الشيخ ..حسن الترابي....مشوار الاصرار....أم.. توبة الختام... محمد عبد الله برقاوي.. [email protected] تقول الرواية والعهدة علي رواتها..ان رجلا طلق زوجته ثلاثا ..واصطدم بواقع الا تعود اليه الا اذا تزوجت من اخر فمات عنها او طلقها ..وهذا ما افتي به كل العلماء الذين راجعهم متلمسا الخروج من ورطته..ولكونه رجلا فلاحا ريفيا ( ضكر ) لم يطيق حتي التفكير في ان تؤول أحضان زوجته لصدر اخر وهي فكرة اشعلت في زوايا نخوته نارا لن يطفيها الا ايجاد سكة شرعية للعودة الي زوجته دون ذلك الحل القاتل .. فتوجه الي قرية الترابي للاستعانة بالشيخ/ عبدالله الترابي الذي كان يلازم قريته بعد ان تقاعد عن سلك القضاء الشرعي..وبعد أن حكي الرجل قصته للشيخ و الذي تأكد من ثبوت الطلقات الثلاث افتي بما لم يرضه وهو التأمين علي فتاوي من سبقوه..فاستشاط الرجل غضبا وقال للشيخ عبدالله حتي انت ياشيخنا معهم وانا جئت اليك طامعا في علمك.. فرد عليه مولانا في هدؤ قائلا هذا هو الشرع الذي اعرفه انا من المذاهب الاربعة ..فان لم يعجبك قولي ..فاذهب الي جامعة الخرطوم ..تجد فيها حسن ابني..قيل ان له دينا جديدا ربما يفتي لك بما يرضيك. كانت..أحداث تلك الرواية مع بزوغ نجم الدكتور حسن الترابي استاذ القانون وعميد كليته بجامعة الخرطوم في النصف الأول من ستينيات القرن الماضي وقد اصبح زعيما وقتها لما كان يسمي بجبهة الميثاق الاسلامي المنفرطة عن عقد الأخوان المسلمين..وكانت البلاد تتململ تحت وطأة الحكم العسكري الاول..فافتي صاحب الدين الجديد وفقا لمرجعياته القانونية بعدم دستورية حكم العسكر..وأعلن وقفته الي جانب شرعية الشارع في اكتوبر 1964 وكان من النافخين في اتجاه خيمة النظام العسكري الأول حتي طارت بعيدا ..ونصب مكانها سرادقا لحكم ديمقراطي قصير . التيلة والعمر.سرعان ما استخدم ذلك السرادق لتلقي العزاء فيه علي روح ديمقراطيتنا الموؤدة...وبما ان طلة النظام الانقلابي المايوي الجديد1969 كانت التلويح بمنديل احمر فقد اهاجت كثيرا من ثيران الحلبة وأولهم الدكتور الترابي الذي عقد حلفا مع كل عناصر اليمين لصرع الفارس اليساري الذي دخل الحلبة الخطأ ..لكن الأيام تمضي ويتقلب الفارس مع كل اتجهات الريح لاستمالة ثيران الحلبة بالترغيب تارة وبالترهيب تارات عدة ..فاسقط البعض في شباكة فيما ابي اخرون ..حتي استنفد كل اوراق اللعبة السياسية..ولم يبقي امامه الا استخدام........... ( الجوكر ) الاسلامي الذي فتح له منضدة الحلم بكسب الزمن والأنفس ..باعادة الخلافة الاسلامية الافلة من ملتقي النيلين بيد ان الخليفة الذي توهم امتلاك خراج السحابة حيث تهطل ..سرعان ما اكتشف انه خدع مثل فرعون الذي سار عاريا في شوارع المدينة بعد ان اوهمه ( الضاحكون ) انه يرتدي حلة من نور يراها الاخرون ولا يبصرها هو..فانغلب عليهم حينما ضحك عليه صبي وسط الجمع ..مشيرا اليه . وهو يصرخ.انظروا الي ذلك الرجل فهو عار كالاطفال..واودع الترابي غياهب السجن ..كما اودع جعفر البرمكي في انتظار عودة الخليفة ليأمر مسرور السياف بدق عنقه ..ولكن الامام لم يعد ..وخرج الترابي . ناجيا .دون احساس بالذنب يهتف من ميدان الجامعة الامامي بان لاعاش من يعزلني..ودخل معترك الديمقراطية من جديد..لا هو مستغفر ..ولايشعر بالندم....وقبل ان تدق اطناب السرادق الجديد جيدا..و الذي كثيرا ما اهتز نتيجة تدافع مرتاديه ..اذا بالدكتور الترابي يفجر قنبلة لتفريق الحفل ..