ريال مدريد ينهي خلافه مع مبابي    هل يمكن الوثوق بالذكاء الاصطناعي؟.. بحث يكشف قدرات مقلقة في الخداع    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    سألت كل الكان معاك…قالو من ديك ما ظهر!!!    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    أنشيلوتي: فينيسيوس قريب من الكرة الذهبية    حمّور زيادة يكتب: ما يتبقّى للسودانيين بعد الحرب    هجوم مليشيا التمرد الجمعة علي مدينة الفاشر يحمل الرقم 50 .. نعم 50 هجوماً فاشلاً منذ بداية تمردهم في دارفور    عاصفة شمسية "شديدة" تضرب الأرض    مخرجو السينما المصرية    تدني مستوى الحوار العام    «زيارة غالية وخطوة عزيزة».. انتصار السيسي تستقبل حرم سلطان عُمان وترحب بها على أرض مصر – صور    د. ياسر يوسف إبراهيم يكتب: امنحوا الحرب فرصة في السودان    هل ينقل "الميثاق الوطني" قوى السودان من الخصومة إلى الاتفاق؟    كلام مريم ما مفاجئ لناس متابعين الحاصل داخل حزب الأمة وفي قحت وتقدم وغيرهم    الأمن، وقانون جهاز المخابرات العامة    مرة اخري لأبناء البطانة بالمليشيا: أرفعوا ايديكم    تأخير مباراة صقور الجديان وجنوب السودان    الكابتن الهادي آدم في تصريحات مثيرة...هذه أبرز الصعوبات التي ستواجه الأحمر في تمهيدي الأبطال    شاهد بالصورة.. حسناء الفن السوداني "مونيكا" تشعل مواقع التواصل الاجتماعي بأزياء قصيرة ومثيرة من إحدى شوارع القاهرة والجمهور يطلق عليها لقب (كيم كارداشيان) السودان    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    بالصور.. معتز برشم يتوج بلقب تحدي الجاذبية للوثب العالي    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    محمد سامي ومي عمر وأمير كرارة وميرفت أمين في عزاء والدة كريم عبد العزيز    مسؤول بالغرفة التجارية يطالب رجال الأعمال بالتوقف عن طلب الدولار    مصر تكشف أعداد مصابي غزة الذين استقبلتهم منذ 7 أكتوبر    لماذا لم يتدخل الVAR لحسم الهدف الجدلي لبايرن ميونخ؟    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    مقتل رجل أعمال إسرائيلي في مصر.. معلومات جديدة وتعليق كندي    النفط يتراجع مع ارتفاع المخزونات الأميركية وتوقعات العرض الحذرة    النموذج الصيني    غير صالح للاستهلاك الآدمي : زيوت طعام معاد استخدامها في مصر.. والداخلية توضح    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    إسرائيل: عملياتنا في رفح لا تخالف معاهدة السلام مع مصر    الجنيه يخسر 18% في أسبوع ويخنق حياة السودانيين المأزومة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    زيادة كبيرة في أسعار الغاز بالخرطوم    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معاوية يس... موقف ثابت لم يتبدل وكلمة حق لا بد أن تقال
نشر في الراكوبة يوم 18 - 11 - 2010

يتابع السودانيون داخل الوطن وخارجه المقالات الساخنة والصادقة التي يكتبها الصحفي السوداني معاوية حسن يس على صفحات الرأي في صحيفة \"الحياة\" اللندنية، وتلتقطها منها المواقع العربية والسودانية المنتشرة على شبكة المعلومات الدولية. وقد أثارت مقالات الأستاذ معاوية رئيس التحرير السابق لصحيفة \"الخرطوم\" جدلاً كثيفاً بين السودانيين في المهجر، بين المؤيدين لنظام الإنقاذ الذين يعتبرونه كاتباً معارضاً يعمل لحساب جهات حزبية سودانية وأجنبية لديها أجندات خاصة تجاه السودان، وبين المعارضين لنظام الإنقاذ الذين يعتبرون مقالات الأستاذ معاوية هي ما يجب أن يكتب عن النظام وأخطائه وكوارثه.
والواقع أن معرفتي الشخصية بالأستاذ معاوية، منذ أن كان طالباً في كلية القانون بجامعة الخرطوم، وبعد تخرجه والتحاقه بجريدة \"الصحافة\" المؤممة، ثم هجرته إلى السعودية ومنها إلأى بريطانيا في منتصف الثمانينات، تجعلني أقول بكل صدق إن معاوية حسن يس سوداني مستقل لا حزب له سوى السودان والسودانيين، ومصلحة السودان العليا هي التي تقوده وترسم له طريق كتاباته ومقالاته. وهو قد عمل في أكبر المؤسسات الصحفية الدولية، وعلى وجه الخصوص إذاعة القسم العربي في ال \"بي بي سي\"، وغرفة أخبار \"ام بي سي\"، وصحيفة \"الحياة\" الدولية المستقلة، ولم تشك أي من تلك الجهات من أن الأستاذ معاوية منحاز إلى طرف دون آخر، بل كانت شكوى أقطاب السياسة السودانية من معاوية أنه لا يريد أن يجيّر لهم الحيز الذي تتيحه تلك المؤسسات العملاقة ليصولوا ويجولوا كأنهم هم وحدهم الذين يمثلون السودان والسودانيين.
وأعرف عن صديقي الأستاذ معاوية أنه كان قد قرر في عام 2002 مقاطعة السياسة السودانية، قرفاً وضيقاً بممارسات السياسيين السودانيين من حكومة ومعارضة، في فترة شهدت مساومات وإغراءات بين الجانبين قبل ثلاث سنوات من التوصل إلى اتفاقية السلام الشامل في عام 2005. وهي حالة قرف جعلته يستقيل من وظائفه في ال \"بي بي سي\" و\"الحياة\" ويهجر لندن نفسها إلى دولة الإمارات حيث شارك في تأسيس صحيفة يومية، ثم إلى صحيفة \"الخليج\" التي اختارته رئيساً للقسم العربي والدولي ونائباً لمدير التحرير، ومنها إلى البحرين حيث كان مدير التحرير المؤسس لصحيفة \"الوطن\" الناطقة بلسان الطائفة السنية الحاكمة تحت رعاية ديوان العاهل البحريني. وانتهى به المطاف عائداً إلى حضن صحيفة \"الحياة\" مسؤولاً عن تحرير الطبعة السعودية، وهي مزيج من محتوى سعودي والطبعة اللندنية والبيروتية للصحيفة.
وظل الأستاذ معاوية حريصاً على النأي عن صداع المسألة السودانية منشغلاً بمهماته التحريرية والإدارية، واهتمامه المعروف بكتابة تاريخ الموسيقى والغناء في السودان. وجاءت الأزمة السودانية بتفاقمها الأخير وآفاق الانقسام التي حملتها اتفاقية السلام الشامل، فرأى الرجل أن واجبه وانتماءه وضميره الوطني يملي عليه الكتابة للتبصير بالخطأ، والتحذير من المخاطر والمزالق، والتنوير بما غمض من جوانب تنفيذ اتفاقية السلام.
