حديث المدينة حراس البوابة عثمان ميرغني قضية خطيرة للغاية تتفاعل هذه الأيام.. عشرات من الشركات وأصحاب العمل في محك مواجهة حتمية مع الهيئة السودانية للمواصفات و المقاييس.. كانت العديد من شحنات السلع قادمة عبر ميناء بورتسودان تعرضت للحجز بعضها لعدة أسابيع والآخر ربما لعدة شهور.. وبسبب هذا الإجراء تتعرض بعض الشركات ورجال الأعمال إلى مخاطر وكوارث مالية محيقة.. وأعلم أنّ الهدف الأسمى من هيئة المواصفات هو حراسة المُستهلك السوداني من أمواج السلع الرديئة و ربما المُضرّة.. لكن في المقابل فإنّ وجود هيئة المواصفات في حراسة بوابة الدخول يجعلها في موقف (حَكَم) مهمته غاية في الحساسية، وقد يترتب عليها ضرر بليغ بمصالح البلاد كلها.. بعبارة أخرى درجة (التقدير) التي تتعامل بها هيئة المواصفات هي بالضبط درجة (العدل). مثلا.. تاجر استورد قمحاً.. ديباجة الصلاحية تقول إنّ الصلاحية سارية لمدة عام من تاريخ الانتاج.. يفاجأ المستورِد في الميناء أنّ هيئة المواصفات تطلب منه صلاحية لا تتعدى الستة أشهر.. مهما كان الأمر فإنّ مثل هذه القضية لا يجب أن تحاكم بأية نصوص جامدة.. فمصلحة المستهلك ليست بتضاد مع مصلحة المستورد، إذا كان الهدف النهائي هو ضمان جودة السلعة.. وفي هذه الحالة فإنّ الصلاحية لعام يمكن تفسيرها ولو مؤقتاً في هذه الحالة بالتحديد أنّها بالضرورة (صلاحية لستة أشهر).. ويمكن لمزيد من الدقة إلزام المستورد بضمان توزيع واستهلاك الكمية في فترة أقل من الستة أشهر المطلوبة في شهادة الصلاحية.. بعبارة أخرى.. يجب أن تدرك هيئة المواصفات أنّه ليس السلع المستوردة وحدها ما يحتاج إلى مواصفات.. عمل الهيئة نفسه يحتاج إلى (مواصفات).. أول بند في هذه المواصفات أن تجتهد هيئة المواصفات في تجنب الإضرار بالمستورد إذا كان ممكناً تجنب هذا الضرر. ولا يعقل إطلاقاً أن تصدر هيئة المواصفات حكماً على سلعة بالحجز وتلقي الأمر في ظهرها، وتفترض أنّ على المتضرر البحث عن حل لمشكلته.. بالعكس.. يجب أن تكون مشكلة التاجر هي مشكلة هيئة المواصفات خاصة، فعنصر التقدير يلعب دوراً أساسياً ربما بسبب عدم وجود مواصفة قياسية أو لوقوع القضية في منطقة رمادية لا تقطع فيها النصوص برأي صارم، وتحتمل أكثر من رأي.. كقضية - مثلاً - سيارات محتجزة تتبع لبعض الشركات المعروفة بحجة أنّ الديباجة تشير لموديل سنة 2011.. وأنّ ذلك تاريخ لم يأتِ بعد.. المعروف أنّ السيارات من موديل العام القادم لا تظهر بالضبط في اليوم الأول من العام الجديد.. بل تنتشر في الشوارع وقبل شهور من بداية العام القادم.. والسبب أنّ كلمة (موديل) لا تعني (تاريخ الصنع).. بل تعني سمات المُنتج الذي قدرت الشركة المنتجة أن تطرحه للمنافسة في الأسواق تحت لافتة (موديل العام).. وعادة لا تغير مصانع السيارات خطوط الانتاج كل عام.. وقبل كل شيء من أهم مواصفات هيئة المواصفات أن يكون مديرها العام قادراً وراغباً في الاستماع للمتضررين. سأعود للقضية بإذن الله،،، التيار