هل هدّد أنشيلوتي البرازيل رفضاً لتسريبات "محرجة" لريال مدريد؟    "من الجنسيتين البنجلاديشية والسودانية" .. القبض على (5) مقيمين في خميس مشيط لارتكابهم عمليات نصب واحتيال – صورة    دبابيس ودالشريف    "نسبة التدمير والخراب 80%".. لجنة معاينة مباني وزارة الخارجية تكمل أعمالها وترفع تقريرها    التراخي والتماهي مع الخونة والعملاء شجّع عدداً منهم للعبور الآمن حتي عمق غرب ولاية كردفان وشاركوا في استباحة مدينة النهود    وزير التربية ب(النيل الأبيض) يقدم التهنئة لأسرة مدرسة الجديدة بنات وإحراز الطالبة فاطمة نور الدائم 96% ضمن أوائل الشهادة السودانية    النهود…شنب نمر    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    "المركز الثالث".. دي بروين ينجو بمانشستر سيتي من كمين وولفرهامبتون    منتخب الضعين شمال يودع بطولة الصداقة للمحليات    ندوة الشيوعي    الإعيسر: قادة المليشيا المتمردة ومنتسبوها والدول التي دعمتها سينالون أشد العقاب    د. عبد اللطيف البوني يكتب: لا هذا ولا ذاك    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    المرة الثالثة.. نصف النهائي الآسيوي يعاند النصر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أم درمان... باريس أم درمان
نشر في الراكوبة يوم 28 - 08 - 2010


ملاحظات
أم درمان... باريس أم درمان
رهق المعرفة..... لذاذات الحوار ونشيج الحروف
د. بركات موسي الحواتي
(1)
للمعرفة رهق وجَّاع يصح معه ان يستريح العقل ليستعيد صحو نضارته ومضاء تأمله وقوة تدبره واذا كان بعض القول او السرد المقبول مدخلا، لرضاء النفس والروح ابتعادا عن كدر المبالغة والاستخلاص والاستنتاج، فإن بعض لذاذات الحوار في باريس (3791 - 9791م) تبدو في ندى الحلم الممراح: باريس، دار فكر معروف في التاريخ، وقد وشج هذا الاخير، احداثها بمحطات كبار في مسيرة البشر، فكان في صراعات الاقطاع والنبلاء والكنيسة قبس الثورة التي مهرت ليلها ونهارها، كلمات ناصعات، وافعال من التوتر الدامي، فاقتنص افرادها بعضهم بعضا باسم الفكر: حملت باريس في رحمها الثورة وضدها والعلم وضده والنور وضده وعلى الرغم من كل ذلك، ظل نور العقل في ارجائها وجنباتها يبدد الجهل ويرفض الفقر وينادي بالحرية والديمقراطية والمساواة كما حاكم نورها كل تجاوزات عسكرها في جزر المارتنيك وغيرها من الجزر وفي براري افريقيا وسواحلها سواء في تونس او في الجزائر او تشاد، ولم تخل (كندا) من وقائع ذلك النور وتداعياته، على الرغم من استيطان ثقافي له علم مرفوع ا وبدلات زرقاء وان وبعضة انجم على كتوف امتهنت المواجهة والصدام، ولباريس في (الياذة هوميروس) غناء وأناشيد وهي ذات التي وطئتها فيما بعد اقدام اقوام كان من بينهم شباب من السودان خالفوا سنتي الانجلوساكسون، فعبروا المانش اليها، بعقل يهفو الى صفاء عطائها وينقرا نقرا على بعض نارها الهوجاء في أزقة اللاتيني وحواري المونمارت، وبعض زوايا اخرى يكتنفها الضياع وخدر التطلع.. واللامعقول!!