وإذا كانت مقالات معاوية يس تثير حولها الجدل، الذي ينتقل به محترفو \"شخصنة\" الأشياء إلى جدل حول معاوية نفسه، فما هي بذلك القدر من الجدل لأن الأستاذ معاوية يتسم بالشجاعة في كتابة الحقيقة، ولا يعتصم بالدبلوماسية ككتاب كثيرين يحرصون على مصالح شخصية وحزبية ويخافون من الحكومة أو هواة اغتيال الشخصية من محترفي الممارسة السياسية في السودان. وكنت قبل فترة أتحدث هاتفياً مع الأستاذ معاوية فتناقشنا حول المباشَرَة التي يكتب بها، فقال لي إنه استاء جداً أثناء فترة عودته للسودان حيث عمل رئيساً لتحرير صحيفة \"الخرطوم\" من غلبة النفاق على حياة السودانيين، والخوف من بطش النظام ورجال الأمن ومخبريهم السريين. ولهذا لا يرى أن هناك ما يلزمه باتباع نهج النفاق والملق والمداراة الذي أرغمت الإنقاذ السودانيين على اتباعه.
ومن يتابعون كتابات الأستاذ معاوية حسن يس منذ سنوات عديدة، يدركون جيداً أن موقفه الراهن من مجربات الأحداث في الوطن ليس وليد اليوم ولا الأمس القريب، بل ظل هذا هو ديدن موقفه على الدوام، فهو يعرف قدر نفسه، ويدرك أنه صحفي مخلص لضميره الوطني والمهني، ولا يكتب طمعاً في سلطة ولا ثروة، ولا يختط مقالاته من أجل التلميع والإثارة والتمسح برداء الأقطاب والزعماء والقادة.
وقد صادفت أخيراً مقالاً كتبه الأستاذ معاوية حسن يس في عام 2003 على موقع \"سودانيز أونلاين\" الإلكتروني فهلاني ثباته على موقفه، وأدهشتني نبوءاته حيال ما تنوي الإنقاذ فعله بالسودان والسودانيين. وعلى الرغم من أن ذلك المقال كتب سنة 2003، إلا أنه يبدو كأنه كتب في 2010. وقد كان من أبرز المتداخلين في ذلك المقال الشاعر والكاتب السوداني العظيم السفير محمد المكي إبراهيم، أحد صناع ثورة أكتوبر 1964 وأحد مؤسسي مدرسة الغابة والصحراء. وقد رأيت أن أنقله بحذافيره إلى قراء \"الراكوبة\" ليقرأه منهم من فاتته قراءته في عام 2003م.
أغتقد أننا بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى لأقلام صادقة وشجاعة لتنير لنا الطريق التي يريدها حكامنا وساستنا مظلمة ليفعلوا بالسودان ما يشاؤون تبعاً لمصالح أحزابهم ومنظماتهم الحاكمة. وإذا كان هناك من لا يزال متردداً في التفاعل مع مقالات أستاذنا المخضرم معاوية حسن يس، فعليه أن يحكم عليه من واقع أرشيف مقالاته وكتاباته. إنه كاتب لا يريد لنا ولبلادنا سوى الخير والرفعة والسلام والتفاهم.
موسم الفُرجة على \"الجبهة\" الإسلامية تتحول حزب \"بهجة\" إسلامية
سودانيز اون لاين
2003/10/13 2:40am
أذكياء\" السودان \"الجديد\" الذين لم ينجحوا في شيء سوى البقاء
نيفاشا وافتقار نظام البشير الى الصدقية والمعركة الشمالية-الشمالية المقبلة
موسم الفُرجة على \"الجبهة الإسلامية\" تتحول الى حزب \"البهجة الإسلامية\"!
كتب معاوية يس:
تأكد بما لا يدع مجالاً للشك أن طرفي الحرب الأهلية السودانية ماضيان الى اتفاق وإن طال التفاوض، ومهما استعصت المساومات والتنازلات، لأن العصا الأمريكية مرفوعة على رقاب مفاوضي الجانبين، ولأن جزرة العام سام لن تأتي إذا بدرت أي دلائل على عدم الرضا أو النقمة من اتفاق القسمة الثنائية المقبل. بات واضحاً أن السواد الأعظم من الشعب السوداني، بما في ذلك أتباع الحزبين الكبيرين، لن يكسبوا شيئاً سوى غياب الحرب الأهلية التي لم يشعل شرارتها أي منهم، ولم يقم أي منهم بتحويلها حرباً بدثار جهادي ولا حرباً من أجل النفط والموارد.
صحيح أن الناس سيأكلون ويشربون ويتزاوجون ويتناسلون ويغتربون، مثلما هي حالهم اليوم، لكن السياسة سيديرها نيابة عنهم طرفان فحسب، هما اللذان سيتفضلان – تفضلاَ – بالمناصب والامتيازات على من لا ينتمي الى تنظيميهما السياسيين. وحتى ذلك المن لن يتم إلا في إطار العلاقات العامة التي تستهدف إرضاء القوة العظمى التي تعرف فحسب منطق القهر والقوة الذي لم تستخدم حكومة الجبهة الإسلامية شيئاً سواه منذ انقلابها على الحكومة المنتخبة ديمقراطياً في 1989. لقد انقلب السحر على الساحر.
حتماً هذه المرة سيطول نضال السودانيين من أجل حرية يجدون فيها كرامتهم التي افتقدوها طوال سنوات النظام المتسلط، الذي سيزيد تسلطاً بعد تحالفه مع الجيش الشعبي لتحرير السودان. وهو منظمة لم يعرف لها السودانيون خصلة ديمقراطية، اللهم إلا إذا استمدتها من تمرغها في وحل تحالفها مع أحزاب المعارضة الغافلة المغلوبة على أمرها، التي أضاعت مُلكاً وضيعت شعباً وتاريخاً بأسرهما، جراء استهتارها وتكالبها على المقاعد النيابية والحقائب الوزارية والامتيازات الحرام، حتى لقد أضحى الفساد رديفاً لأسماء العائلات الكبيرة ذات النفوذ الممتد منذ العهود الاستعمارية. وتلك قصة يطول التلجيج فيها.
هل يعقل أن يبدأ بعض السودانيين، وكاتب هذه الأسطار أحدهم، مهاجمة السلام قبل أن يحل فعلياً؟ هل هو فرط التشاؤم؟ أم غبن الاستبعاد من المشاركة في صنع الحرب والسلام معاً؟ لا هذه ولا ذاك. لكنها القراءة الواعية التي تستشف ما هو آت. إذ إن السلام لن يحدث تغييراً في الفريق عمر البشير وأعوانه. لو كانوا قابلين للتغيير لفعلوا منذ أن اكتشفوا في نهاية عامهم الأول في السلطة المغتصبة أن دولاب الدولة لن يدور بأظلاف ثور الجبهة الإسلامية وحدها. ومن أشهر ما قاله العقيد جون قرنق في كمبالا أن نظام البشير لا يمكن إصلاحه بل تجب إزالته! فما هي مظاهر إصلاحه؟ أم أن قرنق يخفي بنداً للتفكيك بضمانات أمريكية؟
الخوف والغضب من أكاذيب البشير ورجاله يعزيان أساساً الى أن هوة المصداقية بينهم وبين رجل الشارع العادي غير المنتمي الى تنظيمهم، وغير الطامع في مكسب من وراء تملقهم ومداهنتهم، أضحت عميقة وواسعة جداً، ولن تضيق وتتضاءل حتى لو أهيل عليها تراب الصحراء الإفريقية الكبرى بحالها! فقد جاءت هذه الجماعة الى السلطة لتحكم بإشاراتها المتناقضة عمداً لإرباك الشعب السوداني وتشويش الصورة أمام عينيه. وما فتئت تبث الإشارات المتناقضة والملغومة حتى يومنا الذي فينا هذا.
