حاطب ليل يلا غنوا كلكم !!! عبد اللطيف البوني الإنقاذ في نسختها الأولى طرحت شعار إعادة صياغة الإنسان السوداني، وكان الغناء هو (الحيطة) القصيرة التي بدأت منها هذه (الصياغة) فتم إيقاف بث الكثير من الأغاني التي تصادم إعادة الصياغة هذه، وظهرت الحفلات النسائية الخاصة أي تغني المغنيات وترقص الراقصات وتتفرج المتفرجات بعيدًا عن الرجال. هذا النوع من الحفلات أدى إلى زيادة عدد اللائي يمتهنّ الغناء بصورة لم تحدث في السودان من قبل، وكانت المغنية لا تُنسب لأبيها إنما للحي أو المدينة القادمة منها. منع الأغاني أدى إلى ظهور المغنين (المسببين) شعورهم ليغنوا (عسل إنت وسمح إنت) و(قنبلة) وما شاكلها من أغنيات دكاكينية. بمرور الأيام ركبت الإنقاذ وجهًا جديدًا الأمر الذي أتاح ل(جدنا ) المبدع السر قدور أن يجمع حوله عددًا من الشباب والشابات ويحكي لهم عن الغناء بطريقته الدرامية وضحكاته المجلجلة وترنمياته المموجة على الهواء. استطاع برنامج (أغاني وأغاني) كسر السياج الذي شيدته الإنقاذ بهدف إعادة (الصياغة)، ثم حدث الانفجار القنواتي والإذاعي، أي كثرت الفضائيات السودانية وإذاعات (الإف. إم). ولعل هذا ما تنبأ به شاعر أغنية (سنتر الخرطوم) عندما قال (كتّرو القنوات ياعوض دكام)، فأصبحت كل القنوات والإذاعات تتهافت نحو الغناء، وأصبح المعلنون أصحاب الأثاث الفاخر، والصندلية، و(اللحوم) والشاي، يتجهون للبرامج الغنائية للترويج، فصارت هذه البرامج الغنائية مصدر دخل للقنوات، وبالطبع الشباب المغني ارتفعت عداداتهم رغم أنهم يقدمون غناء المراحيم. وكما غنّى النور الجيلاني من كلمات محمد سعد دياب في مدلينا و(تلاقت قممًا يامرحى) أي حدث تلاقي بين كثرة الفنانات المغنيات وكثرة القنوات فأصبح السودان الآن هو بلد الغناء الأول، وأكاد أجزم بأنه الأول في كل العالم، ففي رمضان هذا بالإضافة لأغاني وأغاني في نسخته الخامسة، وأضافته لوجوه جديدة من الشابات والشباب انظروا إلى القناة الفضائية القديمة! كل يوم يظهر لك شباب (مسبسب) شعره وشابة لابسة طرحة يغنيان( دي ويتو)، ثم تحوّل لقناة (الأمل) تجد في كل لقطة فنان أوفنانة لم تشاهده من قبل، ثم ادلف إلى (هارموني) تجد بنات حواء يغنين بالدلوكة الخمجانة، ثم قناة (قون) تجد ترباس مُتحكِّر وكانه عمدة عموم السودان، وبعد الجولة سوف تظن أن كل السودان في حالة (سكسكة). نحن لسنا ضد الغناء وقراء هذا الباب يشهدون بذلك، وعندما حاربته الإنقاذ كتبنا إلى أن ملّت أقلامنا محذرين من خطورة منع الغناء الجاد، ولكن ما نشهده الآن من ظواهر غنائية لهو طوفان سوف يغرق هذه الأجيال. إن ما يحدث الآن يقول لشبابنا: (اتركوا الدراسة والتحصيل واتجهوا للغناء، وإن المغني أو المغنية هو/هي ست البلد وهذه الدنيا ليس فيها إلا المغنون) . حكى أستاذ مرحلة أساس أنه عندما تسأل عشرة تلاميذ عن ماذا يودون أن يكونوا عندما (يغدون كبارًا) تجد خمسة منهم يقولون: (فنانين).. لقد تركوا الأمنية القديمة التي جاءت في القصيدة (ترى ماذا أصير عندما أغدو كبيرًا ؟ طبيبًا أو وزيرًا أم صحافيًا شهيرًا ؟) دون تدخل من الدولة نطالب هذه القنوات بأن تتقي الله في مصير هذه الأمة، نحن لا نريدها أن تتحول إلى دور عبادة أو دور تعليم مباشرة، لكننا نريدها أن تطرح القضايا الجادة.. نريدها دور عبادة ودور تعليم بتوظيف الفن والامتاع والترفيه لترقية الذوق. هذه القنوات محتاجة إلى ميثاق شرف الهدف منه حماية أجيال المستقبل السودانية من هذا الطوفان الخطير. التيار