(2)
(القهاوى) في باريس بعض أهم معالم نورها ففي جنبات الشوارع ترقد كالسنة، تمتد وهجاً وتفح لهيباً او ربما سعارا وفي كل الاحوال تنبض شرايينها بالحياة ويدخل صدرك من خلالها رائحة التبغ الفرجيني الفاخر او الكوبي الرخيص، ولكل نكهة، تمتزج مع روائح النبيذ النفاذة، وانت تجلس لتحتسي فنجاناً من القهوة ذات الرغوة التي تداعب عينيك، باختفاء حويصلاتها الصغيرة سراعا ولتسمع اذنيك على تفاوت المسافات، وزقرقة عصافير تتمطى مخارج الحروف فيها.. حتى ليكون بعض نشيج او بكاء هامس: وبين هذا وذاك ترتاح الى يقتحم مسامعك اقتحاماً الافارقة، اسياد موقف في قهاوي الحي اللاتيني يحملون بين ايديهم بعض كتب ثورة جيفارا ومعركة خليج الخنازير، ويتابعون في قلق الصراع في آسيا وفي افريقيا وبعض عرب ينظرون في وله ولهفة الى رشاقة خطو بنات باريس ولا يألون جهدا في حروف عاجزات لا تكاد تعبر عما يجيش بالنفس من غلو الكبت، اما أهل باريس من نبلاء وارستقراطي الحي السادس او الخامس فان ملامحهم تبدو هادئة مستقرة، يداعبون كلابهم الصغيرة، في ود غريب وكنا نسأل ا في صمت اولاً وفي غضب ثانياً، كيف لا يجد الفقراء من أهل هذا المجتمع تلك المعاملة ولموثبارناس والشانزليزيه سبق في اناقة تلك القهاوى ورشاقة خدماتها، ونوعية الموجود فيها ولقد اشتهرت (الدوم كافيه) في مونبارناس حيث ظل يجلس الى مقاعدها جان بول سارتر وسيمون دي بفوار. (لباريس) مجتمعها المتعدد الثقافات والاعراق وهي مفتوحة وبنهم سواء في نورها ووهجها او نيرانها وصهد انفاسها، وكغيرها من المدن تزدان كبرياء.. وتتداعى سقوطا.
ولقد عرفت في (رين) مقهى اعمال من المهاجرين الاسبان اسمه (ميستير) حافل بلكنات غربية وهناك مقهى آخر اسمه (لو شيفالييه) أي الفارس اقرب للكهوف في سمته.
(3)
شهد منتصف السبعينيات من القرن الماضي بعض شباب السودان، يدخلون اعتاب باريس وبعض مدن فرنسا: بيزانون وتور ومونبلييه وقيش كمعاهد للغة الفرنسية ولكل طريقتها واسلوبها وكان بيزانون Besaneon قصب السبق فلصاحبها (الدكتور زاسك)، عالم اللغة، مبادرات في كيفية التعليم وارتاحت (ثور) على نهر اللوار الى السبورة والطبشورة، فكان لي من هذه الاخيرة هروب.. فقد ذهبت الى (بيزانون) لاجد ما ابحث عنه، من هرج ومرج السودانيين او كما عبر لي الاخ سيد احمد الحاردلو الذي كان يدرس اللغة في فيس: ما أجمل ان نبكي او نضحك بلغة واحدة، كان من أهم الجامعات التي يتم التسجيل فيها للدراسات العليا (وكان الغالب على دراسات تلك الجماعة دراسة الاقتصاد ويليها القانون واللغة الفرنسية) كانت تلك المدن هي باريس، مونبلييه، اكس ان بروفتس قرينوبل، رين في شمال غرب فرنسا وليون بالاضافة لاستراسبورج وكان CEAN الى النورماندي عند بحر المانش، ولكن باريس كانت مركزاً للقاءات علمية سواء في المكتبة الوطنية او في مكتبات السوربون العامرة او المكتبات المختخصصة في الحي اللاتيني او في المركز الوطني للادارة والذي كان يغشاها دبلوماسيو الخارجية في دورات متخصصة مع اخوة لهم من افريقيا وآسيا هذه الجماعة سكنت في باريس سواء في بيوت الطلاب الفاخرة او الشعبية او في حجرات في مقام الاستديو في مناطق تبتعد كثيرا عن المركز (خاليتنون مثلا او ما لنيكوف) ولم يكن الحوار في البدايات يتجاوز موضوعات الدراسة، ولكن بعضا من اهل الاهتمام على الاخص عند حضور الاستاذ صلاح احمد ابراهيم سفير السودان في الجزائر مخاطبا رئيس الدولة النميري سعوا (للحوار) سواء في حجرة سكنه في الحي اللاتيني