كيف لا اتحاد المرأة وقلة الفئران! منى عبدالفتاح تقول الرواية أن امرأة عجوزاً دخلت على قيس بن سعد بن عبادة، وقالت له: أيها الحاكم أشكو إليك قلة الفئران في بيتي. ضحك الحاكم لطرافة هذا الأسلوب الذي شرحت به العجوز فقرها. فقال الحاكم: املئوا بيتها خبزاً ولحماً وسمناً وتمرا. فقد فهم الحاكم من كلام العجوز أنه لا يوجد في بيتها أي طعام مادامت لا توجد فئران. وما فعله قيس بن عبادة يفعله كرماء البشر من كل ملة. ولكن الاتحاد العام للمرأة السودانية غض الطرف عن خلو مليون بيت لمليون أسرة متعففة من الفئران، ولم يكترث بل وزع بدلاً عن الخبز والتمر واللحم، عباءة وفرشة صلاة لكل منها وسمى هذه الهبة احتفائية فرحة العيد. ما دخل اتحاد المرأة السودانية في علاقة الأسر متعففة أم غير متعففة مع ربها، وما هو دوره الذي جاء في ديباجته الأساسية؟ ألم ينظّر كثيراً بضرورة المساواة الاجتماعية التي لن تتأتى بفرض العبادات على الغير واحتكار الخيرات ودعة الحياة للنفس؟ يستطيع المؤمن أن يجد أي مكان لتأدية صلواته وفي كل الظروف التي سهلها الشارع الحكيم حتى في حالة الحرب فهناك طريقة معينة للصلاة، وعند المرض يصلي المسلم جالساً أو راقداً أو بإصبعه. من يملأ قلبه الإيمان يستطيع التعبد في العراء كما في القصر المنيف، وفي جوف الطائرات كما في بطن الحوت مثلما فعل سيدنا يونس عليه السلام. وإنما المشقة الحقيقية إن ضاق الرزق واستحكم العدم وتفشى الفقر ورقّ الحال، فهنا يأتي دور تنظيم مثل اتحاد المرأة إن أراد المبادرة في تفعيل دوره الاجتماعي. إذا كان الاتحاد العام للمرأة يتحدث عن الاهتمام بشؤون الأسرة، فهذه أهداف عمل عليها الاتحاد النسائي السوداني من قبل بعقيدة اجتماعية صميمة لم تتوفر بعده لأي من التنظيمات النسائية. فالاتحاد العام للمرأة يفرّق بين المرأة ومجتمعها بإقامة مشاريع مثل مشاريع المرأة المنتجة التي تسجن المرأة في حظيرة الدواجن والأرانب وتعزلها عما يجري خارج دائرتها الصغيرة. تتعامل اقتصادياً مع جيرانها الذين تبيع لهم انتاجها، تكتفي ببضع جنيهات، تتوهم الاستقرار الاقتصادي وتُغيّب عما يجري في السياسة. أن ليس من بين هذه الهبة قطعة خبز واحدة أو كيس أرز أو سكّر. مسلمو السودان يا سيدات الاتحاد ويا سادة الزكاة والضمان الاجتماعي أصبحوا أشبه بالمؤلفة قلوبهم، إن قدمتم لهم فرشات وهم لا يجدون كفاف يومهم لن يصمدوا على قراءته من شدة الجوع ولن يعوا ما به، وقد يقودهم هذا إلى الخروج عن دين يوزع لهم في يوم فرحة جميع المسلمين أدوات للعبادة، ويعجز تماماً عن أن يشعّ بروحها. الفرشات لا يحتاجها الجائعون لأن الجوع والصبر على المشقة والتعفف في حد ذاته عبادة. وفي نظر هؤلاء الفقراء أن اتحاد المرأة متخمٌ وديوان الزكاة ووزارة الضمان الاجتماعي أكثر تخمة، فكيف يذهب من تبدو على هيئته النعمة ويتدفق الشبع من بين جنبيه ويمد يده إلى محتاج فقير. لا أرى والله ما هو أكثر استفزازاً من صورة هؤلاء المتنعمين في جاه الوزارات والتنظيمات الحكومية وهم يرون غيرهم أولى منهم بالعبادة فيحتكرون فرحة العيد حلوى وكعك وملابس جديدة لهم، ولبقية فقراء المسلمين وفرشات صلاة. الاحداث