ولو احتاج المرء الى تعداد أكاذيب النظام وقادته ورفاقهم لما كفاه أثير الانترنت لينشر تلك الأباطيل التي دُثِّرت بغطاء التدين، وزينت بنطاق الحق. تلك حصيلة 14 عاماً عاشها السودانيون كذبة كذبة، وتغييباً لا يزال مستمراً حتى على رغم \"بشريات السلام\" كما يقول الإعلام \"الرسالي القاصد\". فحين أراد البشير أن يعطي شعبه \"عيدية\" لمناسبة انعقاد المؤتمر العام لحزب الجبهة الإسلامية القومية (المؤتمر الوطني حالياً)، قال إنه يطلب من هيئات الحزب أن توصي برفع حال الطوارئ فور توقيع الاتفاق النهائي للسلام! حتى الفترة الانتقالية القصيرة بين المفاوضات النهائية وتوقيع الاتفاق يريد أن تبقى فيها قوانينه القمعية، وسجونه التي تغص بالمعتقلين، ومظالم زبانية أمنه الذين يريدون بأي حال أن يُطوع الاتفاق الوشيك ليحول بينهم وبين من سيطالبون بنبش قبور أحبائهم الذين غدر بهم غمداً وغيلة وخطأ، ومن سيطالبون بتعويضهم عما لحق بهم من ضرر معنوي ومادي نتيجة مصادرة حقوقهم وقطع أرزاقهم وإحالتهم الى التقاعد في ميعة صباهم.
إنه تاريخ طويل من التسويف والخداع المزوق بالعبارات الدينية. كأن النظام \"الثعلبي\" يحسب أن الزمن كفيل بأن يمحو من ذاكرة السودانيين أباطيل القرود التي تحارب مع ميليشياته ضد مقاتلي الجيش الشعبي، والسحب التي سُخرت لتعمي أبصار \"الخوارج\". إن إطلاق صفة الأكاذيب على النظام ليست من قبيل سوء الأدب، بل الحقيقة التي ينبغي أن تقال. لمصلحة من ينبغي أن يستمر الرياء والنفاق؟ يجب أن يعرف السودانيون كل الحقيقة، لأن خدعة السلام أكبر من كل الأباطيل السالفة. وهم يجب أن يعرفوا، لأن النظام لا يتيح أي هامش من الحرية في صحافته لمن يريد أن ينتقد. إلا إذا كان مطبلاً يجيد إسباغ الألقاب على من أضحوا شيوخاً بلا مؤهلات المشيخة، ومن صاروا دكاترة من دون درجات جامعية، ومن صاروا أبطالاً بلا بطولات. وهو ليس سوء الأدب، ببساطة لأن بالامكان إثبات حقيقته.
في مقابل كل من الإنجازات التي يحتفي بها النظام الأصولي المتعصب المخادع طوال أعوامه ال 14 في أعياده ومناسباته، انتفخت جيوب وبطون، وفسدت أسر نساء ورجال وأطفال، وتعددت الشركات والوكالات والمكاسب المحرمة، وزاد شقاء الغالبية القاطبة من عباد الله، حتى أصبح السودانيون – أعرق الأسر وأثراها وأزكاهاً تاريخاً ونضالاً يتسولون ويمدون أياديهم بحثاً عما يسد رمقهم ويلبي حاجات صغارهم. حتى لقد انحدر خلق كثير من السودانيين الى درك أسوأ مما لو كانوا يعيشون في قارة بوهيمية لا قيد فيها على السلوك والأخلاق.
لقد جاءت الجبهة الإسلامية الى السلطة لتبيع للشعب أوهاماً. تبجحت بأنها حزب مثقفين ومتعلمين وخريجين جامعيين، وانتهى بها الأمر الى تدمير التعليم، والمجتمع، والتخبط في السياسات والرؤى والاستراتيجيات. ولم تنجح طوال سنواتها في شيء سوى اختبار البقاء. وحتى هذا الاختبار وجدت نفسها محصورة أمامه، محشورة إزاءه في زاوية ضيقة، ولم يكن أمامها بد من بيع كل ثوابتها، بما في ذلك الشريعة الإسلامية التي أوهمت العالم كله، في سنوات بطشها وتخويفها للأنظمة، بأنها جاءت لتحميها وتطبقها وتؤسلم من خلالها الجنوب. وها هي ذي مقبلة على سلام لن يبقي من ثوابتها تلك سوى الجلابيب البيض والعمائم التي يعتمرها دهاقتنها، إلا إذا كان ذكاؤها الغبي سيجعلها تفرض على عقول السودانيين أنها ستزين الإسلام لقرنق ليصبح نائب الإمام... العقيد الدكتور \"الشيخ\" جون قرنق! كل شيء جائز لدى الجبهة مهندسة الإنقلابات و\"ترزيّة\" الدساتير وصانعة الأكاذيب.