او في قهوة (المايو) او عند بعض الاصدقاء او في سكن طلاب ما وراء البحار في مونيارناس الذي كان قد اعارنيه البروفيسور حربي عند مغادرته الى السودان وبدأ (هوس) بالحوار الفكري وقضايا السودان والشعر والحقيبة والهوية وبعض مداخلات السياسة وزاد الموقف (حرارة/ وجدد اخونا ابراهيم شداد وصديق حاج حمد وبابكر سيد احمد وسوركتي الذي كان ينعم علينا بالحضور من ألمانيا (فرانكفورت) حيث كان يدرس الفنون في دوائر أخرى، كانت جماعة محيي الدين ابراهيم أبو سمرة (انتوني) Antoni وجماعة فالينيون VALENTON حربي/ سور الذهب/ صديق/ وجماعة مالينكون MALINROF ومجموعات اخرى تناثرت بين المركز في قلبه والاطراف (اسامة عبد الله ومهدي ساتي) ولم تخل باريس من زيارات خاطفة سواء من طلاب اقسام اللغة الفرنسية بجامعة الخرطوم او غيرها او ممن لذ لهم المقام، في بعض مدن فرنسا (يترانون عباس ود الحصاحيصا وصديقته ميشيل وعلي الجزائري وشقيقته التي سكنت لوزان في اعمال سويسرا ومكي صفوت الصيدلي بمدينة بيزانون وكان لكل جماعة من الطلاب السودانيين في مدينتهم، طريقهم في أساليب الحياة، ولكنهم اجتمعوا جميعاً على حب الوطن وتقديم نموذجه الاخلاقي المثالي وكانوا بهذه الصفة محط انظار ومركز علاقات كثير من الطلاب الافارقة والعرب سواء في شرق فرنسا او غربها او جنوبها او شمالها وكان من الغريب جدا.. غياب مصطفى سعيد.. صاحب الطيب صالح.. عليه رحمة الله.
(4)
أصدر صلاح احمد ابراهيم جريدة (البديل) في معارضته نظام النميري وبدأ في كتابة قصة بعنوان (أقنعة من حديد) يصب فيها جام غضبه على «أفندية الخارجية» فيما كان يسميهم، واستضاف عنده جورج البهجوري وصديقته الفرنسية فيفيان وبعض عراقيين عملوا على اقناعه ليتولى المركز العراقي ولكن الرجل رفض بإباء وظل يمارس في عنفوان هادئ نزيف الشعر والسرد: غنى علي صديق حاج حمد هوي يا ليلى، ولم تكن ليلى تسمعه لكنتها النوستالجي واستبد ابراهيم شداد لفيلمه التجريبي (الجمل) وادار يونس الامين في بعض لقاءاته العابرة، رأسنا بأصول ال PHONATICS وبعض احاديث عن توتي والهلال والمريخ وللرجل عفويته وهو بعد احد عمد الطلاب السودانيين في فرنسا، والطيب حاج عطية رجل فيه مسوح النبلاء، وهو خليق بها نظيف، حليق يتحدث في تؤدة وثقة.. ويبتعد عن السياسة (والشبك) وحربي طبيب البيطري يشكل مع جماعته في فيالنتون دائرة محافظة (من البيت للجامعة ومن الجامعة للبيت) وهم بعد أهل نجدة وكرم ونصح واشتهرت بعض المدن في فرنسا بطلابها من السودانيين.
(قرنيوبل) الضو النعيم احمد، حسن عبد القادر، محمد الرشيد محمد سليم، وعباس الحاج عبد الرحمن زين العابدين وصلاح المهدي والفاضل المهدي وعز الدين وعبد الخالق طالب الصيدلة وعامر ابراهيم حسن عامر.. وكان أكثرهم من افندية المالية واشتهرت قرنيوبل بسكن الطلاب في جبل الرابو RABAVT والقرية الاولمبية VILLAGE OLYMPIQ
- (رين) في البريتان مأمون حمد يس كرار، عبد العزيز حمدي ثم التجاني اسماعيل المتعافي محمد احمد داؤد عبد العزيز عبد الرحيم سليمان وعبد الله عباس وسعيد محمد احمد ابراهيم الجعلي حيدر بابكر الريح وشخصي وسرعان ما ازدحمت باعداد اخرى وكان في (ليون) بعض اقوام.. من شندي وما حولها.
وما خرجت بعض عواصم اوروبا من اجتياح سوداني مركزه باريس في فرنسا مثل جنيف وبيرن ولوزان وميلانو وروما ولاهاي ولندن ومضى البعض الى نيويورك وكان بعض منا يعشق شعب الباسك.. وبعض حيوات الغجر.. من الذين يجرون مركبات الخيل في تسيارهم!!
