرز (الكيمان) وهذا هو بالضبط رهان رجال الإنقاذ الأخير والجدار المتداعي الذي يستندون إليه أملا في أن يستمرون في الحكم أو يسلموا الوطن للطوفان. أما الشريك الثاني الذي تحالفت معه قوى المعارضة وراهنت على مواقفه المعلنة فلقد رأينا بعد رحيل الزعيم جون قرنق من أمره عجبا ، لقد اكتست مواقفه التي كانت واضحة ساطعة ضبابا رماديا واكتسبت ملمسا زئبقيا يصعب الوقف عليه أو الإمساك به فهم من ناحية مبدئية يطرحون برنامج (السودان الجديد) الوحدوي على أسس جديدة ، وفي أحاديثهم وتصريحات قادتهم منقسمين قسما يبشر بالوحدة (ياسر عرمان ومجموعة قطاع الشمال) وقسما آخر أعلنها واضحة صريحة بأن قطار الانفصال قد أنطلق وليس في الإمكان إيقافه (باقان اموم وازكيل جاتكوث)!!!. أن واقع الحال أذا ما تركنا جانبا ألاعيب التصريحات السياسية والتي عادة ما يحملها الهواء وتطلق للاستهلاك والمجاملة والتجمل يرجح موقف تيار الانفصال والذي تطابق أقواله الأفعال فهم واقعيا ومنذ غياب أو تغيب !! الزعيم الراحل قرنق قد بدوا تدريجيا في التنصل عن التزاماتهم تجاه التعهدات والتفاهمات التي تمت مع قوى المعارضة الشمالية وانكفئوا على ذاتهم وانشغلوا عن قضايا الوطن الكبير بوضع حجر الأساس لدولتهم المنتظر ولادتها قيصريا (بفتح البطن) في مطلع يناير 2011م ، وبدل أن يعملوا مع بقية قوى المعارضة بالضغط على نظام الإنقاذ من أجل إحداث التحولات اللازمة لوضع الأسس الجديد التي ينادي بها برنامجهم لجعل الوحدة جاذبة وممكنة (أم تراهم قد ظنوا أن نظام الإنقاذ سوف يقدم لهم تلك الأسس طوعا على طبق من فضة؟!!) اكتفوا ببعض المشاكسات والمناكفات التي أضاعت الوقت ولم تفد أو تضيف للساحة السياسية السودانية المأزومة غير مزيدا من الأزمات في تكتيك واضح للتمويه على القضايا التي تهم كافة شعب السودان وتركها معلقة تراوح مكانها كسبا للوقت في تطابق وتناغم عجيب مع نهج جماعة الإنقاذ المتبع طوال فترة حكمهم الشيء الذي يثير في النفس الدهشة ويدفعنا للتساؤل الذي طرحنه في صدر هذا المقال. كما أن تسير المواكب والمظاهرات واستخدام كافة وسائل الضغط على النظام عندما يكون المطلب والحق يخص شعب الجنوب والتعامل في نفس الوقت ببرود وعدم اكتراث مع المطالب والأمور التي تمس وتخص شعب السودان قاطبة شيء مربك ومحزن ويدعو للشك والحسرة ولا بد أن يدفع في نهاية الأمر قوى المعارضة إلى مراجعة النفس وإعادة النظر في مجمل استراتجيات ومواقف الحركة الشعبية. أن ممارسة (الفرجة) على النظام الذي هم شركاء فيه وهو يزداد تعنتا وشراسة وتنكيلا بخصومه السياسيين والذين هم في الأساس حلفاء الحركة الشعبية في التجمع الوطني الديمقراطي وتربطهم ومواثيق وعهود أمر يدعو للاستغراب (مش كده وللا كيف؟!!!). لقد كان لسان حال الإخوة ورفاق النضال في الحركة الشعبية وهم يمارسون (الفرجة) ونظام الإنقاذ يمارس صنوف قمعه على حلفاءهم يقول (ذوقوا من نفس الكأس الذي تجرعناها لعقود) لقد استسلم الرفاق وخضعوا تماما لنفسية (الشامت) ولا داعي للتعب فقد نالوا ما أرادوا من سلطة وثروة وليخلع أهل الشمال شوكهم بأيديهم (هذا الأمر كان واضح في إضراب أطباء السودان الأخير ووزيرة الصحة ترى كل ذلك الحيف يقع على عاتق الأطباء ولا تحرك ساكنا وهي من قيادات الحركة الشعبية!!!). لقد تمكنت للأسف في دواخل كثيرا من قيادات الحركة الشعبية روح (التشفي) وبدلا عن إقصاء صور الماضي الأليم وتحييدها بالسمو فوق الجراح ومحاولة التصالح مع الذات والآخر إيذانا بالشفاء من تلك النوازع هاهي تستدعى من جديد لتمتلك الوجدان والحواس وتفيض معبرة عن عمقها بأشكال عدة أكثرها تجليا حشود الأربعاء الصاخبة من كل أسبوع المنادية جهارا نهارا ورغم أنف (مشاكوس الإطاري) واتفاقية (نيفاشا) للسلام الدائم بضرورة الانفصال عن الشمال عبر شعارات أقل ما يمكن أن توصف بها أنها (عدائية) ، أن من حق أي فرد أو مجموعة أفراد أو شعب بأكمله أن يعبر عن رأيه ولكن طرق التعبير مهما اختلافنا لابد أن تنحوا منحى حضاريا يتجنب استفزاز الآخر ومخاطبة واستثارت المشاعر الإنسانية الدنيا. من الواضح أن بعض من قيادات الحركة الشعبية قد سقطت نتيجة لأسباب ذاتية بحته صريعة لهوى النفس فأثرت تصفية الحساب مع إنسان الشمال بدلا عن السمو بأخلاق الثوار والعلو فوق الجراح وكبح نوازع الشر الداخلي وممارسة الغفران باعتباره من القيم الإنسانية الراقية والعليا التي لا يستطيع التخلق بها إلا أولي العزم من الرجال أن إظهار مشاعر (الشماتة) وروح (التشفي) ليس من صفات الإنسان السوي في شيء ناهيك عن المناضلين والثوار. عموما لم تستطيع تلك القيادات إلى اليوم الفكاك من عقد الماضي الأليم فظلت نظرتهم لإنسان الشمال قاصرة تضع الحليف والعدو في كفة واحدة. لقد غاب عن فطنة قيادات الحركة الشعبية أن قيام دولة الجنوب المجاورة لنظام الإنقاذ بمشروعه المعروف سلفا سوف يجعل منها رهين المحبسين (شراسة برنامج الجار الشمالي وابتزاز وطمع قوى الاستعمار الحديث) وكلا الخيارين علقم لو أمعنوا النظر جيدا وأرجعوه كرتين لذلك ندعوهم صادقين إلى ضرورة تجريد النفس من الهوى وتحمل مسئولياتهم التاريخية كاملة تجاه الوطن الكبير السودان ولا داعي لقتل الناطور بعد أن أكلوا العنب حتى الشبع. تيسير حسن إدريس 22/08/2010م