هناك فرق في السودان.. لم ينجح أحد ! في الهند عوَّلت ثورة الملح التي قادها المهاتما غاندي على مطلب بدا في حينه بسيطاً مقارنة بإضرام ثورة لأجل الاستقلال: المطالبة بحق الهنود في استخراج الملح..! مسيرة بضع عشرات لبضعة أسابيع.. مسافة مئات الكيلومترات.. منبعها الشارع ومصبّها البحر.. حصدت انضمام الآلاف من كل الطبقات والفئات والطوائف.. للمشاركة في التمرّد السلمي المُتمثّل في استخراج الملح من البحر.. تمخضت عن استقلال الهند!.. وفي كوريا الجنوبية تمخضت مظاهرات صاخبة .. دامت لأسابيع احتجاجاً على موافقة رئيس الدولة على صفقة استيراد لحوم من الولاياتالمتحدةالأمريكية تمخضت عن اعتذار حكومي شديد اللهجة .. (الحكومة وأنا متأسفون بصدق على تجاهل المخاوف على الصحة العامة).. (كان قصدنا شريف: ضمان سلاسة التوصل إلى اتفاق بشأن التجارة الحرة، من أجل مصلحة الاقتصاد الوطني)..! (كنت على عجلة من أمري بعد انتخابي.. ظننت أنني لم أكن لأنجح ما لم يطرأ تغيير وإصلاح في غضون عام من تولي المنصب.. كنت أريد اغتنام تلك \"الفرصة الذهبية\" للإسراع بانجاز اتفاق للتجارة الحرة مع واشنطن)... إلخ.. تلك الاعتذارات السياسية التي شابهت اعتذاريات النابغة..! اعتذرت الحكومة، ثم حذّرت المتظاهرين بلطف من احتمال ضياع فرصة تصديق هذا الاتفاق خلال العام، في حال استمرار الرفض الكوري الجنوبي أكل اللحوم الأمريكية.. مطالبة (الحكومة هي التي تطالب) بإعادة المفاوضات بشأن الصفقة كاملة، وفي أسرع وقت ممكن..! في السودان كان يوم أمس هو موعد جلوس تسعين طالباً وطالبة بجامعة السودان لامتحان إحدى المواد.. تصادف هذا مع إعلان الأمس عطلة رسمية.. امتثل أكثرهم لقرار الحكومة.. بينما ذهب بعضهم إلى الجامعة.. فقرر أستاذهم أن يجلسوا للامتحان، مع حرمان الذين احترموا قرار الدولة.. تدخل بعض الحرس الجامعي لمنع قيام الامتحان.. لكن أستاذهم أصرّ على قيام الامتحان في موعده رغم أنف قرارات الدولة.. حُرم الذين امتثلوا لأوامر الحكومة من الامتحان، ونجا الذين امتثلوا للخوف من الأستاذ..! انقسمت الدفعة إلى قسمين: جماعة تمرّدت على قرار الحكومة.. وأخرى تمرّدت على معارضة الأستاذ.. والنهاية (لن ينجح أحد) في امتحان البقاء عند حسن الظن..! في السودان يوم أمس منعت الشرطة مظاهرة نظمت لقيامها أحزاب المعارضة والحركة الشعبية لتحرير السودان (من أجل تفعيل بعض الحقوق الدستورية) واعتقلت قادة سياسيين من متزعمي المعارضة..! في السودان يتظاهر بعض الحكومة مندداً بفشل شارك في صنعه.. ويبدي بعضها عدم اعتراضه على حرية التنديد بسياسات بعضها..! في السودان تفض الشرطة مظاهرات التنديد السلمي لأنّ المظاهرات لابد أن تكون قانونية.. أي بإذن الحكومة.. في السودان يحرق المتظاهرون التابعون لبعض الحكومة مكاتب تابعة لبعضها الآخر.. في السودان: لم ينجح أحد في امتحان الديمقراطية..! التيار