حين سمعنا بحضور (بولا) إلى باريس - ليبغض- حسن موسى الخير - قال بغضاً في سره (الناقصة تمت) يادوب الدوشة - ما بدأت... وقال آخرون في علن: الحمد لله الذي أعز السودانيين في فرنسا - ببعض (المحن) الوطنية - فحوارنا - على قلته وانضباطه - كان محتاجاً لشئ من «التسخين» - وكان ما قلنا حقيقة - فللرجلين - باع - فيما يطرحان وموقف مما يقولان: الثقافة والفن والسياسة وازدهمت بعض لقائهما، بحضور ذهني وقاد فانتشى بعض ورأى بعض آخر ان الدوشة زادت شوية وفي كل الاحوال فقد كان للاثنين معاً شقف بفرنسا - لعل جيناتها قد تشكلت وهما بعد في ردهات الدراسة يتأملان الالوان.. حين تهتف بلغة غريبة.. وهي تنادي حزناً غاماضً ارتسم في جيني كل منهما.. غضاباً موسوماً بالتمرد والاحرار.. وبعض عوالم أخرى.
غبنا عن باريس وفرنسا، وما غابا - استشعرا - النواة الاولى فارهنا للعشق الفرنسي سمعاً.. فكانت المصاهرة العضوية عند حسن.. والاقبال المادي والمعنوي عند بولا نجاة واولادهما.. هل نقول.. غعتاب احفادهما! صدح احدنا من طلاب اللغة الفرنسية بغناء رائع من جذر الحقيبة كان نواحاً ازدهت الدمعات فيه شوقاً وداراً..!! ويمها بكى البعض.. فام درمان... تزدري في كبرياء.. كل جحافل الصهيل الجامح..
وسأل بعضنا عن المبرر وعن السبب.. ودار حوار.. دخل الثقافة من اوسع ابوابها.. وفيها.. فرح احد العمد قائلاً.. يا جماعة الثقافة دي بتجيب الشاكل.. انا والله لو قالوا لي مثقف بقوم جاري.. ارجعوا للغناء.. يلا يا جماعة.. يا دمعة الشوق كبي..
نظر بعضنا لبعض في دهشة.. فقد كان لدمعة الشوق مصطلح آخر عرفته صالات (البوم) الراقص.. في شتاء باريس القارس.
(6)
استأذنكم ونحن بعد - في راقد من رهق الفكر وعنت البحث في بعض تزين الحروف، حين يندلق من شراييني الغبن.. بعض سرد موجع.. وهذا بعض عطاء (قهوة المايو في الحي اللاتيني - باريس 1976 - بعنوان: عروة بن الورد في أم درمان.. وبدا العنوان في وقته جديراً وحتى ان بلحظة التشرد اللذيذ::
٭ حين استدار (القمر) جاءنا الطلق حاداً، تلوث دون ان تستكين للصراخ كان حلم (الميلاد) اكبر من الانين وارفع من النشيج: امتد (حلمها) إلى رفة الجفن الاولى حين صافحت عيناها (سيد الطاهر)، فلم يكن مثل الآخرين، ثم شئ يميزه عنهم، في عيونه حكايات غريبة ومدهشة تطاول الزمان وتصدع الحزن: ارتفعت في يومها ذاك سقف النيل والعواصف.
٭ تمادى (الطلق) في تحد غريب، كتمت (الالم المحض)، صافحت يديها حاني السرير الحديدي - استطالت قامة هبها - وكان التاريخ وقتها سيتلقى في شرايين (سيد الطاهر): لا. لن يأتي (حلمنا) علم وجع الصراخ والولولة.
٭ نبات - وهي في اوج الالم - تعد.. واحد.. اتنين.. تلا...
٭ على (الفراش الابيض) ثمة دماء- وفي الحجرة (المعقمة) طبيب، يجفف حبات عرق كثيف داهمته في لحظة (الميلاد): ظلت (آمنة) مسجاة على السرير الابيض وسيد الطاهر يخطو نحوها بفرح غامر وكان الحوار شيقاً
- احسست بالطلق وهجاً وشموساً ووميض عن النور يقترب
- يدثره (سعف النخيل) - وتسقيه (ماء الجروف) - ونكتبه في (لوح البركل) قادماً جسوراً
٭ انعلتت عمامة سيد الطاهر في غضب - هو يواجه اعصاراً من حوار جواني: لا يأتي الميلاد عفواً.. الميلاد بشارة واشارة، وكأن البرق يوحها (عبادياً) وشوق التراب لعنق المطر.. مترعاً.