والحديث عن أكاذيبها لا ينتهي، لكن الذاكرة الجماعية السودانية مجبولة على النسيان والسماح. فقبل أن يجف المداد الذي سال على صحائف الفترة الديمقراطية عن فضائح رجالاتها وفسادهم، وقصورهم وشركاتهم وأحابيلهم وسقطاتهم، جاء نظامها مستهلاً عهده بكذبة بلقاء عن هويته. تفنن في تلوينها وتلحينها وتغيير إيقاعاتها، حتى ظن أنه ببطش السلطان جاعلٌ للكذب حبلاً طويلاً، وليس قصيراً كما يجري المثل السوداني. غير أنه لما انكشفت سوءاته، بعد بداية الإنشقاق بين جناح عقله المدبر السابق الدكتور حسن الترابي وتلاميذه العاقّين الذين قذفوا به في كافوري ليستأثروا بالسلطة التنفيذية، اضطر الى الاعتراف بالحقيقة التي ظل يتسترها عشراً عجافاً: أن رئيسه عضو في تنظيم الجبهة الإسلامية. وهو اعتراف لم يُدس على النظام دساً، ولم يُفترَ عليه إفتراء وبهتاناً، بل خرج البشير بنفسه على الملأ أجمعين، وعبر شاشات التلفزة، ليعلنه أمام الشعب. الشرائط موجودة والصحف التي كتبت ذلك موجودة. هل ثمة افتئات على الحقيقة؟
كان من الممكن أن يقلب البشير المائدة على رؤوس شيوخه لو أنه في ذلك المؤتمر نبذ انتماءه الحزبي الضيق، وقدم نفسه الى الشعب السوداني باعتبار أنه تحرر من عبودية القيد العقائدي، وافتك نفسه من أسر التبعية لمنظومة شريرة. كان ذلك كفيلاً بأن يكسبه قدراً كبيراً من احترام الشعب الذي لم يبتلع غصة \"الإنقاذ\"، إلا لأن غصة المهازل الحزبية في سني العهد الديمقراطي الثالث كانت لا تزال تسد حلقه. غير أن البشير لم يفعل. كلما فعله هو الانتقال فحسب من الازدواجية مع \"شيخ حسن\" الى ازدواجية مع \"شيخ علي\". وسرعان ما تغيرت عقيدة البقية المتشبثة بالسلطة والجاه الذي جاءها من وراء السلطة المغصوبة. هذه هي حقيقة المجموعة الصغيرة الخطيرة التي تحكم من وراء الرئيس-الواجهة، وتسخّر الأجهزة الأمنية ومراكز القوة وأجهزة الدعاية الديماغوجية لمصالح العصبة الشريرة التي اختطفت أقدار السودان وثرواته ومقدّراته. وتلك هي محنة السودان:
* خرج من مخازي ديمقراطية 1986 ليقع في قبضة نظام الرأسين ذي البطش الشديد. والشعب منقسم، بين مصدق ومكذب لعينيه. وبين ناقم وشامت. وبين مشفق وخائف.
* وخرج من نطاح الرأسين في نهاية العقد الماضي ليقع تحت قبضة رأسين أكثر تفاهماً على سلبه حقوقه واقتياده الى غياهب المجهول.
* وها هو خارج من ديكتاتورية الرأسين ليقع في جحيم تحالف مستحيل بين طرفي نقيض: قرنق-علي عثمان، \"الإنقاذ\"-الجيش الشعبي، حزب عقائدي-حركة علمانية. مزيج يعلم الله وحده الى أين سيمضي بالسودان والسودانيين المغيبين تغييباً تاماً.
ومن المفارقات أن البشير الذي قال في يوليو 1989، في مقابلة نشرتها صحيفة كويتية، أنه لو كان يريد إصلاح الأوضاع وإعادة السلطة الى الأحزاب لما عمد الى الإنقلاب عليها، يدعو الآن – أمام المؤتمر العام لحزبه الحاكم – الأحزاب التي أطاحها الى تكوين جبهة وطنية موحدة معه، لاجتياز تحديات المرحلة الانتقالية. نسي أنه هو الذي أوهى تلك الأحزاب، وطارد ناشطيها، وسام قادتها شتى صنوف العذاب والتعذيب، وأغلق جميع أبواب الحريات بوجهها. ويقف نائبه الأول بطل هندسة اتفاق بقاء الإنقاذ في نيفاشا أمام مؤتمر الجبهة الإسلامية ليقول إنه حريص على عودة السودانيين من الشتات ليحاربوا المرض والجهل والتخلف. ماذا فعل هو طوال سنوات حكم \"الإنقاذ\" ليحارب في تلك الجبهات؟ ومن مِن السودانيين في الشتات يثق بنائب البشير وكل قادة النظام حتى ينخدع ويعود؟
لن ينفع البشير ونائبة الأول علي عثمان طه، الذي أشاعت الجبهة الإسلامية عمداً، منذ الفترة السابقة لعقوقه لشيخه الترابي، أنه غاية في الذكاء والدهاء ويجمع بين يديه كل الخيوط، ويفهم كل شيء حتى لو كان طائراً يحلق في السماء ... لن ينفعهما ذلك الذكاء \"الغبي\"، لأنه – ببساطة – دهاء كُرّس من أجل البقاء، وببطش سياط السلطان، وسطوة المال المغصوب. ولم يُكرَّس لبسط العدل وتحقيق مقاصد الشريعة. أليس مخزياً أن تتنادى الجبهة الإسلامية للإنقلاب على حكم ديمقراطي منتخب بدعوى أنها تريد حماية الشريعة وهي لم تطبقها منذ استيلائها على السلطة؟ وهاهي تتحول تحت رعاية الرئيس المسيحي المؤمن جورج دبليو من عقيدة الجهاد والحزب الجامع، الى عقيدة الفصل بين الدين والدولة والتنازل عن الثوابت. ولديها الجسارة لتخدع نفسها أمام الملأ أجمعين بأنها بطلة السلام ولولا بحثها عن السلام لمت تحققت ماتشاكوس ولا جاءت نيفاشا. لتكذب ما شاءت، فتلك طبيعتها وفطرتها، لكن الشعب السوداني ليس كذلك، ولذلك لن يسمح – طال الزمن أو قصر – أن تستمر الأكاذيب والحيل، حتى لا تنشأ أجيال مفطورة على الكذب السياسي والدجل الديني والتمثيل الفطير.
صحيح أن السودانيين سيدفعون ثمن أخطاء سياسات الجبهة سنوات وعقوداً، مثلما ظلوا يدفعونها طوال عهد الإنقاذ، عزلة دولية وإقليمية، وتصنيفاً جماعياً للأمة بشبهة الإرهاب، وتهجيراً لأبناء الأمة وبناتها بالآلاف وعشرات، بل مئات الآلاف. وقد يكتب عليهم أن يقبلوا تحت وطأة تلك الأخطاء الفاحشة أن يذهب الجنوب في سبيله. كونفيدرالياً أو فيدرالياً أو تحت أي ستار سياسي حديث يحقق له الإنفصال. عندئذ سيكون الشمال وحده ساحة المعركة الضيقة بين الجبهة بتنظيماتها الهلامية المتقلبة وحجمها الحقيقي الضئيل حقاً، وبين المقاومة التي ستشارك فيها الأجيال التي زجت بها الجبهة نفسها في أتون الدفاع الشعبي والتجييش والخدمة الإلزامية ودورات ذلة السودان. لقد فهم السودانيون الدرس جيداً: إذا أردت لنفسك مكانة واحتراماً ووزناً فلتحمل السلاح بوجه الدولة. هل فعلت الجبهة بطلة السلام شيئاً أكثر من أنها فتحت على نفسها \"صندوق باندورا\" (Pandora Box) الذي ستخرح منه الثعابين المدربة جيداً على التهام هذا العدو التاريخ للشعب السوداني المحب للحرية.
