تراسيم.. خيارات مناوي الصعبة !! عبد الباقي الظافر في مارس الماضي زرت مساعد الرئيس الأكبر مني مناوي في منزله بشارع البلدية برفقة سياسي معارض ..القائد مني كان يرتدي ملابس رياضية .. وعلى طاولة مكتبه رواية (ذاكرة الجسد) لأحلام مستغانمي ..السيد مناوي كان يُدخن بكثافة وتلمح في بريق عينيه جسارة مخلوطة بقلق شديد على المستقبل. تذكرت هذه المشاهد وأنا أقرأ خبر الانقلاب الأبيض ضد مناوي ..التغيير الذي لم تتأكد حتى الآن فرص نجاحه .. قاده رجال من عشيرته الأقربين.. وأعاد التاريخ نفسه واضطر مناوي أن يشرب من ذات الكأس التي أجبر رفيقه عبدالواحد على تجرعها في حسكنيتة. المراقب لعلاقة مناوي بالحزب الحاكم كان يتوقع الفصال في أي لحظة .. بدأ الخشونة القانونية مع مناوي الزبير بشير عندما كان وزيراً للداخلية في أحداث ضاحية المهندسين الشهيرة .. بعدها بزمن استعصم مناوي بالجبل واضطر نائب الرئيس علي عثمان ليشد إليه الرحال ويفاوضه ثم يعيده مُعززاً مُكرماً إلى مكتبه بالقصر الجمهورى. لم يمتد الوفاق بين الحزب الحاكم والحركة المقاتلة إلى وقت طويل.. فبدا مناوي وكأن قلبه مع المعارضة وسيفه مع الحكومة .. حتى أنه بدأ يشارك في ندوات المعارضة ويفتح دار حركته في أمدرمان لإيواء المتظاهرين الهاربين من عنت الشرطة. كان في تقدير مناوي أنه يمكن أن يلبس جلباب الحركة الشعبية .. يستمتع بمزايا المنصب الحكومي ويتحدث بلسان الغضب الشعبي .. ولكن فات على الرجل فارق التوقيت بين الفاشر وجوبا وتباين الإمكانات المادية والعسكرية بين حركته والحركة الشعبية. في تقديرى أن المفاصلة بين مناوي والحزب الحاكم وصلت إلى مراحلها النهائية .. الحزب الحاكم تبين له أنه يدفع فاتورة باهظة التكاليف لرجل مثير للمتاعب .. التجربة أثبتت أن القائد مناوي ليس من اليسير ترويضه وفي ذات الوقت أن قوته العسكرية كانت محل شك .. على ضوء هذه الحقائق اتخذ الحزب قرار دفع مناوي للتمرد. تمرد مناوي سيستفيد منه الحزب الحاكم .. صعود رجل جديد على قمة الجبل سيربك الحركات المسلحة في دارفور .. القادم الجديد لديه خصومات وعداوات .. من يريد أن يحارب الحكومة عليه تأمين ظهره من رفاقه أولاً .. عندما وجد الراحل جون قرنق نفسه في حربين اضطر للتفكير في مصالحة الحكومة السودانية. التمرد لن يكون خياراً خالياً من المغامرة للقائد مني مناوي .. الاستقواء بالحركة الشعبية أثبت أكثر من مرة عدم جدواه .. ذلك لأن الحركة الشعبية عند المطبات الحرجة تضطر إلى تخفيض الحمولة بقذف الأصدقاء من جوف الطائرة .. هذه الإستراتيجية أوضحها بجلاء القائد سلفا كير عندما قال إن منسوبي النيل الأزرق وجبال النوبة في الجيش الشعبى عليهم توفيق أوضاعهم شمالاً. إن اختار القائد مناوي إدارة الصراع من وسط عشيرته فتلك مجازفة أخرى .. التاريخ يحدثنا عن كاربينو كوانين ووليم نون اللذين تفرّقت دماؤهما بين القبائل. الذين يعرفون مناوي عن قرب يصفونه بالشجاع .. ولكن عند نهاية الشجاعة يبدأ التهوُّر. التيار