هناك فرق هُموم المَعاشيين! منى أبو زيد تصادف أن طعام زيد السوداني هو سم عمرو الفرنسي.. أو على الأقل هذا ما يقوله ذلك التناقض الذي لا يخلو من طرافة! بين موقف كل منهما بشأن رفع سن التقاعد.. إذ، في كلا البلدين.. السودان وفرنسا.. يثور ذات الجدل.. حول ذات القضية.. وفي ذات التوقيت! في فرنسا تعطلت حركة المرور وتوقفت الرحلات الجوية في بعض المدن بسبب إضرابات الاحتجاج على خطط الرئيس ساركوزي (التي أقرها مجلس النواب الفرنسي) لرفع سن التقاعد من 60 الى 62 بحلول العام 2018م .. فبينما ترى الحكومة الفرنسية في التشريع الجديد خطوة لا بد منها لخفض العجز المتنامي في نظام المعاشات وتقليص الدين العام.. تصف نقابات العمال ذلك القرار الحكومي بالظالم.. المعترضون لم يكتفوا بالإضراب بل تقدموا باقتراحات بديلة تتضمن مزيدًا من الضرائب على العلاوات الكبيرة والرواتب المرتفعة لتمويل صناديق معاشات التقاعد.. بينما ضربت حكومتهم الأمثال بدول غير بعيدة وصلت فيها سن التقاعد 64 عامًا.. واحتجت بأن ذلك سوف يوفر على خزينة الدولة نحو سبعين مليار يورو.. الصورة الثانية أو المقلوبة إن شئتم عندنا في السودان تتمظهر في حديث لوزارة العمل التي فكرت قبل فترة بصوت عالٍ، في مسألة رفع سن التقاعد من 60 الى 65 سنة.. الأمر الذي سيتنزَّل على قلب عمرو السوداني (على النقيض من نظيره الفرنسي) بردًا وسلاماً.. أما السبب فواضح ومحسوم.. حدث ولا حرج!! الفرنسي يحتج ويثور لأن التقاعد عنده راحة.. الاستمتاع بشيخوخة هادئة بمخصصات معقولة وراتب تقاعدي لا شبهة (استهبال) في قيمته.. يؤمن احتياجات الحياة وبعض الكماليات، مع الاحتفاظ الحضاري المطلوب بالنسبة والتناسب المفترضين بين مبلغ الراتب ومبلغ المعاش.. وبين طبيعة المهنة ابتداءً وطبيعة مقابلها التقاعدي! بينما قد يخاف السوداني (يخاف عديل!) من (بعبع) المعاش.. ذلك أن طبيعة التقاعد كمرحلة تعني انقطاعاً مفاجئاً لمصدر الدخل الثابت والمحترم والمتصالح (وإن على مضض وبعد لأي) مع ضرورات المعيشة.. فلئن كان مرتب الموظف لا يسمن فإن راتبه التقاعدي لن يغني من جوع.. والإحالة على المعاش في السودان تعني بالضرورة تحول أمن الموظف خوفاً.. وشبعه جوعاً.. واكتفائه حاجة.. وتعففه مذلة بالوقوف على أعتاب السؤال عن الحق الذي في كم وكيف استلامه قولان! أوليس هذا هو حال السفير قبل الخفير في هذا السودان مع حكايات المعاش؟!.. أن يحتاج المعاشي الى العمل.. فيصبه الهم والنكد لأنه خرج من رمضاء (الميري) إلى رمضاء التقاعد؟!.. مش كدا ؟!.. لماذا لا يستبشر السوداني إذاً.. بينما يثور الفرنسي الذي يحلم بزوارق سيمتطيها لممارسة هواية الصيد.. بقبعة قماشية زاهية.. وابتسامة راضية.. بينما يتحول الأول في معظم الحالات إلى عزيز قوم ذل؟! الراتب التقاعدي في السودان (استعباط) حكومي.. واستهبال (إدراي).. وإلا فهل يعقل أن تنعدم النسبة والتناسب بين معاش الموظف المرموق وراتبه التقاعدي الشحيح؟!.. حتى يكاد الحال من قساوته أن يلبس عباءة النكتة البايخة! وقد صدقت وزارة العمل عندما قالت بأن لا فلسفة وراء توجهها نحو رفع سن التقاعد بضع سنوات.. فالهم الأكبر هو استفادة الدولة من بعض كوادر المعاشيين.. وليس استهداف قضية المعاشيين أنفسهم.. هنا منطلقات الدولة في كلا الحالين (في السودان وفي فرنسا) واحدة.. وتنصب على مصلحة نظام الخدمة المدنية.. وليس مصالح منسوبيها.. يحدث هذا.. مع اختلاف رصيد المنجزات الخدمية التي تطمئن إليها كل دولة منهما بالطبع! أرأيتَ.. ثم رأيتَ.. كيف أن (هُناك فرق)..؟! التيار