هذه الجماعة لا يريدها أحد. تلك هي الحقيقة التي قد لا يستطيع غالبية السودانيين في الداخل المجاهرة بها. إنها الحقيقة التي لن تستمع إليها الجبهة في غمرة نشوتها بالسلطة والتحكم في مصائر العباد. لكنها الحقيقة التي تمثل نبض الشارع وهمسه وأحلامه. هل يعقل أن إغواء السلطة يمكن أن يعمي قلب الجبهة وبصرها الى درجة تعتقد فيها بأن إدارة وصقور الحزب الجمهوري الأمريكي الذين يصنعون الأفكار الجهنمية لبوش يريدون للسودان مستقبلاً يهيمن عليه البشير وعلي عثمان؟ هل صدّقت الجبهة الإسلامية حقاً أن أمريكا لا اعتراض لديها على ديكتاتورية دينية أصولية ذات بنود خفية خطيرة، وبطش شديد وتكميم للأفواه، وسرقة لمال الشعب وثرواته؟ هل تريد أمريكا \"تسمين\" \"طالبان\" أخرى في قلب إفريقيا بمشروعهم الحضاري الخرافي وشبقهم الشهواني الى دولة إسلامية لا تعرف الحدود الجغرافية؟ \"طالبان\" حقيقية لم يردعها عن انتهاج سياسة تغيير النظام في أريتريا وأثيوبيا ويوغندا ومصر سوى قصف مصنع الشفاء للأدوية في الخرطوم بحري العام 1998، وهي سنة التحولات الرهيبة في حياة هذا التنظيم \"الثعلبي\" الماكر.
من أسف أن السودانيين أضحوا تحت وطأة السواد الحالك الذي يعشي أبصارهم حيال المستقبل يفكرون بمنطق \"ليذهب الجنوب في أي اتجاه أراد\". على الأقل ستكون جبهات المعركة الآتية محدودة ومعروفة. يكفي الشماليين أن جبهات الحرب الأهلية في بلادهم ما تزال مفتوحة في الشرق وعدد من نواحي الغرب، وستصل عاجلاً أو آجلاً الى الوسط. والخصومة في السودان – وهذا ما لا يعرفه بوش ولا جامعة الدول العربية، ليست بين الشماليين والجنوبيين، إنها فقط بين السودانيين ومفرزة منهم تعمل تحت لواء الجبهة الإسلامية القومية، وما دام السلاح سيتيح فرصة لتلك القوى لالتقاط أنفاسها واستجماع شتاتها، فليس من شك في أن الأيام القادمات حلبيات بشتى صنوف الوعود والوعيد.
لقد وقع قرنق اتفاق نيفاشا نيابة عن الدائرة التي يمثلها في جنوب السودان، لكنه لم يحصل على صك موافقة من مؤتمر البجا، ولا من قبائل دارفور الثائرة، ولا من أهل كردفان الذين بدأوا يدرسون في عواصم عربية وغربية التمرد بوجه السلطة المركزية. وما دامت \"بشائر\" الحل المقبل توحي بأنه سيكون جهوياً وملبياً لتطلعات القوميات، فما أكثر المظالم بين أهل الشمال، وما أشد الحزازات بين قبائل الشمال العربية والإفريقية. اللهم إنه باب من الفتنة كبير وواسع فلا تفتحه ليزيد شأن بلادنا خراباً وإدماءً وتخلفاً.
قد يقبل السودانيون الخضوع لنظام أهانهم وبطش بهم وقمعهم، لكنهم لن يركعوا لنظام يستغفلهم و\"يستعبط\" عقولهم. ومهما كانت دولة السلام المقبلة مضمخة بالوعود، فهي لن تعدو، في نظر غالبية السودانيين الذين غيبهم نظام \"الإنقاذ\" بمنطق القهر والقوة، ويريد أن يواصل تغييبهم بمنطق القوة العظمى الراضية عنه، أن تكون شهر عسل قصير تتفجر بعده الثورات، بالمنطق الجهوي نفسه الذي غذاه النظام وارتضاه في تعامله مع مناطق البلاد.
منذ أن جاء نظام ما يسمى \"ثورة الإنقاذ الوطني\" ظل السودانيون يتفرجون عليه، وهو يمارس عبادته لذاته، ويصفق لنفسه، يعقد المؤتمرات ليحاور نفسه، ويخصص البرامج التلفزيونية لقضايا الأمة لينتهي المطاف بتلك البرامج مونولوجاً نرجسياً مع الذات. ومثلما فعل السودانيون حين ظلوا يتفرجون على دولة مروي القديمة تهوي وتدفنها الكثبان، سيتفرجون على \"الجبهة الإسلامية\" وهي تتحول الى حزب \"بهجة إسلامية\"، تتحلل من ثوابتها، وتكابد وحدها مشقة الزواج الكاثوليكي المستحيل بينها وبين قرنق، بعدما أضحت عنينة مقعدة جراء انشقاقاتها وترهل بطون الفاسدين من رجالاتها.
ويود كثير من أولئك المتفرجين أن يطرحوا أسئلة على أذكياء الجبهة وأغبيائها، وهم يدركون أن لهيب التجربة والتطبيق كفيل وحده بتوفير الإجابات:
* ماذا سيكون مصير المشروع الحضاري وما رافقه من إجراءات وسياسات إجتماعية وقوانين تتحكم في الأزياء والعلاقات بين أفراد المجتمع؟
* هل يعني قبول الجبهة السلام المفروض أمريكياً نهاية الجهاد؟ هل ستقبل الجبهة تعطيل هذا الركن المهم؟ أم أن فقه الضرورة وضرورات التقيّة ستوفر تخريجات جاهزة أصلاً لدى شيوخ الجبهة؟
* كيف ستتحكم الجبهة في برلمان تنص اتفاقية ماتشاكوس الإطارية على أن تكون غالبية تمثيله جهوية؟ وإذا كان البروتوكول المذكور يفترض أن ذلك التمثيل يجب أن ينعكس بشكل أو آخر على الجهاز التنفيذي، فكيف ستحتال على هذه العقبة؟ أم أنها الآن ستعتبره التمثيل الحقيقي الذي دمرته بيدها حين انقلبت على الشرعية المنتخبة في 1989؟
* ما مصير \"قوات\" الجمارك و\"قوات\" حرس الصيد وغيرهما من الأجهزة المدنية التي تمت عسكرتها لتصب في صالح النظام وميليشياته؟ * ماذا سيكون موقف الحكومة اذا طالبت الولايات المتحدة – راعية السلام المنحازة لأحد طرفيه حسب أدبيات الجبهة الإسلامية القومية - باعادة النظر فى تعاقدات البترول؟
* ماذا ستفعل الحبهة فى حال مطالبة الحركة الشعبية بوزارة الطاقة؟
* ماذا ستفعل الجبهة ب \"الدبّابين\" وميلشيا \"قوات الدفاع الشعبي\"؟ هل ستقوم بتسريحها كما قال وكيل وزراة الخارجية مطرف صديق؟ أم ستبقيها كما قال الفريق البشير أمام الجلسة الختامية لمؤتمر حزب الجبهة الحاكم؟ ولماذا ستبقيها إذا كانت الغرض الذي أنشئت من أجله قد زال؟
