هناك فرق شهادة عربية ..! منى أبو زيد أحد جلساء العقَّاد قال يوماً - في معرض حديثه عن أحد أساتذة الفلسفة - (إن هذا الرجل قد عاش في فرنسا عشر سنوات لذا فهو يفهم العقليَّة والفلسفة الفرنسية أكثر من غيره ) .. فما كان من العقاد إلا أن وَضَعَ يده على (جزمته) قائلاً (لو صحَّ أن إنساناً يفهم الفرنسيين أكثر، لأنَّه عاشرهم، لصحَّ أن جزمتي هذه – وبحكم العُشرة - تفهم في الفلسفة والأدب أكثر من أي أستاذ جامعة) ..! على الرغم من (سماجة) التشبيه هذه، إلا أنّ العقاد معه حق .. اعترض الرجل - بطريقته الخاصة - على المفاهيم الجاهزة التي تفترش عقول بعض الناس، على الرغم من افتقارها إلى المنطق .. بل على الرغم من تكذيب الواقع لها.... الكثير من المُسلَّمات التي تملأ عقول (ناسنا) فيغلقون عليها باب التفكير بالضبَّة والمفتاح ويستحضرونها في كل مناسبة - دونما تفكير - تدخل في قبيل اعتراض (العقّاد) آنف الذكر، ومن تلك المسلَّمات أنّ مناهجنا الدراسية هي الأفضل .. هذا ما يردده الذين يتحدثون عن أفضلية المناهج الدراسية السودانية على غيرها من مناهج الدول العربية الأخرى !!. والحقيقة .. لا نحن الأفضل ولا هم يحزنون .. والعرب الذين نغترب في بلادهم ليسوا كما نظن، ومناهجهم الدراسية قوية ودسمة، وهي قد قطعت شوطاً مقدّراً في الوصول إلى معايير المنهج الدراسي المثالي، بينما لا نريد نحن المتقهقرون أن نفيق من هذا الوهم !!. إيمان فضل السيد من صحيفة الأخبار قدّمت – قبل أيام – تحقيقاً عن صراع المعادلة والقدرات الذي تخوضه الشهادات العربية .. ذكرت فيه أن الصحيفة حملت خطاباً لمكتب القبول بوزارة التعليم العالي لفك طلاسم الأسئلة المتعلّقة بمعادلة وتعديل الشهادات العربية .. ولكن دون جدوى . عندما أتينا من بلاد الشهادات العربية لدراسة القانون بجامعة الخرطوم، لاحظنا بكثير من الإحباط، أنّ مواضيع مطلوبات الجامعة كاللغة العربية والإنجليزية والتربية الإسلامية مكرّرة ومُضجرة بالنسبة للقادمين من بلاد المناهج التي يُفترض بأنّها أقل حداثة وألمعيّة .. وكدا!!!. ف منْ علم العروض الذي تبحَّرنا فيه بتوسُّع في الصف الثاني الثانوي إلى تفاصيل في قواعد اللغة الانجليزية مكرّرة عندنا جديدة على غيرنا .. ومن المعلومات الدينية التي تعتبر مبادئ لا أكثر مقارنةً بما نحفظه ونفهمه من التجويد والفقه والحديث والتفسير .. إلى أمثلة كثيرة مشابهة زملاؤنا في الكليات العملية عن الرياضيات والأحياء والهندسة .. إلخ كان يرددها. من الحكايات الضاحكة التي ترتَّبت على القناعات إياها (قناعة أنّ مناهجنا هي الأفضل .. وبالتالي طلابنا هم الأكثر تأهيلاً) .. طُرفة كان زملاؤنا في كلية القانون ينسِبُونها إلى أحد الأساتذة الذين أُشتهروا بين الطلبة بحديثهم اللاذع .. أنَّ مجموعة من (البرالمة) من حمَلَة الشهادات العربيَّة قد ذهبوا إليه يطلبون تفعيل خيار الإجابة باللغة العربية في امتحان إحدى المواد التي كانت تُدرَّس باللغة الانجليزية .. وعندما أخبرهم بأنّه لن يتم استثناؤهم من بقية زملاءهم .. انبرى أحدهم قائلاً إنّ زملاءهم (ناس) الشهادة السودانية (ذاتهم) يُطالبون بتفعيل هذا الخيار .. فقال الأستاذ على مضضٍ .. (خلاص جيبوا لي زول من ناس الشهادة السودانية يقول لي الكلام دا) ..! وعندما أتوا ب (الزول) الذي كان يُعاملهم بفوقية أكاديميَّة على أساس القناعة إياها .. سأله الأستاذ (جبت كم في مادة الانجليزي) .. يقصد امتحان الشهادة السودانية .. فذكر (الزول) درجة هزيلة تقف على أعتاب النجاح بصعوبة، وهي إلى السقوط أقرب .. عندها التفت الأستاذ إلى طلبة الشهادة العربية - الذين تعهَّدوا بإحضار زول – قائلاً ( يا جماعة .. أنا قلت ليكم جيبوا لي زول) ..! التيار