حيث كان الليل لايزال طفلا يحبو ..ويدفع بضباطه الي احتلال القصر..فيما ذهب هو ليصلي باقطاب الأحزاب جماعة في ساحة سجن كوبر..ليخرج بعد ايام ..ويفتي هذه المرة علي عكس فتواه في اكتوبر..ليحلل دستورية العسكر ويحرم اصوات الشارع وان خرجت من صناديق الارادة.. في هذه الايام العصيبة من تاريخ سوداننا المهدد بالتفتت علي صخرة المزايدات النيفاشية ..وسلبية الفعاليات التي تجعجع علي مساطب الفرجة ولا يري لها طحينا..يتحرك الشيخ الترابي في اتجاه مقر ربيبه وطبيبه علي الحاج في المانيا بدعوي العلاج..ثم يعرج حيث تتجاذب ايادي وفد الحكومة بدلة صنيعته خليل ابراهيم وتستعجله للتوقيع قبل خلول استفتاء الجنوب لحرق ورقته...فيما العارفون بواطن الامور يقولون .. وصول الترابي للدوحة فيه ما فيه من نوايا التحريض لخليل بان يثقل من يد التوقيع حتي ينفصل الجنوب .. ويعبي هو الاخر يراعه بمداد ينطق علي الورق ..بتقرير المصير لدارفور وان طال المسير..والترابي يرمي بكرات اللهب لاشعال حريق الغيرة في نفوس اهل دارفور ..تصريحا لا تلميحا بانها كانت اصلا دولة خارج منظومة السودان الواحد واعادها الانجليز في عام 1916 نكاية في مساندتها للدولة العثمانية ابان الحرب الكونية الاولي...ومن الواضح ان التضحية بتراب السودان في نظر فقيهنا صاحب الدين الجديد ..نظير الانتقام من قطعوا عليه سلسلة احلامه في حكم السودان واعادة عالمية الخلافة وفق منظور يتجاوز خطوات المد الحميني..فذلك في نظره ثمن بخس..وهو الذي رفعهم علي كتفه لاعتلاء دبابات الليلة اياها.. فكان ان نال جزاء سنمار..وقد تداول المجتمع الشامت علي شيخنا وهو يهوي من علي شرفة القصر. ايامها...طرفة تقول ان الثورات تأكل بنيها فذلك شيء مألوف ومعاش ..ولكن لاول مرة ..نسمع بثورة أكلت ( ابيها )..واذا كانت الرواية التي ذكرناها في البداية صحيحة او افتراضية فهي في النهاية كانت استشرافا لمنهجية دينية جديدة ..اصبحت فيما بعد واقعا ملموسا في شخصية الرجل المثيرة للجدل من خلال فتاويه وتفسيراته التي يصفها مناصروه بالجرأة السابقة لاوانها والتي قد تتخطي مرحلة مكوثها خلف الخطوط الحمراء ولو بعد حين ليتلقاها من هم اكثر انفتاحا من علماء الغد ولو بعد رحيل الرجل... فيما نعتها معارضوه من العلماء والفقهاء بانها زندقة تستوجب التكفير.. دونها الأستتابة او اراقة دم مطلقها...بينما مدلولات طرفة اكل الثورة لابيها هي سياسية ..تفسرها بصورة جلية حيرة الناس تجاه الرجل الذي يعيش في المعترك السياسي بسبعة رؤوس وسبع ارواح ..لايعرف الأستسلام ولا المهادنة ولا يعترف بخطأ ..بل ويملك الكاريزما الخطابية والاقناعية لنفض المسئؤلية عن عبه المثقل بالتجارب..والمناورات والأصرار علي البقاء ومقاومة الفناء السياسي والبحث لنفسه عن موطيء قدم فسيح في كل سرادقات الحكم ..و اماكن اقامته في السجون محجوزة دائما مثل غرف الفنادق التي يتنقل بينها هذه الايام ..وهو يبت النية علي ماذا لا احد يعلم ..ولكنه يظل السياسي المحير للاخرين بديناصورية البقاء السياسي ..وثعلبية الافتاء الديني التي تشغل الناس به وعنه كثيرا ..ولا أحد يدري بماذا هو مشغول. الأن وبعد كل هذا الدرب الطويل.هل بالاصرار علي اكمال المشوار بعناد الشيخوخة وتحدي الوهن ..أم بالتفكير في التوبة ..والتفرغ لاعداد نفسه للرحيل ... ..حقا انه سياسي ..وفقيه .. يظل يشكل سؤالا كبيرا في صفحات سفر تاريخنا الحديث ....والله من وراء القصد..