* ماذا ستفعل الجبهة إزاء تمرد دارفور؟ هل تنتظر الى أن يتحالف معها قرنق ليحاربا سوياً \"المتمردين الجدد\"؟ أم أنها ستستخدم تمرد درافور وسيلة للضغط على قرنق ليتنازل عن جانب من حصته في كعكة السلطة والثروة لتلافي مشكلة قد تكون وخيمة العاقبة؟
* ماذا ستفعل حكومة الجبهة الإسلامية مع القوات التي سينشرها قرنق في الخرطوم لحمايته وحماية كوادر حركته؟ هل ستسحب منهم السلاح؟ هل ستفرض عليهم رقابة مستمرة وتجسساً دائماً؟
* ماذا ستفعل بمئات المساجد التي أقيمت في المصالح والوزارات وحلقات تحفيظ القرآن في أماكن العمل إذا طالب الشريك الجديد بإزالتها طبقاً لأحكام الاتفاق على عاصمة قومية علمانية وبموجب الاتفاق على الفصل بين الدين والدولة الذي قبلته الجبهة على رؤوس الأشهاد في نيروبي ونيفاشا وكارن وماتشاكوس؟
* ماذا ستفعل الجبهة إذا تقدم أحد قادة الحركة الشعبية بطلب للحصول على ترخيص لفتح حانة في العاصمة القومية؟
* إذا حدث أي تمرد عسكري أو عشائري في جنوب السودان، وتورطت قوات \"الجيش القومي\" الثاني فيه. هل ستنقل الحكومة قوات من الشمال لإخماده؟ أم تترك مواطنيها يذبحون على أيدي \"الجيش القومي\" الذي يهيمن على الجنوب بموجب نصوص اتفاق نيفاشا الأمني؟
* من الواضح حسبما تم استقاؤه من تصريحات محافظ بنك السودان أن الجنوب سيكون له مصرفه المركزي المستقل. ماذا ستفعل الجبهة حين يعتمد المرف المركزي الكونفيدرالي سياسات ائتمانية ونقدية أكثر إغراء للمستثمرين الأجانب؟ هل سيدخل الشمال في تنافس مدمر في السياسات النقدية والإقتصادية؟
* ماذا سيكون مصير المنشقين من الحزبيين الذين باعوا أحزابهم بالتحالف مع الجبهة؟ هل ستكفي النسبة المئوية التي تنص عليها اتفاقية المحاصصة لإيجاد شواغر للحلفاء \"المتوالين\"؟ أم أن الجبهة ستستأثر بحصتها لنفسها لتدخر لمستقبل لم تعد تملك السيطرة على صياغته أو رسم ملامحه؟
* إذا اعترض قرنق على عضوية السودان في الجامعة العربية ماذا هي فاعلة؟ أو إذا اعترض على عضوية السودان في منظمة المؤتمر الإسلامي؟
* إذا طالب وزير الخارجية المنتمي الى الجيش الشعبي بضرورة السماح له بزيارة اسرائيل أو إقامة علاقات معها أو تأمين مساعدات زراعية لكونفيدرالية الجنوب...
ستكتشف الجبهة الإسلامية القومية – بعد فوات الأوان – أن سلاماً من دون أهل السودان قاطبة لن يغير شيئاً من المناخ العدائي الذي هي فيه. صحيح أن غالبية أهل السودان ليسوا راضين عن أحزابهم العتيقة المهلهلة، ولا عن زعاماتها الفاشلة التي لم تتطور قط، لكن حب السودانيين للديمقراطية والمشاركة السياسية كفيل بضمان تحطيم كل مخططات الثنائية والانفراد بشأن البلاد. حينئذ سيقول دهاقنة النظام: \"لات وقت مندم\". اللهم إنا لا نسألك رد القضاء، بل اللطف فيه، إنه لا راد لقضائك.
انتهى المقال.
وجاءت مداخلة السفير محمد المكي إبراهيم على النحو التالي:
احسنت صنعا يا استاذ أمجد ابراهيم باستنقاذك هذا المقال الممتاز من براثن الضياع.وهو فعلا مقال مفكر يطرح تساؤلات عميقة عن المستقبل المنظور لهذه البلاد التعيسة الحظ.وتسيطر روح التشاؤم على رؤيا الكاتب وهو ليس تشاؤما اعتباطيا إذ ان الكاتب يبسط امامنا الاسباب التي تدعو اليه مثل قوله:
(حتماً هذه المرة سيطول نضال السودانيين من أجل حرية يجدون فيها كرامتهم التي افتقدوها طوال سنوات النظام المتسلط، الذي سيزيد تسلطاً بعد تحالفه مع الجيش الشعبي لتحرير السودان)
ومن هنالك يخلص الى هذه النتيجة: (خدعة السلام أكبر من كل الأباطيل السالفة.)
ويدرك الاستاذ معاوية ان تشاؤمه يفسد على ابناء بلده بهجتهم بتباشير السلام التي بدات تلوح في الآفاق:
(هل يعقل أن يبدأ بعض السودانيين، وكاتب هذه الأسطار أحدهم، مهاجمة السلام قبل أن يحل فعلياً؟ هل هو فرط التشاؤم؟ أم غبن الاستبعاد من المشاركة في صنع الحرب والسلام معاً؟ لا هذه ولا ذاك. لكنها القراءة الواعية التي تستشف ما هو آت. إذ إن السلام لن يحدث تغييراً في الفريق عمر البشير وأعوانه. لو كانوا قابلين للتغيير لفعلوا منذ أن اكتشفوا في نهاية عامهم الأول في السلطة المغتصبة أن دولاب الدولة لن يدور بأظلاف ثور الجبهة الإسلامية وحدها. ومن أشهر ما قاله العقيد جون قرنق في كمبالا أن نظام البشير لا يمكن إصلاحه بل تجب إزالته! فما هي مظاهر إصلاحه؟ أم أن قرنق يخفي بنداً للتفكيك بضمانات أمريكية؟)
هذه بعض النقاط الجديرة بالمناقشة ولا يعني ذلك انها الوحيدة فالمقال حافل بالجديد والواقع انه مكتوب تستفز كل خلايا التفكير في من يقرأه وذلك من فقرة لفقرة واحيانا من سطر الى سطر.ومع ذلك فان هذه الاسئلة تستحق موقع الصدارة:
-هل سيقود السلام حقا الى تحالف بين الجبهة القومية والجبهة الشعبية وهل سيكون ذلك التحالف ضد الشعب السوداني وقواه الحية ممثلة في احزابه ومنظماته وتعبيرات مجتمعه المدني؟
-هل ستوافق الولايات المتحدة ، راعية السلام،على تجييره لصالح دكتاتورية ثنائية جديدة؟
-أوضح الاستاذ معاوية ما يعود على الجبهة الاسلامية من فوائد وبقائية بسبب ذلك التحالف ولكن ما هي مصلحة الدكتور قرنق من دخول تحالف من ذلك النوع؟
-ما هي مقدرات عامة السودانيين لمواجهة السيناريو الذي عرضه الاستاذ؟ هل نحن حقيقة بلا أي قدرة على منازلة الحكم الحالي سياسيا او عسكريا ؟ واعرف ان الاستاذ لم يجاوب هذا السؤال بالنفي ولكننا نريد ان نحصي القدرات المتاحة لنا لنعرف نوعية الكروت التي سنلعب بها ضد النظام.
