التصويت حرام ..! منى أبو زيد [email protected] ها هو تاريخنا السياسي مع أدلجة الفتاوى يعيد نفسه مع منعطف تقرير مصير جنوب السودان، - يعيدها - في بيان الرابطة الشرعية للعملاء والدعاة بالسودان والذي أفتى ببطلان الاستفتاء لوحدة البلاد أو انفصال جنوب السودان ..! وكأن ذلكم الاستفتاء واقعة وقعت على مسلمي السودان من السماء أو مفاجأة مذهلة فتح علماء السودان أعينهم عليها على حين غرة، فأطرقوا مفكرين، ثم خرجوا علينا بحرمة ما تحمله تلك المفاجأة من ضلالات .. وبحسب البيان فإن التكييف الشرعي للمشاركة في فصل الجنوب هو (حرام) شرعاً ..! إسلامنا هو دين الحوار والحرية والعدالة .. وهو أكبر وأعظم وأشمل من مقتضيات وأغراض الحراك السياسي .. ولكن إذا ما نحن سلمنا جدلاً بوجوب التحليل والتحريم في قضية الاستفتاء على تقرير مصير جنوب السودان .. أوليس في ذلك الجمع الغريب بين الحكم ببطلان الاستفتاء وحرمة المشاركة في تحقيق الانفصال تناقضاً وتعسفاً – غير مبرر - في إطلاق الأحكام ..؟! إذا كان مسلمو الجنوب هم المقصودين بذلك التحريم، فلماذا لا تكون الحرمة بالتصويت لصالح الانفصال وكفى ؟! .. لماذا الفتوى ببطلان استفتاء مقرر منذ سنوات طوال وعلى يد حكومة لم تفت ذات الرابطة بحرمة طاعتها ولم تحرض على شق عصا طاعتها ؟! .. ماذا يا ترى ؟! .. هل تريد الرابطة الموقرة أن تقول بأن حكومة السودان تقترف الحرام بالموافقة على حلول الاستفتاء .. أم أن الحكومة – نفسها – ملتزمة بالفتوى ..؟! أين كان مسلمو الشمال من مسلمي الجنوب ؟! .. أين كانوا من حملات التنصير ومحاولات القمع والتضييق ؟! .. أين كانوا من أولئك القابضين على جمر الإسلام تحاذيهم، الشكوك وتحفهم الموبقات ..؟! خبراء ومحللون كثر قالوا إن أوضاع مسلمي جنوب السودان ستكون أكثر سوءا في حال الانفصال، فالإطار الذي وضعته اتفاقية السلام للتعايش بين الأديان يبقى نظرياً وعصياً على تحجيم صعوبات الواقع .. أين كان علماء السودان من حوادث التضييق على أداء الشعائر .. أين كانوا من تيار المهمشين .. ومحاولات الإقصاء ..؟! لماذا وافقت حكومة الشمال على إنشاء مفوضية لمسيحيي الشمال بينما لا مفوضية مماثلة لمسلمي الجنوب ؟! .. الإسلام أقدم من المسيحية في الجنوب، وهو يأتي في مقدمة الأديان انتشارا هناك .. ولكن دور مسلمي الجنوب في تجميل وجه الوحدة بقى خاملاً ضعيف الأثر لأن غلبة العنصرية القبلية - في السودان – كانت وما تزال تطغى على مشاعر الانتماء إلى دين واحد ..! أما كان الأولى بعلماء السودان وشيوخه أن ينشغلوا بقضايا مسلمي الجنوب انشغالا استراتيجياً عوضاً عن تفصيل الفتاوى في الهزيع الأخير من ليل الوطن الواحد ..؟! قلناها وما زلنا نقول.. تلقيح المواقف السياسية بالفتاوى الدينية ظاهرة خطيرة تنتج كائناً فكرياً هجيناً (موقف سياسي يشد من أزره حكم فقهي غير قابل للمراجعة، أو إعادة التشكيل، وبالتالي فهو غير قابل للحوار) .. وذاك هو مكمن الخطر .. فالحذر .. الحذر ..!