حديث المدينة ما الذي يحدث في شرق السودان.. عثمان ميرغني لا أخفى عليكم قلقي على ما نسمعه من أخبار شرق السودان.. وليس مصدر قلقي ما طفى على صفحات الصحف في الآونة الأخيرة عن المعركة بالكراسي في داخل أسوار حزب المؤتمر الوطني هناك.. فلربما كانت مجرد \"تفاهمات\" حول الكراسي.. حُسمت بالكراسي.. لكن ما يقلقني ما تعرض له زميلنا الصحفي الشاب عبد القادر باكاش.. وهو مدير تحرير صحيفة \"بروؤت\" الاقليمية التي تصدر في البحر الأحمر أسبوعياً.. وهو مدير تحريرها (ومراسل الزميلة السوداني في ذات الوقت).. كتب مقالاً في عموده الراتب تحت عنوان \"البيان الأول\".. حشد فيه كثيراً من العاطفة والخوف أن ينزلق الشرق إلى منحنى المطالبة بتقرير المصير.. وما فهمته من المقال بعد أن قرأته مثنى وثلاث ورباع أنه يقصد التحذير وإضاءة الأنوار الحمراء وقرع الأجراس.. لكن شدة رد الفعل إذ جرى اعتقاله وأُرسل إلى الخرطوم وينتظر حالياً في سجن كوبر.. جعلتني أحس بأن الأزمة ليست في المقال.. بل في – ربما- معلومات لدى الجهات الرسمية عن \"كواليس\" المقال.. وكانت تلك بالضبط سبب معركة (الكراسي) التي دارت ونقلت أخبارها صحف الخرطوم. يبدو (وهذا تحليل من عندي) أن لدى الجهات الرسمية معلومات عن شيء ما يدور وراء الكواليس في الشرق وتتحسب له بكل هذه الحساسية العالية.. ولكن أليس الأجدى أن ننظر للوضع في الشرق كله بمنظار غير الذي رأينا به كثير من معضلات البلاد الأخرى.. شرق السودان.. وفي عز عهود الاحتراب في التسعينيات من القرن الماضي ورغم وجود أكثر من حركة مسلحة من شرق السودان إلا أن أهله لم يمارسوا قط تدمير الذات.. كانت حادثة واحدة فقط في بداية التسعينيات حاول البعض تفجير الكبري الذي يعبر فوقه طريق الخرطوم – بورتسودان وانفجرت العبوة فيهم.. ثم اتضح أنها كانت من تدبير وترتيب أبناء الذوات في قلب الخرطوم. حتى في أفجع لحظات الاحتراب مارس أهل الشرق شرف الخصومة الفاضلة.. ولم يدمروا اقليمهم كما فعل – بكل أسف- أبناء دارفور ولا زالوا.. ولحسن حظ الشرق.. أن الأموال التي توفرت من مؤتمر الكويت تكفي لإقامة مشروع \"مارشال\".. يجعل من الشرق جنة السودان ومخزونه المكتنز بعافية الموارد.. لماذا لا نحاول الرهان على كل هذه الأصول الثمينة في الشرق.. إنسان مبدع خلاق راقي.. وموارد موجودة وأخرى موعودة.. بدلاً من السير في مسالك المواجهة في أي مستوى أو مجال.. أتمنى أن يطلق سراح زميلنا عبد القادر باكاش.. فوالله العظيم ما رأينا في هذا الشاب إلا الصدق والحرص ونبل المقاصد. ولنضع في اعتبارنا أن إثارة الدخان في سماوات الشرق قد تشوش على المانحين الدوليين وربما يقبض البعض يده بعد أن بسطها بالوعود.. فنفسد بأيدينا ما بذلت فيه الشقيقة دولة الكويت كل جهدها من أجل إنسان الشرق.. التيار