-ما هي مردودات تقنين العمل الحزبي واطلاق سراح الترابي؟
لو استطعنا ان نسمع بعض الافكار عن هذه النقاط ؟وحبذا لو تكرم الكاتب القديربمزيد من الاضاءات لهذه القضايا الحيوية التي جاد بها فكره الثاقب وقلمه الرشيق.
***********
وكان رد الأستاذ معاوية حسن يس على النحو التالي:
شكري موصول للأخ أمجد. ويشرفني هذا التقدير الذي لا أحسب أني أهل له من شاعرنا وكاتبنا ودبلوماسينا الكبير الأخ محمد المكي إبراهيم. والحقيقة أني لست أقل حيرة منكما إزاء مستقبل بلادنا. الضباب كثيف، والتطورات أضحت متلاحقة ومتسارعة، الى درجة أننا - نحن الصحافيين - لم نعد نستطيع ملاحقتها فما بالكما بالتجمع الوطني الديمقراطي الذي ظللنا نعيب عليه على الدوام أن الأحداث تسبقه، وحين يهيئ رد فعله عليها تكون أضحت ماضياً قديماً. وهذه مناسبة لنبرئ ذمتنا من أننا ما فتئنا نتوسل الى السيد محمد عثمان الميرغني أن تتغير هذه الطريقة، وأن يكون هناك شيء من الجسارة في إدارة الأزمة السودانية ومظلتها الائتلافية. ولو أخذ السيد محمد عثمان بنصحنا ونصح عدد من الشبان المحيطين به وخف الى واشنطن حين كانت \"الطبخة\" تعد على نار هادئة، لما فاته كل هذا الفوت. والحق أنه فوّت الأمر على الغالبية العظمى من السودانيين الذين كانوا يتطلعون الى المعارضة لتنهض بديلاً من هذا النظام السرطاني الخبيث. ولات وقت عتاب.
حقيقة - سعادة السفير الشاعر - أنا لا أملك إجابة عن الأسئلة التي طرحتها، ولكني موقن أنها الأسئلة التي في أذهاننا جميعاً. وأعتقد بأن دورك وقدرك أن تُعمل فينا شعرك العظيم لنستهدي من جديدبرياح أكتوبر العظيمةحتى نخرج من هذا المأزق الخطير. وما يزيد الأمر قتامة أننا لسنا في عداوة مع الأخ قرنق، ولا شك عندي في سودانيته، إذ طالما حاورته في السياسة والفن وشجون الشخصية السودانية. لكن الرجل حقيقة بعد اتفاق السلام \"بطيخة مقفولة\" بالنسبة للشعب السوداني. هل تعلم من السيد محمد عثمان الصمت والتكتم حتى يفاجئ السودانيين بقدلته في شارع النيل؟ هناك أسئلة لا تحصى موجهة الى قرنق آمل أن أوجهها إليه في مقال قريب، أو ربما في مقابلةخاصة معه. لعل أهمها ماذا سيفعل بدولاب الدولة التي سيكون نصيبه منها قرابة ال 40% من دون أن يكون لديه عدد كاف من الكوادر المدربة على الخدمة المدنية وعمل الجيوش النظامية؟ هل سيعتكف في رومبيك إذا شعر بمنغصات الحلفاء الجدد؟ هل سيوكل الأمر الى الميرغني لينشر عناصره في أجهزة الدولة الانتقالية؟ ماذا سيفعل في جهاز الأمن؟ هل سيرضى بالجنوب ليترك الشمال لقمة سائغة بأيدي الجبهة القومية المتاسلمة؟
غير أني موقن أيضاً بأن إطلاق الترابي يمثل آخر أوراق التوت التي يستر بها البشير وعلي عثمان جرائمهما. سيملأ الترابي الفضاء التلفزيوني والصفحات الأُوَل بأحاديثه المكرورة المتناقضة ليزيد العقلية السودانية إرباكاً وتضارباً. ومن وراء ذلك يظن أن جبهته ستجني مكاسب. وهو بالطبع ملك الإعترافات. أتذكرا حين اعترف بأن الجيش السوداني زحف من الاراضي الاثيوبية ليستعيد البيبيور؟ أتذكرا حين أعلن أن مجلس الثورة سيتم حله؟ أتذكرا حين اعترف بأنه التقى البشير عشية الإنقلاب وذهب هو الى السجن وتوجه الآخر الى القصر الجمهوري؟ ها هو قد اعترف غداة إطلاقه الثلاثاء بأن حزب المؤتمر الشعبي هو الذي يقف وراء تمرد دارفور. يعني في سياق المكايدة مع تلاميذه العاقين لا يهمه أن يغرس حرباً أهلية تقضي على درافور وأهلها، مثلما أدت صيحاته الجهادية الى تديين حرب الجنوب وإفناء ما لا يقل عن مليوني نسمة جراء هذه الحرب اللعينة.
الأسئلة يا صديقيّ إجاباتها ليست بجيبي. الوحيد الذي يستطيع أن يلقي الضوء على هذه القضايا الشائكة هو العقيد قرنق الذي يتهافت الخطاب على مقره الجديد في رومبيك، بمن فيهم الترابي. لكنني حقاً ابكي نفسي وأبكيكم جميعاً... لقد نجح تجار السياسة في تهميش الشعب بأسره، وهم يحسبون الدقائق والثواني بانتظار كعكة المعونات الغربية والأمريكية القادمة. وبدلاً من الحج الى بيت الله الحرام سنرى \"شطار\" السياسة وتجارها يحجون الى واشنطن وجوبا. إنه حج عصري لا يحتاج زاداً، وليست فيه مخاطر. ما أكثر الفنادق لمن أدمنوا نزولها. وما أكثر المكاسب لمن أدمنوا السرقة واستغفال العباد والتحدث باسممهم. أليس الأمر مضحكاً مبكياً حقاً. هل منكما من فهم شيئاً مما يستجد كل صباح جديد؟
دعونا نواصل هذا الحوار الرفيع لأن محنتنا كبيرة وعميقة، ونحن في الشتات ولن نطمع في أن يحرس لصوص السياسة حقوقنا وحقوق أولادنا بالوكالة الى حين عودتنا. ما العمل أيها السودانيون في الشتات؟ أجيبوني تجيبون أنفسكم. ولكما تحياتي خالصات زاكيات.
*************
وبعد مداخلات عديدة من بعض الذين اطلعوا على المقال، رد الأستاذ معاوية بالقول:
أخي العزيز الشاعر الأديب محمد المكي إبراهيم... صحيح أننا الآن نندب حظوظنا بوجه وضع ميئوس منه. وصحيح أيضاً أن المسألة فالتة تماماً هذه المرة، فلا هي إنقلاب عسكري تمكن مقاومته ومعارضته من فنادق دول الجوار. ولا هو حكم ديمقراطي يصفّح نظامه بقواعد الديكتاتورية المدنية ليبقى أطول ما أمكنه من زمن. نحن الآن أمام حل سياسي وعسكري رسمه فصيلان منا لا يمثلان كل ألوان الطيف السوداني، وستفرضه علينا القوة العظمى التي لا قبل لأحد بالوقوف في وجهها. ومن المفارقات أن من قد يعارض الإرادة الأمريكية قد تدمغه واشنطن بالإرهاب، تاركة نافع وعلي عثمان وصلاح قوش يقدلون في شوارع الخرطوم ونيروبي والقاهرة ويتناولون الشاي في الحديقة الجنوبية للبيت الأبيض!
