قول على قول محنة التعليم في السودان ما لم تجرؤ على قوله العواطف الاستاذ عمر شرارة جاء في جريدة الأخبار العدد رقم 681 الصادر يوم الأربعاء 22 سبتمبر 2010 وفي صدر صفحتها الأولي خبر بالعنوان التالي:- (لجنة اختيار: لا تعيين للدبلومات النظرية ) طالبت لجنة الاختيار الاتحادية للخدمة العامة بضرورة تحويل نصف الجامعات التي أنشئت خلال العشرين سنة الماضية"أثناء فترة الإنقاذ" إلي معاهد للتدريب المهني والحرفي؟ كذا ؟ ومن أقفل تلك المعاهد التي كانت موجودة ؟ في الوقت الذي قطعت فيه اللجنة بعدم توظيف خريجي الدبلومات النظرية في الخدمة العامة بصورة نهائية لا رجعة فيها- وهل يتم تعيين حملة البكالوريوس ؟. وأكدت رئيسة اللجنة انه لا يمكن الحديث عن انسجام بين سوق العمل والتخصصات والمناهج التي تدرسها الجامعات السودانية- من المسؤول عن ذلك؟ منوهة أن اللجنة ظلت تخاطب وزارة التعليم العالي بضرورة الأخذ في الاعتبار لحاجة السوق- الأنسب التنمية – عند التصديق لكليات بتخصصات جديدة- حتي تكون مخرجات التعليم منسقة مع احتياجات سوق العمل ...الخ. وأتساءل هل أتي من قبيل الصدفة أن تكون الصفحتان العاشرة والحادية عشر من ذات الصحيفة إعلان بعنوان (إعلان عن وظائف شاغرة يرغب مدير أحد البنوك السودانية- لماذا اختفى اسم البنك؟ في تعيين كفاءات في تخصص تقنية المعلومات وهندسة الحاسوب والاتصالات) كما جاء أيضاً في الصفحة الأخيرة من ذات العدد(إعلان لجنة الاختيار للخدمة العامة عن 18 وظيفة لحملة البكالوريوس، 3 وظائف لحملة الدبلومات ) وجميعها تخصصات غير نظرية. وملاحظة لا تقلل من مكانة الصحيفة ولا الصحيفة صاحبة التحقيق الصحفي عن مسألة توحيد الزي لطلاب الجامعات –فهو يشبه ما يتعارف عليه في أمثالنا السودانية"الناس في شنو و الحسانية في شنو" رغم العطالة المتفشية بين خريجي الجامعات بمختلف تخصصاتهم والتي يرزح تحت نيرها الالآف من الخرجين وهي المصير المحتوم لخريجين جدد فيبقى الحديث عن تعيين أو عدم تعيين خريجي الدبلومات النظرية ذر للرماد في العيون التي غطاها أو أعماها الكذب ومواعيد عرقوب. ويقول الخبير حسين الخليفة:أن من الأسباب الرئيسية لتدني مستوى الطلاب في جامعاتنا هو تدني المستوى في التعليم العام. وتختتم الصحفية إيمان تقريرها بالتساؤلات الآتية : 1- من المسؤول عن تدني مستوى التعليم في السودان؟ 2- إلي متى يظل هذا التدهور في مستوى التعليم الجامعي؟ 3- هل نحتاج إلي إعادة النظر في البناء التعليمي؟ أن عملية تطوير النظام التعليمي وتجديده والارتقاء بمستواه بما يبلغه مستوى العصر ويستجيب لمتطلباته ومتغيراته ولمطالب المجتمع وحاجات التنمية قضية محورية وعاجلة. ولا بدأ الحديث عن محنة التعليم في السودان وقبلاً أطرح الأسئلة الآتية على الأستاذة عواطف مديرة لجنة الاختيار: 1- هل يمكن لها أن تمدنا بإحصائية عن خريجي الجامعات السودانية من حملة البكالوريوس في مختلف التخصصات العلمية والنظرية بعد فتح الجامعات الجديدة؟ 2- يكثر الحديث السياسي عن الانجازات ومشاريع البناء والتنمية، ما مدي أسهامها الفعلي والعملي في توظيف واستيعاب خريجي تلك الجامعات من حملة البكالوريوس (فقط) من الكليات العلمية والنظرية ومدي التدخل السياسي في استيعاب وتعيين ذوى الولاء؟ 3- هل للجنة الاختيار كما في كل بلاد الله القريبة والمجاورة لنا خارطة تحدد الأحتياجات الماثلة للعمالة والمتوقعة حسب خطط الواحدات والمصالح والمؤسسات الحكومية والخاصة وفق خطط الاستثمار في مدى معين ومحدد تعين في تحديد نوعية التعليم وكمه؟ 4- هل لدى لجنتكم معلومات احصائية عن معاهد التدريب الفني والحرفي التي كانت قائمة والتي قفلت وصفيت وقتلت بفعل سياسات هذه الحكومة . ولماذا المطالبة والتوصية بتحويل جامعات وكليات للتدريب المهني والحرفي الان ؟. لقد ترك الاستعمار البريطاني ثلاث مآثر ظل يفتخر ويفاخر بها الي وقت قريب وكانت تاجاً ووساماً المستقلة بين أقرانها من الدول العربية والأفريقية بل وعلى نطاق العالم. 1- مشروع الجزيرة العملاق والذي امتد خيره خيراً ورخاء ورفاء لأهل السودان اجمع. 2- السكة حديد الناقل الوطني الذي قرب المسافات واسهم في نشر الوعي والوحدة الوطنية ووفر العمل والعلم للكثير من أبناء السودان. 