حاطب ليل من سيوحد السودان؟ عبد اللطيف البوني بعد سلسلة من المقالات طالت واستطالت وصلنا إلى خلاصة بالأمس مفادها أن الحركة الشعبية لتحرير السودان هي التي تقود رسن الانفصال الآن وبمهارة فائقة لأنها استطاعت أن تضع في مخزن وقودها كل موروث الثورة الجنوبية، وإن شئت قل التمرد، ودعمت هذا الموروث بمستجدات اقتصادية وسياسية. وقد مرت الحركة في مسيرتها التي تجاوزت ربع القرن من الزمان بمنعطفات ومنعرجات كثيرة، ولكنها تمسكت بالجنوب وجعلته ساحتها الرئيسية وهمها الأول وهدفًا لم تحيد عنه. وفي سبيل هذا الهدف أعطت (شبّال) للوحدة واقتربت منها أحيانًا، وفي أحايين أخرى كان الاقتراب تكتيكيًا خاصة بعد وفاة قرنق. استفادت الحركة من تناقضات الأحزاب الشمالية ووظفتها توظيفًا جيدًا، كما استفاد انفصاليو الحركة من قطاع الشمال فيها فائدة كبيرة في تحقيق غايتهم، حتى العناصر الوحدوية الجنوبية داخل الحركة (أولاد قرنق) حتى لايجدوا أنفسهم خارج اللعبة دخلوا في مزايدة مع انفصاليي الحركة وقدامى الانفصاليين الجنوبيين فأصبحوا من عتاة الانفصاليين. بعد الاطلاع على قانون استفتاء تقرير المصير وقياسًا على آخر انتخابات فقد أصبح الانفصال الآن في يد الحركة الشعبية، فأي محاولة لتأجيل الانفصال أو إلغائه أو طرح بديل آخر بيد الحركة الشعبية وليس أي فصيل جنوبي آخر. عليه أي تفاهم على مستقبل السودان طرفه الأساسي هو الحركة الشعبية كما أنها هي التي سوف تحكم الجنوب بعد الانفصال مباشرة، وأي حديث عن حسن جوار مع الدولة الجديدة أو سوء جوار سيكون بيد الحركة الشعبية. إن ما يقوم به الموتمر الوطني الآن من دعاوى وحدوية ونشاط إعلامي من أجل الوحدة وصندوق لدعم الوحدة يدعم السهرات الغنائية الرمضانية لأهل الشمال، لا بل ومشاريع تنموية مستعجلة لدرجة( الكلفتة) في الجنوب، كل هذا تهديف خارج الشبكة. فالأمر في غاية الوضوح، فالقلم والعلم بيد الحركة وأن شئت قل السكين التي سوف تقسم الجبنة (بكسر الجيم ) السودانية بيد الحركة الشعبية، فأي محاولة للمؤتمر الوطني للتهديف في الزمن بدل الضائع يجب أن تكون في شبكة الحركة الشعبية التي (يقف عليها حارس عملاق ودفاع ليس فيه مثل سفاري). إن القوى الجنوبية والشمالية الأخرى بخلاف المؤتمر والحركة (منوّمة) نومًا طوعيًا وقسريًا. عندما نقول إن الأمر بيد الحركة، ولا بل قيادة الحركة، لن نغفل أن لهذه القيادة مُحددات منها شباب الحركة المتشبع بروح الانفصال، الذي له قدرة وإن كانت محدودة في ضبط حركة القيادة، ولكن المُحدد الأكبر وإن شئت الدقة قل الموجِّه الأكبر للحركة هو السياسة الامريكية، فليس في مقدور الحركة أن تتخذ أي موقف بمعزل عن الإدارة الأمريكية، فالإدارة الأمريكية الآن وضعت المؤتمر الوطني في جيبها الخلفي (وبقية القوى السياسية السودانية تبحث عن مكان في هذا الجيب) بينما الحركة في الجيب الأمامي. لقد أضحى البيض السوداني كله داخل السلة الأمريكية، فمتلازمتا الحركة والسياسة الأمريكية تجاه السودان هما المتحكمتان في أوجاع السودان المتعلقة بالانفصال أو الوحدة، و(يلا اتفرجوا كلكم). التيار