أعتقد يا صوتنا الفكري والشعري العظيم أن المسألة تتطلب تحركاً من المثقفين السودانيين غير المنتمين لتنظيم سوى حزب الشعب السوداني المغلوب على أمره للإتصال بفاعليات الإدارة الجمهورية الراهنة، على الأقل ستصل رسالتنا بأن هذا الحل الثنائي لن يقضي على النزاع. وإذا أخمدت الحرب جنوباً، فهي من دون شك ستندلع بعد الغد في الشرق أو الغرب. نحن طبعاً لن نحلم بأن نتفرغ لمثل ما قد يقتضيه هذا الاتصال من تحركات مكوكية بين واشنطن والعواصم التي يتوزع عليها شتاتنا. لكنني أقترح أن يكون سودانيو المنافي لجنة صغيرة جداً من ثلاثة الى خمسة شخصيات مقبولة ومؤتمنة لتطلب مقابلة مسؤولي الخارجية ومجلس الأمن القومي. ولتبدأ هذه اللجنة أيضاً اتصالات مع ال HOPEFULS من مرشحي الحزب الديمقراطي لتأسيس قاعدة اتصال قد نحتاج إليها إذا تغيرت الإدارة في الانتخابات المقبلة. نحن نعرف أن شخصيات بعينها في إدارة الرئيس بيل كلينتون وضعت خطوطاًحُمُر تحت اسمى الصادق المهدي ومحمد عثمان الميرغني، وأوصت بالبحث عن قرنق شمالي جديد. واتجهت بوصلة الإدارة السابق صوب العميد عبد العزيز خالد، ثم ما لبث المسائل أن نامت بسبب الانتخابات وطارت الإدارة نفسها في النهاية. لكن تلك السياسة بقيت لأن من وضعوها هم الموظفون المدنيون الذين لا يتبدلون مع موظفي الإدارة الذين يأتي بهم الرئيس الجديد ضمن فريقه. وأنت سيد العارفين بآليات العمل في حكومة واشنطن الفيدرالية. أقترح أن نتشاور في بذل جهد من هذا النوع. لأن الغرض يا سيدي أن تتوافر ظروف تلائم عودة هذه العصافير المهاجرة، بما تأتى لها من خبرات متراكمة، وبما حصلت من تعليم رفيع. والحقيقة أن العودة حلم يستعصي على السودانيين محوه من لاشعورهم. نحن لسنا مثل الاخوة اللبنانيين ولا أبناء جزر الكاريبي الذين يتخذون الأرض التي يحطون بها رحالهم موطناً، ويعملون للتميز والثراء والازدهار في أوطانهم الجديدة. نحن تمت هندستنا جينياً بشكل لا يسمح لنا بطيب مقام إلا إذا عاد المرء منا الى مسقط رأسه. وهي جينة واحدة لدى جميع القبائل الأصلية التي نشأت على مر العصور في هذه الرقعة التي نفاخر بأنها لنا وطن. والغريب أن السودانيين بعد بلوغهم ذروة نجاحاتهم في المغتربات والمهاجر يقررون العودة أملاً بأن يتوسد العائد منهم تربة موطنه. يا أخي حقنا في هذا الوطن أصيل ولا ينبغي أن نتنازل عنه مهما كانت نجاحاتنا واستقرار عائلاتنا في الخارج. ومثلما قال الأخ أمجد لا بد من صيغة جادة وذكية لدرس مسألة العودة، والهجرة الى كبويتا أو جوبا ليست خياراص سيئاً ولا مخيفاً. أنا شخصيا أتمنى أن يكون لي بيت فسيح متواضع في واو أو جوبا لأقضي بقية حياتي. ولكن إذا ذهب السودانيون الآن الى قرنق في معقله الجنوبي هل سيجدون متسعاً مع المناضلين الذين أشرت إليهم؟ وسؤال برئ: هل كل جماعة قرنق وحدويون حقاً؟
حدسي يقول لي إن الجنوب ذاهب الى غير رجعة عن الشمال. شكل الترتيبات الأمنية يوحي بأن الحكومة وافقت على الكونفيدرالية التي طالب بها قرنق العام 1993. إذا كان له جيشه ومصرفه المركزي ووزير دفاعه، لماذا سيعود الى خيار الوحدة الذي يعطي المركز السلطة العليا؟ لقد تحدثت هاتفياً من لندن ذات مرة الى مولانا القاضي أبيل ألير في الخرطوم، وكان حديثه لي يفيض بالمرارة من نقض العهود. وخلصت الى أنه وحدوي ولكن الوحدة التي يريدها مستحيلة، لأننا باسم العهود التي نقضها أهلونا وأبناء جلدتنا الشماليون يجب أن نعتذر صبح مساء للجنوبيين، ويجب أن نكفر عن أخطاء غيرنا أطول مدة ممكنة الى أن تتصافى النفوس. لكن الشماليين يتساءلون في حيرة: ماذا يريدون الجنوبيون حقاً لتبقى وحدة السودان؟
أعتقد بأنني تطرقت معك في آخر حديث هاتفي بيننا الى مسألة الاتصال بمسؤولي الإدارة. وهأنا أطرحها عبر الأخ أمجد وغيره من الاخوة الأفاضل لنتبادل الرأي فيها ثم نمضي الى ما يوفقنا إليه الله. أهم ما ينبغي أن ألفت إليه أن سوداناً تشارك الجبهة الإسلامية القومية في إدارته والهيمنة عليه لن تتحقق فيه مطلقاً أي ظروف مواتية لاستيعاب المهاجرين والمغتربين. ومن الناحية الأخرى إذا بقينا في شتاتنا فمعنى ذلك أن الباقين من ذوينا في السودان ستقصر حيلتهم عن محاربة الجبهة ومكافحتها حتى يعود الحق المغصوب لأهله. مشكلة القيادة التي تفضلتما بالإشارة إليها لن تحل إلا بعودة السودانيين من الدياسبورا. فهل حقاً هناك من يستطيعون إتخاذ قرار بمثل هذه الصعوبة؟ وإذا كانت وعود أمريكا وأوروبا بضخ رساميل هائلة لتنمية البلاد وإعمارها ستحقق، فمعنى ذلك أن الاقتصاد سينتعش، والوظائف ستكثر، والفرص ستزيد. هل يكفي ذلك حافزاً. نعم. لكن ليست هناك ضمانات ما لم يكن هناك تفاهم شفاف وواضح مع القوى العظمى التي تمسك بأوراق الحل في بلادنا في هذه اللحظة الحاضرة. وإلا فسيغرسون الجبهة الإسلامية في عظامنا حتى النصل. ولن يكون أمامنا سوى العودة في صناديق. لا نسمع ولا نرى ولا نعيش!
نسمع منكم، دام فضلكم أيها الأحباب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.