حديث المدينة جهل.. أم تجاهل.. أم فساد؟ عثمان ميرغني حسناً.. أخيراً أطلقت الهيئة السودانية للمواصفات سراح (37) سيارة تتبع لأحد وكلاء مصانع السيارات العالمية.. كانت تمنع دخولها إلى السودان بحجة أنها موديلات عام لم يحل بعد (موديلات 2011)..القضية كنتُ أثرتُها هنا أكثر من مرة.. وانتهت بفتح بلاغ من هيئة المواصفات في النيابة ضد كاتب هذه السطور.. لكنها في المقابل أفرجت عن السيارات.. والرجوع للحق فضيلة.. كما قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في رسالته الشهيرة إلى أبي موسى الأشعري (لا يمنعنَّك قضاء قضيته اليوم فراجعت فيه عقلك، وهديت فيه لرشدك أن ترجع إلى الحق، فإن الحق قديم، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل). لكن مع ذلك يجب فرض الأسئلة التي تصحح المسار وتكف تكرار الخطأ.. منعت هيئة المواصفات دخول هذه السيارات لأكثر من أربعة أشهر ظلت خلالها محتجزة.. ثم أفرجت عنها.. ماهو الإجراء الذي بموجبه حُجزت.. ثم بموجبه أفرجت عن السيارات.. وبين القرارين أكثر من أربعة أشهر كاملة.. أضرت فيها بمصالح مواطنين من دافعي الضرائب. هل كان هذا الإجراء الذي أقنع الهيئة بإصدار قرار الإفراج عن السيارات يحتاج إلى كل هذه الشهور الأربعة للوصول إليه؟ هل يحتاج الدخول إلى شبكة الإنترنت للتعرف على موديل هذه السيارات يحتاج إلى أربعة أشهر؟ إذن لماذا تأخر القرار لكل هذه المدة ؟؟ الإجابة عن هذه الأسئلة تبرهن وتثبت مواطن الخلل في هذه الهيئة المرجعية.. وما أسوأ المصير عندما يحيط الشك ب(المرجعية!).. والإجابة لا تحتمل أي خيار سوى.. إما الجهل.. وتلك مصيبة.. وإما التجاهل وتلك مصيبة أكبر.. أو أخيراً الاحتمال الثالث.. الفساد.. وأرجو من هيئة المواصفات قطع هذا العمود من الصحيفة وإرساله سريعاً إلى النيابة ليضاف إلى وثائق البلاغ المفتوح ضدي.. لو كان هناك أي احتمال غير الثلاثة.. فأنا أقر بخطئي وأعلن توبتي.. ولمزيد من الدقة أكررها بالعربي والإنجليزي .. إما الجهل (Ignorance) أو التجاهل (Negligence) أو الفساد (وهذه لا تحتاج إلى ترجمة) ولتختر هيئة المواصفات واحدة من الثلاثة. مثل هذه الأخطاء قد تبدو صغيرة أو مستدركة.. لكنها في الحقيقة مدمِّرة للغاية.. لأنها تضرب الاقتصاد السوداني ليس في نخاعه فحسب، بل في مصداقية (المرجعية) التي تحرسه.. خاصة عندما يحدق فيها المستثمرون الأجانب.. ويضربون كفاً بكف وهم يرددون ( معقول؟؟.. معقول مثل هذا في كرتنا الأرضية؟).. لو كنت مدير المواصفات لاتخذت من هذه الواقعة حالة دراسة Case Study لتجنب تكرارها.. فهي نموذج حي للمسلك الذي يهزم الهدف السامي الذي من أجله أصدر المشرِّع قانون المواصفات.. فهو قانون لحماية المستهلك، لكن من قال إن حماية المستهلك لا تتم إلا بقتل المستورد.. ظلماً وعدواناً.. التيار