(7)
بعض حزن باريس قاتل وفاتك - واستأذنكم مرة أخرى.. في سيناريو ويعبر نوافذ الزمن... عن صلاح احمد ابراهيم.. احكي
٭ حين ابلغني الاستاذ (عبد الوهاب الصاوي خبر وفاة (علي المك) وانا بعد في (مطار باريس) يستقبلني الصديق العزيز صلاح عبد الرحمن عيسى.. لم افكر في غير ان اعزي صلاحاً.. كانت كلماته، عبر الهاتف من سفارة قطر في باريس مرهقة تكاد تسمع وجيب قلبه، يتعالى وفي نفسه خار حارقه:
- يا بركات على محظوظ. مات، واحب الناس واحبوه.. هل تذكر يا بركات فيلم شين... وهو من احب الافلام لعلي.. لم يأبه شين في نهاية الفلم لنداء الطفل.. مضى بحصانة وتوجه يختفي في الافق البيعد.. ويسدل الظلام استاره.. على موسيقى هادئة.
لم يضحك صلاح كعادته - اجهش بالبكاء.. لست ادري.. لماذا هاجمني احساس غريب.. بانه - يودع نفسه ايضاً. واضاف - وصوته مازال جريحاً-
-شوف.. انا ماشي اقابل (فاطمة) في لندن وامكن اسافر معاك بالباخرة.. لكن لازم نتقابل الليلة
٭ حين التقينا، استعاد الرجل بعض جأشه، لكن الحزن كان يملك كل نفسه: دمعاته تحجرت وابتسامة شاجن.. وفي صوته تهرج..
- افتكر نمشي (مالنكون) تب بابكر النور، جات عروس واضاف (في شح ابتسامة)
- لازم نشيل لها حاجة.. ابدها صاحبي واسرتها اصدقاء اعزاء وهي ذاتا ما هينة.. وخلوها ناس الخارجية ومهينا إلى هنات. تحدثنا كثيراً - وكان لزوجها - فيما نقول وناس - حزن عميق وجرح كبير.. ربما لن يندمل
- ويمضي الزمان يا صلاح لتنعى صديق عمرك على وتنعى نفسك في وضوح ومباشرة.. وشجاعة.. وحين انتظر الناس نعشك، لم يستطع أهل أم درمان وغير أم درمان.. في احمد شرفي.. صبراً.. كان البكاء سرادقاً كبيراً.. لفارس من اولاد أم درمان: أعزها فبادلت الاعزاز والتقدير.
٭ يا صلاح - انت شاعر وشى الانجم.. اناشيد الحرية
٭ عنوانك الجميل - كان الشعب والوطن والضمير
٭ وأنت من أشجع وأنبل فرسان الوطن
٭ كنت ود الوجعة وشيال تقيلة
٭ أبيت وتأبين على كل محاولات الاحتواء - وهي اسودان عندك: سيداً
٭ قناعاتك هي التي تسوقك إلى (الموقف) - ولم يكن (الاختراق وارداً
٭ وأنت يا صلاح من اعف الرجال واعز الشباب
٭ وانك لم تكن هيناً - كما لم تكن ليناً
- كان الهبباي فيك لحناً شجياً - ومطراً مسوماً وحجارة من سجيل
- وكان أهل (جودة) فيك (جبيرة) و(ضريرة).. وتوب (سُرتي) و«سيرة»
ولم يكن غريباً ان يعانقك الوطن وتعانقه اختياراً في لحظة النزع الاخير كما شهد بذلك - المحبوب عبد السلام.
كنت ترتاد ساحة الموت في ايمان ويقين
فاكرمك الله - يا صلاح - بالجنان الخضر
ولقد ناح عليك.. يا صلاح - الشاعر سبدرات في لحظة الاندغام تحت التراب وما بالغ حين شكل من كلماته قباباً من اللوعة
- التياع سيف «النجومي» بتوشكي - في ضحى (الشهادة)
- يقين (الخليفة) عندما افترش الفروة في (أم دبيكرات)
- ضل الضحى يطوف عند مزار ود حبوبه
- زهو الكلر يوم التنوع
- صهيل خيل الحق في رهيد البردي تنادى الزاكي طمل لرد العدوان
.. يرحمك الله يا صلاح ود احمد ود ابراهيم
وبعد..
فباريس وأم درمان - لوعتا وطن وولع معرفة ودهشة
ويظل الغناء متاحاً - في كل لحظة توق لكسر رهق الفكر!!
رمضان كريم
الصحافة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.