3- الخدمة المدنية: والتي أوفدت كثير من الدول من حولنا مواطنيها للاستفادة من خبرات ومهارات علمية وعملية. انهارت جميعها بفعل معاول الهدم والشمسونية، بقصور النظر وضيق الأفق وانعدام الحس والانتماء الوطني والترف والصلف السياسي المملوء زيفاً. أن الشأن السوداني كله الان وخلال العشرين عاماً المنصرمة يحتاج لحملة إسعافية وعلاجية .أنه ليس شأناً خاصاً بفئة أو طبقة اجتماعية أو حزباً سياسياً مهماً عظمت وقويت شوكته أن السكوت على ما جرى ويجرى في حق الوطن جريمة وطنية مسكوت عنها . وإنا هنا لست بصدد الحديث عن تلك المناحي التي شملها وامتد إليها الخراب والتخريب ولكن معنى في المقام الأول بالحديث عن قضية هي عظم الظهر في عملية البناء والتنمية وهي قضية التعليم الذي يعيش اكبر محنة عايشها في تاريخه الطويل. ولقد سبق لي والعديد من المهمومين والمهتمين بقضايا التعليم والحديث عنها. وأنا هنا لست بصدد نثر كتابة بكائية على محنة التعليم العالم والعالي كذلك لست بصدد تعديد مناحي الخطأ والخلل والخطأ الذي أصابها فقد نشر وقيل في هذا الكثير لكن هذا النظام كعادته مضى سادرا واصم أذنيه عن كل نقد ومقترحات للإصلاح. حالها حال فرعون( ما رأيكم .. ) (ما رأيكم ولا أهديكم إلا سبيل الرشاد) ولكني هنا بصدد تقديم مقترحات وحلول مشكلة بادئاً بتساؤل الصحفية إيمان : من المسؤول عن تدني مستوى التعليم الجامعي؟ لأن تحديد المسؤولية مدخل مهم لإيجاد الإجابة. وهي بصورة محددة وقاطعة وأكيدة ولا تقبل أي لجلجة أو شكوك أو ظنون .أن السياسات التعليمية ومجاملتها لهذا النظام هي المسؤولة عما حاق ولحق بالتعليم العام والعالي وبعد ذلك أقر حقيقة مشتقاه من الواقع أن هذا النظام ليس عازفاً فقط عن تصحيح أخطائه فحسب بل ومصر عليها ومتمادياً فيها. ويأتي السؤال المفصلي : ما العمل؟ ومن هنا نبدأ ولتبتدر القوى السياسية خارج الحكومة حركة وخطوة جادة لتدارك أمر التعليم ولا ننتظر إذناَ أو مباركة من النظام الحاكم تدعو وتتداعى لعقد مؤتمر قومي حول الشأن السودان كله. ومن ضمنها بل وأهمها قضية التعليم تشرك وتشارك فيها كل طلائع التعليم في السودان. والمؤتمر لا يحتاج إلي اعداد أوراق عمل فما كتب حوله يكفى ليكون أرضية ينطلق منها المؤتمرون فقد صدرت كتب أوراق من الذين كانوا يعملون بالجامعات السودانية وبالتعليم العام تبين الخلل وتطرح حلول عملية للحل واقترح أن يتبنى المؤتمر : 1- قيام مجلس قومي – غير حكومي – للتعليم تكون للتعليم من مهامه التي يضطلع بها :- أ- وضع سياسات وأهداف للتعليم تتماشي مع السودان وما فيه من تنوع ثقافي واثني ومعتقدات. ب-إعادة النظر في المناهج التعليمية و إلغاء السلم التعليمي الحالي. ت-تجفيف الجامعات التي تفتقر إلي البنية التحتية من قاعات ومعامل ومعلمين. ث-إعادة كل المعلمين الذين طالهم الفصل في مراحل التعليم والعام العالي. ج- إعادة النظر في المدارس والجامعات تحت إشراف إدارة الجامعات. ح- إلغاء ذلك النبت الغريب على التعليم والعملية التعليمية والذي اضر بها كثيراً صندوق دعم الطلاب الذي لم يدعم إلا نفسه وصار جهازاً رأسمالياً يتحكم في مصائر الطلاب. خ- السعى للنص في الدستور على استقلال كافة الجامعات استقلالاً إدارياً وفنياً وإلا توضع تحت رعاية أي جهة مهما كانت مسئوليتها. د- رفع نصيب التعليم العام والعالي من الموازنة العامة بالقدر الذي يغطى الاحتياجات العامة والمنصرفات الضرورية. ذ- تكوين صندوق قومي لدعم التعليم في كل مراحله تحت اشراف ومسؤولية المجلس القومي الاعلي للتعليم. ر- التعليم الفني يجب أن يعطى أولوية في النقاش ليسترد عافيته وصحته ويواصل مسيرته في دعم حركة البناء والتنمية ويجب النص على أن يذهب 50% من ميزانية التعليم العامة للتعليم الفني. لقد وصلت إلي قناعة وهي قناعة الكثير من المشغولين والمهتمين بأمر التعليم أن هذا النظام السائد هو المسؤول الأول عما لحق بالتعليم وانه ليست لدية الرغبة في إصلاح ما أفسده ولكننا لن نسكت ولن نستسلم لليأس. الميدان